شرح منهج السالكين كتاب الصيام


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

المسألة الأولى :
تعريفه: لغة الإمساك .
وشرعاً: هو التعبد لله بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
فرض في السنة الثانية من الهجرة .
قال ابن القيم: ”وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة ، فتوفي رسول الله وقد صام تسع رمضانات
المسألة الثانية:
مراحل فرضية رمضان :
صيام رمضان فرض على ثلاث مراحل :
أولاً: صيام عاشوراء .
لحديث عائشة قالت (كان رسول الله أمر بصيام يوم عاشوراء ، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر) رواه البخاري.
ثانياً: مرحلة التخيير بين الصيام والفدية قال تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طــعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم) .
ثالثاً: فرض الصيام على التعيين .
قال تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
المسألة الثالثة :
صيام رمضان واجب بالكتاب والسنة والإجماع .
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وعن ابن عمر. قال: قال رسول الله صلى الله علبه وسلم: (بني الإسلام على خمس ....... وذكر منها : وصوم رمضان) متفق عليه
وأجمع المسلمون على وجوب صيام رمضان. ( قاله ابن قدامة).
من أنكر وجوبه كفر لأنه أنكر أمراً معلوماً بالضرورة من الدين ، وأما من تركه تهاوناً وكسلاً فالصحيح أنه لا يكفر وهذا مذهب الجمهور
المسألة الرابعة :
ويجب صيام رمضان على كل
١- مسلم
أي: فلا يجب على الكافر ولا يصح منه ، والدليل على تخصيصه بالمسلمين :
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ...) ، فالخطاب جاء للمؤمنين، والمراد بالمؤمنين مطلق أهل الإيمان، أي يا معشر المسلمين .
وإذا أسلم أثناء رمضان لزمه الصيام من حين أسلم .
٢- بالغ .
فالصغير لا يجب عليه الصوم .
لحديث علي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة : .. عن الصغير حتى يبلغ) رواه أبو داود .
ولأنه ليس أهلاً للتكليف . [رفع القلم] كناية عن سقوط التكليف
علامات البلوغ :
- بلوغ السن وهو: 15 سنة
- أو إنبات شعر العانة
- أو إنزال المني
- وتزيد الأنثى الحيض
٣- عاقل :
فلا يجب الصوم على المجنون ولا يصح منه .
لحديث علي السابق ( .... وعن المجنون حتى يصحو).
ولأنه ليس أهلاً للتكليف .
٤- قادر على الصوم .
لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
والعجز ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول: عجز طارىء يرجى برؤه: فهذا يفطر ويقضي .
قال تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر).
القسم الثاني: عجز دائم لا يرجى برؤه: فهذا يفطر ويطعم .
لقول ابن عباس في قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ليست بمنسوخة، هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم) رواه البخاري .
والله أعلم
الدرس الثاني من شرح كتاب الصيام من منهج السالكين
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله :
برؤية هلاله، أو أكمال شعبان ثلاثين يوماً .
--------------
أي: أن صوم رمضان يجب بأمرين:
الأمر الأول: برؤية الهلال .
لحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً) متفق عليه .
قوله: (إذا رأيتموه) سواء كانت الرؤية بالرؤية المجردة أو بالواسطة كالمنظار أو آلة رصد فإنه يعتبر ذلك موجباً لثبوت شهر رمضان.
وأيضاً يستفاد من قوله: إذا رأيتموه: أنه لا عبرة في الحساب ولا يصح الاعتماد عليه وهذا مذهب الأئمة الأربعة.
الأمر الثاني: إكمال شهر شعبان 30 يوماً .
قال في المغني: ”لأنه يتيقن به دخول شهر رمضان ولا نعلم فيه خلافاً“ .
مسألة: صيام يوم الشك وهو ليلة الثلاثين من شعبان اذا حال غيم أو قتر
القول الاول: حكم صومه حرام، ونسبه النووي لجمهور العلماء .
لحديث عمار قَالَ: (مَنْ صَامَ اَلْيَوْمَ اَلَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا اَلْقَاسِمِ) وَذَكَرَهُ اَلْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا, وَوَصَلَهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ .
ولحديث: (فإن غم عليكم فاقدروا له) وفي رواية: ( فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً ).
وهذه مفسرة لرواية (فاقدروا له) أن معنى اقدروا له تمام العدد ثلاثين يوماً .
القول الثاني: وذهب بعض العلماء إلى وجوب صومه، وهذا مذهب الحنابلة .
لقوله: (فاقدروا له).
ومعنى (اقدروا له) أي ضيقوا، من قوله تعالى (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله).
والتضييق أن يجعل شعبان [ تسـ29ـعة وعشرون ] يوماً
والراجـح القول الأول .
قال رحمه الله :
م / ويصام برؤية عدل لهلاله .
---------
أي: يقبل شخص واحد يُخبِر برؤية هلال رمضان ، سواء كان ذكراً أم أنثى
والدليل على أنه يقبل شخص واحد:
حديث اِبْنِ عُمَر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (تَرَاءَى اَلنَّاسُ اَلْهِلَالَ, فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اَللَّهِ أَنِّي رَأَيْتُهُ, فَصَامَ, وَأَمَر الناس بِصِيَامِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ .
قال الترمذي: ”والعمل عليه عند أكثر أهل العلم“. وقال النووي : ”وهو الأصح، مسألة: يشترط في الشاهد شروطاً :
١- أن يكون مسلماً: فلا تقبل شهادة الكافر لأمور:
- لحديث الأعرابي أتشهد أن لا إله إلا الله...
- قال تعالى: (ممن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) والكافر ليس بمرضي.
٢- أن يكون بالغاً عاقلاً
قال رحمه الله: ولا يقبل في بقية الشهور إلا عدلان
----------------
قول أكثر العلماء، أنه لابد من شاهدين
قال رحمه الله ويجب تبيت النية لصيام الفرض .
----------------
يجب تبييت النية من الليل لصيام الفرض
- كرمضان
- وقضاء رمضان
- والنذر.
لحديث حَفْصَةَ أُمِّ اَلْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا, عَنِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ اَلصِّيَامَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَمَالَ النَّسَائِيُّ وَاَلتِّرْمِذِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ وَقْفِهِ, وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ .
اختلف في هذا الحديث بين الرفع والوقف
فمن نوى صوم الفرض من بعد صلاة الصبح فلا يصح، وتصح النية في أي جزء من أجزاء الليل .
قال رحمه الله: أما النفل فيجوز بنية من النهار .
أي: أن صوم النفل
- كصيام الإثنين والخميس
- وصيام ثلاثة أيام من كل شهر
يجوز أن ينويه من النهار .
لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (دَخَلَ عَلَيَّ اَلنَّبِيُّ ذَاتَ يَوْمٍ. فَقَالَ: " هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قُلْنَا: لَا. قَالَ: " فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ ).
يشترط إذا نوى الصوم من النهار أن لا يكون قد أكل شيئاً من بعد الفجر.
مسألة: وهل يشترط أن يكون قبل الزوال؟
القول الأول: ظاهر ابن سعدي أنه لا يشترط، وأنه يجوز ولو نوى بعد الزوال،
القول الثاني: وذهب أكثر العلماء إلى أنه يشترط أن تكون النية قبل الزوال، والأول أرجح .

مسألة: إن نوى الصوم أثناء النهار، هل يكتب له أجر الصوم يوماً كاملاً أو يكتب له من نيته؟
قولان للعلماء :
القول الاول: أنه يكتب له أجر اليوم الكامل .
قالوا: لأن الصوم الشرعي لا بد أن يكون من أول النهار .
القول الثاني: لا يثاب إلا من وقت النية فقط .
فإذا نوى عند الزوال فأجره على هذا القول نصف يوم .
لحديث (إنما الأعمال بالنيات) وهذا أول النهار لم ينو الصوم فلا يكتب له الأجر كاملاً وهو أختيار ابن عثيمين رحمه الله
وهذا القول هو الراجح .والله أعلم
الدرس الثالث من شرح كتاب الصيام من منهج السالكين
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله
من يباح لهم الفطر في رمضان
م / والمريض الذي يتضرر بالصوم ، والمسافر : لهما الفطر والصيام .
-------------
مسألة: ذكر المصنف – رحمه الله – من يباح لهم الفطر في رمضان وهما:
أولا:
المريض الذي يضره المرض .
لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). في الآية مقدر وهو (فأفطر) فعدة من أيام أخر .
وقال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا).
المرض ينقسم إلى قسمين :
أولاً: أن يضره الصيام، فهنا يحرم صومه .
لقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ).
وقال تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
ثانياً: أن يشق عليه الصوم ، فهنا يكره صومه .
لأن ذلك يتضمن إكراهاً بنفسه. ولأنه ترك تخفيف وقبول رخصة الله لحديث (إن الله يحب أن تؤتى رخصه).
ثانيا: المسافر .
فالمسافر يجوز له الفطر، وهذا جائز بالكتاب والسنة والإجماع .
قال تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) . تقدير الآية: (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر- فأفطر - فعدة من أيام أخر).
ومن السنة أحاديث كثيرة ، ومنها :
حديث أنس قال ( كنا نسافر فلا يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم) متفق عليه .
صيام المسافر جائز
قال ابن قدامة: وهذا قول أكثر العلماء
وقال النووي: ”وهو قول جماهير العلماء وجميع أهل الفتوى
مسألة: اختلف الجمهور القائلون بجواز الصوم في السفر أيهما أفضل الصوم أم الفطر؟
القول الأول: الفطر أفضل .وهو قول أحمد واختاره ابن باز عملاً بالرخصة .
لحديث: (ليس من البر الصيام في السف).
ولحديث (هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه).
القول الثاني: الصوم أفضل لمن قوي عليه من غير مشقة .ونسبه ابن حجر إلى الجمهور هو اختيار الشيخ ابن عثيمين واستدلوا :
بحديث أبي الدرداء قال: (خرجنا مع رسول الله في شهر رمضان في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة) . متفق عليه
القول الثالث: هو مخير مطلقاً .
القول الرابع: أفضلهما أيسرهما واختاره ابن المنذر .لقوله تعالى: (يريد بكم اليسر).
والراجح قول الجمهور .
لكن إذا كان هناك مشقة محتملة فالأفضل الفطر .
لحديث: ( ليس من البر الصيام في السفر ).
وإذا كان الصوم يشق عليه مشقة غير محتملة فهنا يجب الفطر .لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم).
وأما إذا كان لا يشق عليه فالأفضل الصوم كما سبق من مذهب الجمهور .
سبب الترجيح :
١- لأنه فعل الرسول
٢- أسرع في إبراء الذمة .
٣- أسهل على المكلف .
٤- يدرك الزمن الفاضل وهو رمضان .
ثالثا: م / والحائض والنفساء يحرم عليهما الصيام وعليهما القضاء .
----------
أي: لا يجوز للحائض والنفساء الصوم فرضه ونفله، ويجب عليهما قضاء رمضان
لحديث مُعَاذَةَ قَالَتْ: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ, وَلا تَقْضِ الصَّلاةَ ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ , وَلَكِنِّي أَسْأَلُ . فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ, فَنُؤَمرُ بِقَضاء الصَّوْمِ, وَلا نُؤَمرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ)
قال النووي: ”أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة والصوم في الحال ، وأجمعوا على أنه يجب عليهما قضاء الصوم“ .
مسألة: هل تؤجر الحائض على ترك الصيام والصلاة ؟
قولان للعلماء :
القول الأول: أنها تؤجر، لأنها تركتهما تعبداً لله .
القول الثاني: لا تؤجر، والصحيح الأول .
رأبعا:
م / والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما : أفطرتا وقضتا ، وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً .
-------------
مسألة: الحامل والمرضع له أحوال:
أولاً: إن خافتا على أنفسهما فقط؛ فحكمهما حكم المريض يفطران ويقضيان فقط.
قال في المغني ”إن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما إذا صامتا فلهما الفطر و عليهما القضاء، لا نعلم فيه خلافاً لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه
ثانياً : إن خافتا على أنفسهما وولديهما جميعاً؛ فعليهما القضاء فقط (نفس الحالة السابقة).
ثالثاً: إن خافتا على ولديهما فقط:
فقيل عليهما القضاء والكفارة قول ابن سعدي رحمه الله - المشهورمن مذهب الحنابلة .
لما رواه أبو داود بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال فيها: (نسخت هذه الآية وبقيت للشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً).
وقيل: عليهما القضاء فقط من غير الكفارة. وهذا هو القول الراجح. لحديث أنس بن مالك الكعبي أن رسول الله قال (إن الله تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصيام) رواه الترمذي.
فالنبي لم يذكر الكفارة، والأصل براءة الذمة.
والله أعلم
الدرس الرابع من شرح كتاب الصيام من منهج السالكين
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله
والعاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً .
-----------
مسألة: العجز عن الصيام ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: عجز طارىء يرجى برؤه : فهذا يفطر ويقضي .
القسم الثاني: عجز دائم لا يرجى برؤه : فهذا يفطر ويطعم .
لقول ابن عباس في قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ليست بمنسوخة، هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم) رواه البخاري .
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: (رُخِّصَ لِلشَّيْخِ اَلْكَبِيرِ أَنْ يُفْطِرَ, وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ, وَالْحَاكِمُ, وَصَحَّحَاهُ .
مسألة:
كيفية الإطعام :
أن يدعو مساكين بعدد الأيام في آخر الشهر للغداء إن كان بعد رمضان أو على العشاء فيعشيهم .
أو أن يوزع طعاماً ويعتني بطبخه ويجعل معه أدم .
(تنبيه)
ويجب أن يطعم عن كل يوم مسكيناً لا أن يطعم طعام ثلاثين مسكيناً .
المفطرات
قال الشيخ رحمه الله :
ومن أفطر فعليه القضاء فقط ، إذا كان فطره بأكل أو بشرب أو قيء عمداً، أو حجامة، أو إمناء بماشرة .
------------
ذكر المصنف رحمه الله – المفطرات التي تفطر الصائم ، وأن من فعلها عالماً عامداً فعليه القضاء مع الإثم وليس هناك كفارة.

المفطر الأول: (بأكل أو بشرب).
قال ابن قدامة: ”وهذا لا خلاف أن من تعمده يفطر ويجب عليه الإمساك والقضاء“.
قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل).
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ, فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ, فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ, فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اَللَّهُ وَسَقَاهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وأجمع العلماء على أن الفطر بالأكل والشرب
مسألة: لا فرق بين أن يدخل هذا الطعام عن طريق الفم أو عن طريق الأنف، لأن الأنف منفذ يصل إلى المعدة كما قال للقيط بن صبرة ( بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ).
مسألة: ويلحق بذلك الإبر المغذية لأنها تقوم مقام الأكل .
المفطر الثاني قوله ( أو قيء عمداً ).
وهو . (أن يتقيأ الإنسان ما في بطنه حتى يخرج من فمه)
لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (مَنْ ذَرَعَهُ اَلْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ, وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ اَلْقَضَاءُ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ . [ استقاء ] طلب إخراج القيء من جوفه باختياره، [ ذرعه ] أي غلبه وقهره.
وقد حكاه ابن المنذر بالإجماع على أن القيء عمداً يفطر .
وقال ابن مسعود وعكرمة: ” إنه لا يفسد الصوم سواء كان غالباً أو مستمرحاً ما لم يرجع فيه القيء باختياره “ [ نقله الشوكاني عنهم ]
واستدلوا :
أن الحديث لا يصح، ولم يثبت دليل أن القيء مفطر، ولو كان مفطراً لبينه النبي بياناً عاماً .
واستدلوا بحديث: (ثلاث لا يفطرن: القيء، والحجامة، والاحتلام) . وهو حديث ضعيف رواه الترمذي وغيره
الحكمة من الإفطار بالقيء أنه إخراج ما يضعف بدنه ، قاله ابن تيمية .
المفطر الثالث قوله (أو حجامة).
القول الأول: ما ذكره المصنف – رحمه الله – وهو أن الحجامة تفطر، هو مذهب الحنابلة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ أَتَى عَلَى رَجُلٍ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ: أَفْطَرَ اَلْحَاجِمُ وَالْمَحْجُوم) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلَّا اَلتِّرْمِذِيَّ, وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ, وَابْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ
القول الثاني: وذهب جمهور العلماء إلى أن الحجامة لا تفطر .
لحديث ابن عباس: (أن النبي احتجم وهو محرم ، واحتجم وهو صائم). رواه البخاري .
ولما رواه أبو داود بسند صحيـح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسـول الله قال: (نهى النبي عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه) .قال الحافظ: ” إسناده صحيح “ .
وعن أبي سعيد الخدري قال: (رخص للصائم بالحجامة والقبلة). وسنده صحيح إلى أبي سعيد وله حكم الرفع وأجاب هؤلاء عن حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) بأجوبة :
أنه منسوخ ، قال ابن عبد البر وغيره : ”فيه دليل على أن حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) منسوخ، لأنه جاء في بعض طرفه أن ذلك كان في حجة الوداع
وقال ابن حزم : ” صح حديث (أفطر الحاجم والمحجوم)، بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد (رخص النبي في الحجامة للصائم) وإسناده صحيح فوجب الأخذ به، لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة ، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً
وهذا القول هو الراجح، ويتفرع على هذا أن سحب الدم للتحليل أو التبرع لا يفطر مطلقاً، سواء كان كثيراً أم قليلاً .
أما الرعاف وخروج الدم من الجرح والسن إذا لم يبلعه فهذا لا يفطر مطلقاً، سواء كان كثيراً أم قليلاً، لأنه خرج بغير اختياره
قاعدة: والأصل صحة الصوم إلا بدليل صحيح يدل على فساده.
المفطر الرابع قوله (أو إمناء بماشرة ).
مسألة:
المباشرة: التقاء البشرتين، ويستعمل في الجماع سواء أولج أو لم يولج، وليس الجماع مراداً هنا، وإنما المراد أن يقبل زوجته مثلاً فينزل منياً .
مسألة:
قال ابن قدامة في المغني: ”القبلة لا تخلو من أمور :

الأول: أن لا تنزل فلا يفسد صومه، قال: لا نعلم فيه خلافاً، لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ ( كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ, وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ, وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
الثاني: أن يمني فيفطر بغير خلاف
مسألة: إذا احتلم في نهار رمضان فإنه يغتسل وصومه صحيح ولا يضره لأنه ليس باختياره والله أعلم
الدرس الخامس من شرح كتاب الصيام من منهج السالكين
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله
إلا من أفطر بجماع فإنه يقضي ويعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
--------------
هذا المفطر الخامس وهو الجماع في الفرج في نهار رمضان.
لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى اَلنَّبِيِّ فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ. قَالَ: "وَمَا أَهْلَكَكَ ?" قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى اِمْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: "هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً? " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ? " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا? قَالَ: لَا, ثُمَّ جَلَسَ, فَأُتِي اَلنَّبِيُّ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: " تَصَدَّقْ بِهَذَا ", فَقَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا? فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا, فَضَحِكَ اَلنَّبِيُّ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك) متفق عليه.

مسألة: الحديث دليل فوائد:
١- من جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل أو دون الفرج فأنزل أنه يفسد صومه إذا كان عامداً .قال ابن قدامة : ”لا نعلم بين أهل العلم خلافاً“ .
٢- الحديث دليل على أن الوطء للصائم في نهار رمضان من الفواحش الكبار المهلكات، لأن النبي أقره على أن فعله هذا مهلك.
٣- الحديث دليل على أن الوطء عمداً يوجب الكفارة المغلظة، وهي على الترتيب :
عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وهذا مذهب جمهور العلماء على أنها على الترتيب لا على التخيير .
٤- تجب الكفارة إذا جامع في نهار رمضان فقط، فلو أن رجلاً جامع زوجته وهو يصوم رمضان قضاءً ، فلا كفارة عليه، وذلك لأن وجوب الكفارة من أجل انتهاك الصوم في زمن محترم، وهو شهر رمضان .
قال ابن قدامة: ”ولا تجب الكفارة في قول أهل العلم وجمهور الفقهاء“ .

مسألة: اختلف العلماء هل (المرأة) عليها كفارة أم لا؟
القول الأول: ليس عليها كفارة وهو قول الشافعية واستدلوا :
قال ابن حجر: ”واستدلوا بإفراده بذلك على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة ، وكذا قوله في المراجعة (هل تستطيع) و (هل تجد) وغير ذلك . . .
واستدل الشافعية – أيضاً - بسكوته عن إعلام المرأة بوجوب الكفارة مع الحاجة“ .
القول الثاني: عليها الكفارة وهو مذهب الجمهور
قاعدة: الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا ما خص بدليل .
قال ابن حجر: ”ثم إن بيان الحكم للرجل بيان في حقها لاشتراكهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم كما لم يأمره بالغسل، والتنصيص على الحكم في حق بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين“ .
وهذا القول هو الصحيح أن على المرأة الكفارة إلا إذا كانت مكرهة فلا شيء عليها .
قال المصنف ( فإنه يقضي ) يقول أن على المجامع متعمداً ذاكراً قضاء هذا اليوم
مسألة: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول: أنه لا يقضي هذا اليوم وهذا اختيار ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية .
لأنه لم يأمره النبي بالقضاء .
القول الثاني: يجب عليه قضاء هذا اليوم وهذا مذهب جمهور العلماء واستدلوا :
بحديث أبي هريرة . قال: قال رسول الله (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فعليه القضاء) وجه الاستدلال: أن من استقاء عامداً وجب عليه القضاء بنص هذا الحديث، فيكون حكم المجامع في وجوب القضاء مثل حكمه .
واستدلوا أنه جاء عند أبي داود أن النبي أمر المجامع بالقضاء فقال له (صم يوماً مكانه) وهذه الزيادة مختلف في صحتها وضعفها ابن تيمية، وممن أثبتها الحافظ ابن حجر، وبين أن لها أصلاً كما في الفتح .
واستدلوا: أن الصوم إذا شغلت به الذمة لم تبرأ إلا بالأداء، فإذا فات وقته وجب القضاء .
واستدلوا بحديث ابن عباس عن النبي أنه قال (فاقضوا الله الذي له ، فإن الله أحق بالوفاء) رواه البخاري .
قال المصنف: وقال النبي (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ, فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ, فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ, فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اَللَّهُ وَسَقَاه) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
-----------
ذكر المصنف – رحمه الله – حديث أبي هريرة ليستدل به على أن الصائم إذا أكل أو شرب أو فعل مفطراً من المفطرات ناسياً فلا شيء عليه وجاء في رواية للحاكم (مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ).
وهذا مذهب جمهور العلماء ، وأبو حنيفة والشافعي وأحمد .
وذهب بعض العلماء إلى أنه يفسد الصوم ويجب القضاء ، وهو مذهب المالكية ، واعتذروا عن العمل بالحديث بأنه لم يرد في الحديث تعيين رمضان فيحمل على التطوع ، ويرد هذا ، رواية الحاكم: (من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء ولا كفارة).
مسألة: هل يجب على من رأى من يأكل ويشرب في نهار رمضان أن يذكره أم لا؟
قولان للعلماء :
القول الأول: أنه يجب تذكيره .واختار هذا القول الشيخ ابن باز وابن عثيمين .
لقوله: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه) . رواه مسلم
القول الثاني: أنه لا يجب تذكيره .
لأنك تعلم علم اليقين أنه أكل أو شرب نسياناً ولم يرتكب حينئذٍ منكراً ، وإنما أطعمه الله وسقاه، والأول أرجح .
قال المصنف وقال: (لَا يَزَالُ اَلنَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا اَلْفِطْرَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
----------
ذكر المصنف – رحمه الله – حديث سهل بن سعد (لا يزال الناس بخير ....) ليستدل به على استحباب تعجيل الفطر
الحديث يدل على أدب من آداب الإفطار، وهو تعجيله والمبادرة به حين حلول وقته .
ومعنى التعجيل: أنه بمجرد غياب قرص الشمس من الأفق يفطر
مسألة: تعجيل الفطر ثمرات عظيمة :

١- تعجيل الإفطار اتباع هدي النبي، فقد كان يعجل الإفطار .
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: (كنا مع رسول الله في سفر وهو صائم، فلما غابت الشمس قال لبعض القوم: يا فلان، قم فاجدح لنا [ أي اخلط السويق بالماء ] فقال: يا رسول الله، لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن عليك نهاراً قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح لهم، فشرب النبي ثم قال: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا أفطر الصائم)متفق عليه
٢- تعجيل الفطر من أخلاق الأنبياء .
قال أبو الدرداء: (ثلاث من أخلاق الأنبياء: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة). رواه الطبراني
٣- تعجيل الفطور علامة أن الناس بخير .
للحديث الذي ذكره المصنف .
٤-في تعجيل الفطور مخالفة لليهود والنصارى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر ، لأن اليهود والنصارى يؤخرون) . رواه أبو داود
٥- تعجيل الفطور تيسير على الناس ، وبعد عن التنطع ، وقد امتثل هذا الأدب الصحابة .
قال البخاري: ” أفطر أبو سعيد حين غاب قرص الشمس “ .
وقال عمرو بن ميمون: (كان أصحاب محمد أسرع الناس إفطاراً ، وأبطأهم سحوراً) . رواه عبد الرزاق
والله أعلم
الدرس السادس من شرح كتاب الصيام من منهج السالكين
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله :
قال المصنف وقال (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي اَلسَّحُورِ بَرَكَة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
--------------------
ذكر المصنف – رحمه الله – حديث أبي هريرة ( تسحروا .... ) ليستدل به على استحباب السحور .
الحديث دليل على استحباب السحور ، قال في المغني : ”ولا نعلم فيه خلافاً “ [ أي في استحبابه ].
قال ابن المنذر : ”وأجمعوا على أن السحور مندوب إليه“ .
وقال البخاري : ”باب بركة السحور من غير إيجاب ، لأن النبي وأصحابه واصلوا ولم يذكر السحور“ .
ويشير البخاري إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (نهى رسول الله عن الوصال في الصوم فقال رجـل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله ؟ قال: وأيكم مثلي ؟ إني يطعمني ربي ويسقيني ، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً ، ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر لزدتكم ، كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا)
مسألة: قوله (بركة) البركة في السحور تحصل بجهات متعددة :
١- اتباع السنة .
٢-مخالفة أهل الكتاب، ففي صحيح مسلم قال رسول الله (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر(
٣-أنه يكون سبباً للانتباه من النوم في وقت السحر الذي هو وقت الاستغفار والدعاء، وفيه ينزل الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا .
٤- مدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع .
٥- الزيادة في النشاط .
مسألة: يسن تأخير السحور، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) . متفق عليه
زاد أحمد ( وأخروا السحور).
وعن أنس عن زيد بن ثابت أنه قال: (تسحرنا مع النبي ثم قام إلى الصلاة ، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية) . متفق عليه
قال المصنف وقال (إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ, فَإِنَّهُ طَهُورٌ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ .
-----------
ذكر المصنف – رحمه الله – حديث (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ....) ليستدل به على استحباب الفطر على تمر
مسألة: في هذا الحديث استحباب الفطر على رطب ، فإن لم يجد فتمر ، فإن لم يجد فماء

هذا الأمر بالحديث للاستحباب، ويدل لذلك حديث ابن أبي أوفى قال: (سرنا مع رسول الله وهو صائم، فلما غربت الشمس قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله، لو أمسيت . . . ).
قوله (فاجدح) بالجيم ثم بالحاء ، والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء بعود يقال له المجدح .
قال ابن حجر: ”وشذ ابن حزم فأوجب الفطر على التمر وإلا فعلى الماء
مسألة: الحكمة من الفطر على التمر :
قال ابن القيم رحمه الله: ”وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة ، أدعى إلى قبوله ، وانتفاع القوى به، . . . وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس، فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، ولهذا كان أولى بالظمآن الجائع، أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده“ .
وقال الشوكاني: ”وإنما شرع الإفطار بالتمر لأنه حلو، وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم، وهذا أحسن ما قيل في المناسبة وبيان وجه الحكمة“ .
قال المصنف وقال (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ, وَالْجَهْلَ, فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ). رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ .
-------------------
ذكر المصنف - رحمه الله – حديث (من لم يدع قول الزور ...) ليستدل به على تحريم قول الزور والكذب في رمضان .
(لم يدع) لم يترك . (قول الزور) الكذب . (الجهل) السفه . (والعمل به) أي بمقتضاه
مسألة:
١- الحديث دليل على تحريم هذه الأشياء في نهار رمضان، وهي حرام في رمضان وغير رمضان لكنها في رمضان أشد تحريماً
٢- الحديث دليل على أن هذه الأفعال تنقص ثواب الصوم، ومثلها الغيبة والنميمة وغيرها أن هذه الأفعال لا تبطل الصوم
وذهب ابن حزم إلى أنه يبطله كل معصية، قال ابن حجر: ”وأفرط ابن حزم فقال: يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه، سواء كانت فعلاً أو قولاً، وجمهور العلماء على أنها لا تفطر الصائم
المقصود من شرعية الصيام تقوى الله، كما قال تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) .فبين الله تعالى أن الحكمة من الصيام تقوى الله، وهي فعل الأوامر وترك النواهي .
ولهذا قال ابن القيم: ”ففي الحديث الصحيح (من لم يدع قول الزور . . .) وفي الحديث (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش) فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده، فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم
قال المصنف قال (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
-------------
ذكر المصنف – رحمه الله – حديث (من مات وعليه صيام ... ) ليستدل به على مشروعية الصيام عن الميت من قبل وليه .
مسألة: الأمر بالحديث بالصيام ليس للوجوب عند جمهور العلماء،
قال الحافظ ابن حجر: ” وفيه نظر ، لأن بعض أهل الظاهر أوجبه ، فلعله لم يعتد بكلامهم على قاعدته “ .
الدليل على أنه غير واجب قوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ).
اختلف العلماء في الصوم الذي يقضى عن الميت :
القول الأول: أنه يقضى عنه النذر فقط .
وهو قول أحمد وإسحاق .
حملاً للعموم الذي في حديث عائشة على المقيد في حديث ابن عباس .
القول الثاني: يصام عن الميت النذر والواجب بأصل الشرع .
وهذا مذهب أبي ثور، وأهل الحديث، ونصره ابن حزم، واختاره الشيخ السعدي .
للحديث الذي ذكره المصنف: (من مات وعليه صيام ... ) .
القول الثالث: لا يصام عن الميت مطلقاً .
وهذا مذهب الجمهور .
لقول ابن عباس: (لا يصلِّ أحد عن أحد، ولا يصم أحد عن أحد) . أخرجه النسائي
ولقول عائشة: (لا تصوموا عن موتاكم، وأطعموا عنهم). أخرجه عبد الرزاق . قالوا :
فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه، دلّ ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه .
قال ابن حجر: ” وهذه قاعدة لهم معروفة، إلا أن الآثار المذكورة عن عائشة وعن ابن عباس فيها مقال، وليس فيها ما يمنع الصيام إلا الأثر الذي عن عائشة وهو ضعيف جداً، والراجح أن المعتبر ما رواه لا ما رآه “ .
والراجــح القول الثاني، وأنه يصام عنه الواجب بأصل الشرع والنذر .
أجاب الجمهور عن حديث عائشة :
قالوا المراد بقوله (صام عنه وليه) أي يفعل عنه ما يقوم مقام الصوم وهو الإطعام .
قال الشوكاني: ” وهو عذر بارد لا يتمسك به منصف في مقابلة الأحاديث الصحيحة“ .
ومن جملة أعذارهم: أن عمل أهل المدينة على خلاف ذلك .
قال الشوكاني: ” وهو عذر أبرد من الأول “ .
مسألة: متى يكون عليه صيام ؟ يكون عليه صيام إذا تمكن منه فلم يفعل، أما إذا لم يتمكن فليس عليه صيام .
مثال: إنسان نذر أن يصوم [ 3 ] أيام ، ثم مات من يومه ، فهذا ليس عليه شيء لأنه لم يتمكن منه .
مثال آخر: إنسان مرض في : 20 رمضان فأفطر ، وتواصل به المرض شهر شوال وشهر ذي القعدة، ثم مات، فهذا ليس عليه صوم، فلا يقضى عنه، لأنه لم يمر عليه أيام يتمكن منها القضاء
مسألة: اختلف في المراد بالولي :
فقيل: كل قريب
وقيل: الوارث خاصة
وقيل: عصبه
والأول أرجــح .
والله أعلم
هناك مسائل لم يتطر إليها المؤلف
مسألة: اختلف العلماء في المراد بقوله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها ؟
فقيل: إن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره .
وقيل: وأنا أجزي به، أي أتفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته . فتح الباري ( 4 / 129 ).
مسألة :
اختلف في تسمية هذا الشهر رمضان؟
فقيل: لأنه ترمض فيه الذنوب، أي تحرق لأن الرمضاء شدة الحر
وقيل : وافق ابتداء الصوم زمناً حاراً . فتح الباري ( 4 / 136 ).
فائدة :
ذهب بعض العلماء إلى كراهة أن يقال رمضان على انفراده بحال ، وإنما يقال شهر رمضان ، واستدلوا بحديث (لا تقولوا رمضان ، فإن رمضان اسم من أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان)، وهذا حديث ضعيف كما قال النووي وابن حجر .
وقيل : يجوز أن يقال رمضان من غير كراهة وهذا هو الصحيح ويدل عليه :
قوله (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين ... ).
وقوله ( من صام رمضان ......) .
وقوله ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، .... ) . شرح النووي ( 7 / 187 ) . فتح الباري ( 4 / 135 9 ) .
مسألة: إذا قامت البينة في أثناء النهار
القول الأول: يجب الإمساك والقضاء وهذا مذهب جمهور العلماء.
مثال: جاء خبر رمضان في يوم (30) شعبان:
يجب الإمساك، لكونه يوماً من رمضان، فهو محترم. ولأن النبي حين صام عاشوراء أمر المسلمين بالإمساك أثناء النهار ففي الحديث: «أمر النبي رجلاً أن أذن في الناس، أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فإن اليوم يوم عاشوراء».
ويجب القضاء، لأنه يشترط لصيام الفرض أن ينوي قبل الفجر.
القول الثاني: ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه يجب الإمساك دون القضاء
مسألة: يكفي لشهر رمضان نية واحدة ما لم يقطعه بعذر فيستأنف النية وهذا مذهب المالكية لأنه من المعلوم عند جميع المسلمين أنه إذا دخل رمضان فإنه لا يمكن أن يتخلله يوم بدون صوم.
- وقال بعض العلماء: يجب أن ينوي كل يوم بيوم من ليلته قالوا: لأن كل يوم عبادة مستقلة.
فائدة الخلاف:
يظهر أثر الخلاف لو نام مكلف قبل الغروب ولم يفق إلا من الغد بعد الفجرفعلى القول الثاني لا يصح صومه، وعلى القول الأول (الصحيح) يصح صومه.
مسألة :
يجوز لمن دخل في صوم تطوع أن يقطعه وهذا مذهب جماهير العلماء. لحديث عائشة وفيه (... ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: أهدي لنا حيس، فقال: «أرنيه فلقد أصبحت صائماً فأكل».
ولحديث أم هانىء قالت: قال رسول الله : «الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر» رواه الحاكم.
-لكن قال العلماء: يكره أن يقطعه من غير سبب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply