المرأة بين العدالة والمساواة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

هناك حديث يحاول البعض إقناع الناس فيه بأن المرأة قد أحست الآن بأنها تعاني ظلما يجب أن يُرفع عنها ، وهذا الظلم يتمثل في كون ميراثها وما تناله هي فيه أقل من الرجل ، والقرآن الكريم يقول: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)سورة النساء آية 11 والمجتمعات الآن تتجه نحو إقرار مبدأ كبير وهو مبدأ المساواة، وهذا الكلام لابد من عرضه وفحصه على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية الغراء حتى لا يحدث الابتعاد عن جادة الصواب.

هؤلاء الذين يتحدثون حديثا مستمرا على أن المرأة الآن من حقها أن تساوي الرجل في الإرث يحاولون دعم دعواهم تلك بأمور:

منها أن المرأة الآن أصبحت مالكة للمال، ومن قبل لم يكن لديها مال لأنها الآن دخلت سوق العمل وأصبحت قادرة على الإنفاق على الأسرة، إذا لابد أن ترث مثل الرجل، لأن الرجل لم يرث أكثر من المرأة إلا لهذا السبب، وهو أنه مكلف بالإنفاق.

والجواب:

إن المرأة في تاريخنا الإسلامي كانت في حالات متعددة امرأة تملك المال، وبيدها ثروة، وما قد لا يكون بأيدي الرجال، وقد وُجد أيضا نساء فقيرات.

وفي تاريخنا أيضا نجد أن المرأة مكَّنها الإسلام من أن يكون لها مال، فالمرأة ترث كما يرث الرجل، وكانت تشتغل في أعمال متعددة، وهناك الكثير من المهن كان لا يزاولها إلا النساء منها نسج الثياب الفاخرة، وأشياء كثيرة تختص بها المرأة، وكانت المرأة تستأثر بأشياء لم يكن للرجال نصيب منها، فأسواق الذهب فيها تجارة رائجة، ولكن هذه التجارة للتعامل مع النساء، لأن المرأة في الشريعة الإسلامية هي التي يجوز لها أن تستعمل الذهب، وكذلك الحرير، وهذه ثروات خاصة بالنساء في تاريخنا الإسلامي، وفي تاريخنا كثير من المبرات بَنَتْها النساء، وكم من مسجد بَنَتْه امرأة، مما يدعم القول بتمتع النساء بثروات في تاريخ الإسلام.

ومنها أنهم يقولون إن الذي ينبغي أن يتجه إليه الناس الآن هو مبدأ المساواة،والمساواة مطلب عالمي.

والجواب: أنه في الإسلام أشياء لو تراجعت فيها المرأة إلى المساواة لكانت خسارة كبيرة للمرأة فعلى سبيل المثال:

1-              في الشرع الصداق على الرجل، كما قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} سورة النساء 4 ولو قلنا بالمساواة يجب أن تدفع المرأة نصف الصداق والرجل النصف.

2-              يُلزم الرجل بالإنفاق على الزوجة، كما قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} سورة البقرة 233 وإن امتنع عن ذلك يُجبر على الإنفاق، ولو فرضنا المساواة لما كان ذلك.

3-              حينما يقع انفصال بين الرجل والمرأة ، فالذي يستحق الحضانة المرأة، ونفقة الأولاد مسؤولية الأب، وكذلك توفير السكنى، ولو فرضنا المساواة يجب أن نقسم الأطفال إذا كانوا أربعة مثلا، اثنان مع الأم ، وآخران مع الأب ، وكذلك إشراك الأم في مسؤولية النفقة والسكنى.

4-              ولو كانت المرأة تُرضع يجب على الزوج أن يعطيها نفقة الإرضاع، لقوله تعالى: )فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، ولو فرضنا المساواة لما كان ذلك.

5-              إذا كان للإنسان أب وأم، فهو ملزم بالإنفاق عليهما، لكن إن قصرت يديه ولم يستطع أن ينفق عليهما سويا، فإنه ينفق على الأم ويقدمها دون الأب، ولو فرضنا المساواة لما كان ذلك.

6-              في مسألة فكاك أسرى المسلمين، يقدم فداء النساء على فداء الرجال، ولو فرضنا المساواة لما كان ذلك.

هذه بعض الأمثلة الواضحة التي تبين تمييز الشريعة الإسلامية للمرأة، لأن شريعتنا قد بنيت أساسا على العدالة، والعدالة فيها مقدمة على المساواة ،والعدالة في الشريعة أنصفت المرأة أيما إنصاف، والذي يريد أن يرد المرأة إلى المساواة، يريد أن يقول لها تنازلي عن حقك في الصداق والنفقة، وغير ذلك من الحقوق، واجعلي ذلك شركة بينك وبين زوجك.

والفقه الإسلامي هو فقه واقعي لا مثالي، ولا يرفع الشعارات، فقد أعطى للمرأة خصوصيات قد بنيت على مبدأ الشريعة العظيم وهو العدالة.

إن الذين يتوهمون أن المرأة ترث نصف ما يرث الرجل في كل حالات الإرث، هذا التوهم مخالف للحقيقة تماما.

وذلك لأن الحالات التي ترث فيها المرأة أقل من الرجل أو نصفه باعتبار حالات الإرث هي بنسبة 16.33% فقط ،وأما ما سوى ذلك فهو كالتالي:

1- فتارة تأخذ مثله، كالأم مع الأب في حال وجود الابن، فللأم السدس، وللأب السدس، والباقي للابن. وكالأخ والأخت لأم ، فإنهما يرثان بالتساوي ؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) النساء 12 

2-  وتارة تأخذ أكثر منه، كالزوج مع ابنتيه، فله الربع، ولهما الثلثان، أي لكل واحدة منهما الثلث. وكالزوج مع ابنته الوحيدة، فله الربع، ولها النصف، ويرد الربع الباقي لها أيضا .

3-  وتارة ترث ولا يرث، كما لو ماتت امرأة وتركت: زوجاً وأباً وأماً وبنتاً وبنت ابن، فإن بنت الابن ترث السدس، في حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلاً من بنت الابن لكان نصيبه صفراً؛ لأنه كان سيأخذ الباقي تعصيباً وهو ما بقي عن ذوي الفروض، ولا باقي.

فلا يوجد في نظم قسمة الأموال نظام تستفيد فيه المرأة أكثر من النظام الإسلامي قولا واحدا، وذلك لأن المرأة الوارثة في الشريعة الإسلامية عبارة عن تسعة أنواع:

الأم، الزوجة، البنت، بنت الابن، الأخت الشقيقة، الأخت لأب، الأخت لأم، الجدة لأب، الجدة لأم.

ولو قارنا ذلك بما هو موجود مثلا في بعض البلدان من نظام الضمان الاجتماعي حاليا، لوجدنا أن الأعطيات المالية بعد وفاة الإنسان لا تُعطى إلا لزوجته أو أبناؤه فقط، ولا علاقة بهم بأنواع النساء الأخريات.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المصادر:

1.    الموسوعة الفقهية الكويتية 24 / 64

2.    بداية المجتهد ، ابن رشد ، 3/76 ، ط دار الحديث ، القاهرة.

3.    المغني ، ابن قدامة  8 / 239 

4.    المرجع السابق ، 11 / 431

5.    الموسوعة الفقهية الكويتية 41 / 88

6.    بداية المجتهد ، ابن رشد ، 4 / 125

7.    حاشية البحيرمي على الخطيب  3 / 330 ، الموسوعة الفقهية الكويتية  3 / 30

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply