ظاهرة الاغتراب في ديوان "ساعة من ليل" للشاعر سامي أبو بدر


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

تعد ظاهرة الاغتراب في ديوان (ساعة من ليل)  للشاعر سامي أبو بدر سمة محورية تتولد عنها سمات أخرى متصلة بها كالحنين، والشوق إلى الوطن وغيره؛ لذلك لا يمكن الحديث عن إحداهما دون الآخر، أو أن يفصل بينها؛ لذلك اتسعت دائرة الاغتراب  في ديوان ساعة من ليل  للشاعر سامي أبو بدر، فحفل معجمه بالألفاظ التي تدل على لاغتراب والغربة، وبروز دوال مرادفة لها، أو متولدة عنها، وما يتصل بها عبر عنها في قصائد ديوانه (ساعة من ليل)  مثل: (الحنين، الشوق، البكاء، السجن، الرحيل، الشجن، الهجر، السفر، الأوجاع، الذكريات، الغربة، الفرار، الهروب، الألم، الآهات، اليأس، اللهفان، الأسيرة، الأنين، البؤس، اليأس).

ومن أبرز مظاهر الاغتراب  في ديوان (ساعة من ليل)؛ (الاغتراب النفسي، الاغتراب المكاني، الاغتراب الثقافي) وفيما يأتي بيان لهذه المظاهر:

-       الاغتراب النفسي:

ظاهرة الاغتراب، وظاهرة الغربة والحنين ظاهرتان متلازمتان، والشاعر سامي أبو بدر  يتعمد التخفيف من وجع الغربة، والتقليل من آثارها، بالالتحام والاتحاد بالوطن، يحزن ويتألم نفسيا لفراقه، وما قد يصيب الوطن من شدائد.

وتتضح معالم الاغتراب النفسي في مطلع ديوان (ساعة من ليل) في القصيدة الأولى (أنين) حيث يقول أبو بدر:

 (لا تستغيثي واكتمي الآلام إني عاجز/ أنا لا أجيد سوى البكاء/ هذا زمانٌ لا يقارن بالزمان/ ولا تعاتبه الجراح/ وحلمنا الوردي بات مهلهلا في زحمة الأشواك والآهات، والدرب الذي غامرت في أرجائه معكِ/ ابتهاجا بالصبا/ هجرته أحلامي التي كانت تحلق في الفضاء).

وقوله في نفس القصيدة أيضاً:

 (أكذوبة/ تلك الحكايات/ التي كنا نسافر في معانيها/ لتبهرني وتوهمني/ بأنكِ رهن أحلام تسلقها الفؤاد/ اليوم يسقط عن قساوتكِ القناع/ الآن تعصف بي حقيقتكِ/ التي باتت تجاهر بالشقاق وبالجفاء).

 وقوله:

 (إني سئمت تألمي/ منْ لي يُهوِّن من جراحاتي/ التي باتت تؤرقني ) وقوله (أصداء آهاتي يغالبها الهوى/ ويملها قلبٌ يفتش في دهاليز الظلام عن الصباح).

 وقوله في قصيدة (نشيد النهر):

 (برغم الجراح التي تنزف الآهَ/ حين يحل ظلام العشيةْ/ برغم انكسار العيون البريئةِ: حين استحلت براءتها طعنة بربريةْ).

وقوله في قصيدة (حنين):

 (عروس/ وفي ليلة العرس قالت وداعا/ وراحت تلملم حاجاتها/ واصطبار مرير/ يمزق فيها السكون/ التي قد رأته ضياعًا/ وفي مقلتيها كلام/ يشتت قصد الدموع التي/ لا تجف/ يهامسها المنتهى/ أن أفيضي/ ويحيا ابتسام على ثغرها/ يستبي اللفظ في خندق الغيظ).

وقوله في قصيدة (سأحيا أغني):

 (لأني بدونك/ لا شيء أذكر في الكائنات/ فأنت الحياة/ وأنت الخواطر والذكريات/ وأنت حقيقة سر/ تستر بالمعجزات/  ومجدك راق وذكرك باق/  وعزك آت).

وقوله في قصيدة (ساعة من ليل):

والدهر صوب سهمه  متعمدًا               قلبي، ولما قد ضعفت رماني .

من كل لون للجراح يذيقني                 وبكل كأس للهموم سقاني .

يقول في قصيدة (أنين ):

يا ذكريات طفولتي وبراءتي/ أمسيت في الأعماق/ جُرحًا غائرًا/ وغدوت في الأحشاء داء).

وقوله في قصيدة (ساعة من ليل):

ورأيتني أمسي يؤرق مضجعي               هم ينوء بحمله الثقلان

لما رأيت حبيبتي مكلومة                   والكون يبكيها بدمع قاني

وها هي بلده تخاطبه في قصيدة (ريح عقيم):

 (قالت/ وسكون الليل يحاورني:/ قم مزق ما سطرت بصدرك/ ها هو في الساحات يداس بأحذية ويهان/ الريح عقيم يا ولدي/ لن ترحم قلبا من ورق/ لن تغني عقلا من طين).

وقوله في قصيدة (ساعة من ليل):

والليل يعجز عن بلوغ نهاره              فالصبح أبعد من منال دان ٍ

وظلام هذا الليل  يحجب رؤيتي         فكأنه سجن بلا قضبان

وقوله في قصيدة (عاصفة ):

 "عاصفة من الآلام تسرق فرحتي؟/ يوم استباح الصمت أمنيتي/ بلا ذنب/ فأعلنت التمرد لا الحداد/ ورحت أغزل من براءتك الردى/ لأذود عن حلم مباح/ قد غدا في شرعة الأقزام/ جرمًا سافرًا/ وأدانني قاضي بغير قضية:/ أتراك تجرؤ لحظة .../ أن تستحل الحلم دون محلل؟!/ فأجبته: هو حلم من عشق الحياة../ ولم يزلْ."

وقوله  في قصيدة (ترانيم):

 (والشوق يستبق الحنين/ وينهب الأرض اعتذارا/ نحو وجه الصبح يلتاث الأماني/ عند أحلام الصبي/ قم طارد الصمت المهين/ وقاوم العبرات/ إن هي أقبلت ليلا تعانق مقلتيك/ وشتت الحسرات/ من أعماق فلب مزقته الآه يومًا).

وفي قصيدة (النهر) بين أن الصباح كان موعدًا لاشتداد مآسي أبناء الوطن يقول:

 وحين تجلى ضياء الصباح / تجلت لأعيننا مسرحيةٌ/ يوزع أدوارها مخرج طامح/ جانح في مدار الخيال/ ليكتب فينا نهايتنا/ مبدعا في صنوف الردى).

وقوله في قصيدة (ستار من حجر):

 (.. وإلى متى/ سنظل ينهش بعضنا بعضا/ ويلعن بعضنا بعضا/ ويلعننا القدر/ وإلى متى/ ستظل أحلام الرجال سفاهة/ تسطو على كل المبادئ/ والحياة ..شقاؤها يحلو/ بعين التافهين/ ومن تلذذ بالخنوع/ ومن توارى في الحفر؟/ وإلى متى/ ستظل تجمعنا الشعارات السقيمة/ والهتافات العقيمة).

-       الاغتراب المكاني:

الاغتراب المكاني واقع عاشه الشاعر سامي أبو بدر، وعانى قسوته، فانعكس ذلك على حالته النفسية والعاطفية، فهو يشير إلى ما أصابه من وجع وجرح لبعده عن وطنه، وتبدو معالم الاغتراب المكاني واضحة  في عدة مواضع من  ديوان (ساعة من ليل).

 ومن أمثلة ذلك  قول  أبو بدر في قصيدة (الوعد):

 (أفتش فيك يا سمراء عن ذاتي/ وعن أحلى حكاياتي    تداعبني/  وتلهب نبض أوردتي/  وتحملني إلى الجنات/ في أرجائك الحسناء/  بين رياضك الغناء/  والشطآن)

وقوله في قصيدة (نشيد النهر):

 ".. برغم الجراح التي تنزف الآه/  تراهم وقد أنشدوا/  فوق هذا الثرى/ وسط تلك المروج/ أهازيج عشق لتلك القرى والمدائن)

وقوله في قصيدة (ستار من حجر):

 (ثم ينزع بيننا الشيطان/ في خلواتنا/ يبدو كناصح قومه/ في ليلة دمس الظلام على القلوب/ وبات كلٌّ في خطر/ يا قوم هل من مدكرْ؟/ من ذا الذي بذر الشقاق بأرضنا/ ليفوز يوم حصاده/ بجراحنا ودمائنا).

وقوله في قصيدة (حُلْم):

 (إن كانت قد ضاقت بخطاي .../ فلا سلمت من أوجاع القلب المجروح/ ومن لعنات الروح/ ولا رحبت بسواي عليها/ ما دامت تلقي الضحكات إلى الأصنام/ وترميني بنوائبها/ وتناست أني من شادت بالحب أنامله/ وطنا للعشق بلا ثمن.../ إلا أن يبقى حُلْم يجمعني../ ببقايا حُرْ).

-       الاغتراب الثقافي:

الاغتراب الثقافي ظاهرة واضحة لدى الشاعر سامي أبو بدر لمبادئه الوطنية، وفلسفته للكون والحياة جوهرها الكرامة والحرية الإنسانية بعيدا عن المصلحة الشخصية والطموحات والتطلعات الذاتية فها هو يتطلع لحلم الحرية والكرامة.

 وتبدو معالم هذا الاغتراب الثقافي لدى الشاعر سامي أبو بدر في قوله في قصيدة (ترانيم):

 (عندما حل المساء/ وضمنا حلم يحاصر حلمنا/ حين احتسينا/ جرعة الموت المقنع بالحياة/ وحينها سالت دموعك/ تنبت الآلام في أرجاء قلبي/ تحرق الآمال فيّ).

وقوله في قصيدة (الوعد):

 وأبكى نهرنا جرحٌ/ فأمسى النهر مهمومًا/ يغالب دمعه القاني/ غدوت أسئل الماضي: أكنت حقيقة؟ أم أنك الوهم/ الذي كتبت أنامله/ نهاياتي؟)

ويقول في قصيدة (ترانيم):

 (آمنت بالفجر المبين/ فقلت: لا تحزن / وهون من بكائك  يا بني/ الفجر قد ثقلت به رحم الظلام/  وراح ليلك يكتسي منه/ ترانيم الرحيل/ وغاب في جو السماء/ نعيب سجاني الشقي).

وقوله أيضاً في نفس القصيدة:

 (... إني سمعتك تصرخين:/ أيا بني../ قم يا بني../ تاهت معالمنا هنا بين الخطايا والبلايا/ واستطاب العجز/ نهشا في بقايا بائس/ أضناه في عمر الصبا/ جبن خفي/ والروح تلعق صبرها/ من كل آه في خلايانا/ التي باتت يصارعها الأسى../ قم سجل الأعذار في أم الكبائر/ واطوها في نهرنا/ فلعلنا نئد النواح/ وعل هذا الجمر يطفئه/ فرات النهر/ يحمله عن القلب الطوي).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply