فضائل شهر رمضان في القرآن الكريم والسنة النبوية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

إنه شهر رمضان المبارك، وعلى المسلم أن يعرف فضائل هذا الشهر العظيم وأن يسع كل السعي لاغتنام هذه الفضائل وجنى الأرباح العظيمة، وفيما يلي بيان لفضائل هذا الشهر العظيم لتفعيل السبل للاستثمار المضاعف، ونحن في ذلك نطمع في كرم الله تعالى وفي مضاعفة الله سبحانه للأجور فهذا أثمن ما نملك في هذه الدنيا.

شهر الوفاء بفريضة الصيام شهر الصيام وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183]، وفي الجنة باب خاص بأهل الصيام فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أَنفَقَ زوجَينِ في سبيلِ اللهِ، نودِيَ من أبوابِ الجنةِ: يا عبدَ اللهِ هذا خيرٌ، فمَن كان من أهلِ الصلاةِ دُعِيَ من بابِ الصلاةِ، ومَن كان من أهلِ الجهادِ دُعِيَ من بابِ الجهادِ، ومَن كان من أهلِ الصيامِ دُعِيَ من بابِ الرَّيَّانِ، ومَن كان من أهلِ الصدقةِ دُعِيَ من بابِ الصدقةِ»، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسولَ اللهِ، ما على مَن دُعِيَ من تلك الأبوابِ من ضرورةٍ، فهل يُدْعَى أحد من تلك الأبوابِ كلِّها؟، قال: «نعم، وأرجو أن تكونَ منهم» (صحيح البخاري [1897]، وصحيح مسلم 1027).

 

وفي هذا الصدد يجب على المسلم أن يحرص كل الحرص على صيانة الصيام من كل أعمال السوء ومن الرفث والفسوق، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيامُ جُنَّةٌ، فلاَ يَرْفُثْ ولا يَجهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتلهُ أوْ شاتَمَهُ، فَليَقُلْ إني صائمٌ مَرَّتينِ. والذي نَفسي بيدهِ لُخلوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عِندَ الله تعالى منْ ريحِ المِسكِ، يَترُكُ طعامَهُ وشرابَهُ وشهوتَهُ منْ أجْلِي، الصيَامُ لي وأنا أجزِي بهِ، والحسنةُ بعشرِ أمْثالِهَا» (صحيح البخاري 1894).

شهر ليلة القدر إنها ليلة القدر الليلة العظيمة التي شرفها الله جل جلاله، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر:1-5]، والمسلم ينتظر هذه الليلة لكي ينال رضا الله تعالى ومغفرة الذنوب والآثام ومضاعفة الأجر من الله الكريم فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ» (صحيح البخاري [1901]، وصحيح مسلم 760).

شهر قيام الليل قيام الليل فضيلة كبيرة، وسبب عظيم لمغفرة الذنوب والقرب من الله تعالى، قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزمر:9]، وفي شهر رمضان يحرص المسلم على اغتنام مواسم الخير فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ»(صحيح البخاري [2014]، وصحيح مسلم 760)، ويرجى من المسلمين أن يلازم الإمام في صلاة القيام حتى ينصرف الإمام وله أن يكمل بعد ذلك في البيت وذلك حتى ينال أجر قيام الليلة كاملة، فعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّه مَن قام مع الإمامِ حتى ينصرفَ، كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ» (صححه الألباني، صحيح الجامع2417).

شهر الإكثار من تلاوة القرآن الكريم إن تلاوة القرآن الكريم أفضل ذكر لله تعالى وهي من أعظم العبادات وبها من الأجور التي تحفز المسلم أن يغتنم الأوقات في ملازمة هذه العبادة العظيمة، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:185]، ويتأكد الإكثار من تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان الكريم تأسيا بخير خلق الله تعالى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "كان يَعرِضُ على النبي صلى الله عليه وسلم القرآنَ كلَّ عامٍ مرَّةً، فعرَضَ عليهِ مرَّتينِ في العامِ الذي قُبِضَ فيه، وكان يَعْتَكِفُ كلَّ عامٍ عَشرًا، فاعْتَكَفَ عِشرينَ في العامِ الذي قُبِضَ فيهِ" (صحيح البخاري 4998).

شهر العتق من النار إنها أجمل نعمة أن نكون من العتقاء من النار، والعتق من النار وتجنب دخول جهنم ودخول الجنة هو الهدف العظيم الذي يسعى المسلم بتحقيقه رجاء في رحمة الله جل جلاله، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران:185]، وفي شهر رمضان وفي كل ليلة يمن الله تعالى على عباده بأن يجعل منهم عتقاء، فعن أبي أُمامة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «للهِ عندَ كلِّ فطرٍ عُتَقاءُ» (صححه الألباني، صحيح الترغيب [1001]) فنرجو من الله تعالى أن يجعلنا من العتقاء وأهلنا وجميع المسلمين، وعلينا الحرص على نيل هذا الشرف بفعل الصالحات وتجنب السيئات وملازمة الدعاء.

شهر الإكثار من الصدقة إن الصدقة لها شأن عظيم في الإسلام، ولقد أمر الله تعالى الصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى في آيات كثيرة لبيان أهمية وفضل الصدقة، قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}[البقرة:276]، وقال الله سبحانه: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ من الآية:39]، وكان من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الإكثار من الصدقة في شهر رمضان فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (صحيح البخاري [6]، وصحيح مسلم 2308). ولذا يحرص المسلم كل الحرص على الصدقة وفي هذا أوجه كثيرة ويسيرة فلنساهم في إطعام المساكين والمحتاجين ولنسع كل السعي على التعاون في جمع المال لبذله في سبيل الإنفاق لوجه الله تعالى فلنقم بشراء أكياس التمر ونعطيها للأهل والجيران والأصدقاء فلنقم بدعوة الغير للإفطار.

الشهر الذي فيه العمرة تعدل حجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم إن العمرة من عبادات وشعائر الإسلام العظيمة، وفي شهر رمضان لها فضيلة أخرى، فمن استطاع العمرة في رمضان فليفعل لكي يكون في زمرة من نالوا هذا الأجر الكريم، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: «ما منَعَكِ أن تَحُجِّي معَنا» قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحًا ننضح عليه، قال: «فإذا جاء رمضانُ فاعتمِري، فإنَّ عُمرةً فيه تعدِلُ حجَّةً» (صحيح مسلم1256)، وفي رواية لمسلم: «حجَّةً معي». والناضح هو بعير يسقون عليه.

نسأل الله تعالى أن يبلغنا والمسلمين رمضان وأن يبارك لنا فيه بالقرب من الله جل جلاله.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply