مشكلتي!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من الأمور التي دلت الأدلة الشرعية وكذلك النظر العقلي على مشروعيتها وأنها من الوسائل المفيدة:

استشارة الناصح الأمين إذا عرضت للإنسان مشكلة؛ ليدله على أحسن السبل للخروج من هذه المشكلة ومن هذا المأزق. وهذا الأمر لا شك أنه من الوسائل المهمة، خاصة أن الإنسان في حال مروره في أي مشكلة؛ فإنه غالباً  يُغْلَق على تفكيره، بسبب مشاعر الغضب والانزعاج، أيا كانت المشاعر التي تأججت الآن بسبب هذه المشكلة ، فلا يُفكّر بشكلٍ سليم.

فيحتاج حينئذٍ إلى أن يستعين بعقلِ ونظَرِ ناصح وأمين، عنده علم، عنده معرفة، قد جرّب الحياة أو عنده معرفة مكّنته من هذه المسألة ، فلا يُتصور مثلاً أن يذهب الإنسان إلى مجْمع الناس في الأسواق، فيضع له كرسي ويجلس ويقول: يا أيها الناس، إن مشكلتي مع زوجتي كذا وكذا. فأشيروا علي!

وهو لا يعرف أحوال هؤلاء الناس، فتُشير عليه المرأة الغريبة عنه_ هنا طبعاً تجاوزنا المرحلة المتوقعة من نُفْرَة الناس عن مثل هذا، لكن لو تخيلنا أن الناس تجاوبوا_ ويُشير عليه الفسقة، ويشير عليه من في رأسه عتَه، ومن عنده أصلا جهل بمآلات الأمور ويشير عليه الشامت، ويشير عليه الهازل غير الجاد، فلا يستطيع الخروج حينئذ برأيٍ سليم، ثم لو قُدِّر أنه لم يُشِر عليه إلا هازل أو سفيه أو جاهل ؛ فالمشورة التي يَخرج بها من هذا السفيه والجاهل والهازل غالباً سوف تضره، إذن لا يستفيد . ثم لا يُتصور أن الناس يقْبلون مثل هذا الأمر، الآن في واقعنا: أن تكون عندك إشكالية فأقول لك: لا إشكال اذهب إلى السوق وخاصةً في أيام العطل فإن الناس يكْثرون وكل من تقع عينيك عليه اذهب واعرض عليه إشكاليتك، ولا تستخدم أي معايير في تقييم وتوقُّع حالة هذا الناصح، يعني لا تبحث عن كبير السن، لا تبحث عّمن ظاهره الرزانة، لا لا ، كل من تقع عينك عليه من المتحركين على رِجْلين اثنتين استنصحه، طفل، كبير، صغير، معتوه، سكران، أيا كان. هل يُعقل مثل هذا ؟ قطعاً لا.

لكن للأسف هذا مُمارس وموجود!

ممارس وموجود ومُطبّق في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد عنْونت لهذه الصوتية باسمٍ شبيه من هذه الحسابات، حساب تجد اسمه (مشكلتي) أو(مشاكل) أو (مشاكل وحلول) وهكذا، وتجد هذا الحساب يتابعه مئات الآلاف أحيانا، سواءً في تويتر أو في الفيسبوك أو غيره.

ثم تجد الناس يعرضون مشاكلهم!

 مشاكل دقيقة وتحتاج سماع للطرفين أحيانا، وغالب هذه المشاكل زوجية أو قريب من دائرة الزواج، طلاق، خِطبة أو كذا، يعني مشاكل العلاقات بين الجنسين سواءً كانت منها الشرعية أوغير الشرعية، في كثير من الأحيان، يعرضون مشاكلهم وينتظرون من رُوّاد المواقع إجابات، ثم انظر إلى هذه الإجابات!

فإن كانت مثلاً مشكلة بين زوج أو زوجة، وأتى هذا الزوج السفيه _حقيقةً، كل من يعرض مشكلته هكذا بشكل عشوائي على الناس هذا فيه سفه، وهو عنصر في هذه المشكلة، سَأبِّينَ أكثر لأني قد بينت إشكاليات في مثل هذه المسائل سابقاً ،فسأبيّن لاحقاً_ يأتي زوج فيذكر إشكالية، فترى من يقول طلّق، وترى من يقول لا تطلّق، وترى من يقول اضرب، وترى من يقول لا تضرب، وترى من يقول افعل، وترى من يقول لا تفعل، وترى من يحمّله الخطأ. وبالعكس ترى زوجة تأتي وتعرض مشكلتها، بصورةٍ غير معلومة لا نعلم من هي، حساب يعرض الرسالة، فترى من يقول لها تطلّقي، وارفعي عليها قضايا وافعلي وافعلي ، وترى من يقول العكس، وترى من يجعل اللوم عليها. فترى عجباً! .

يعني صاحب المشكلة لن يجد حلاً، لكن ربما يأخذ بألحن الحلول قولاً لا حجةً، وأقصد بألحن يعني كلامه شبيه بالحق، يتكلم بكلام منمّق أسلوبه جميل، يدل على اتساق في الطرح، فربما يُعجَب بالحل فيأخذ به، ولا يكون الحل حَلًّا مناسباً، فتأمل لاحقاً ما يجري إنْ كان زواجاً أو طلاقاً من الإشكاليات ، مصير أُسَر، ومصير أطفال إنْ كانت ثمة أطفال على حسابات في فيسبوك أو في تويتر أو ما شابه

 

ثم من إشكاليات هذه الحسابات أيضا:

أن الناس يُحاكُون بعضهم بعضا.

 تدخل المرأة لا تعاني من أي مشكلة مع زوجها، فتقرأ في مثل هذه الحسابات ، وتقرأ في بعض الردود التي كأنها قد تقاطعت مع بعض الصور الموجودة في حياتها ، فتنقلب حياتها رأساً على عقب؛ بسبب كلماتٍ قرأتها وتظن أنها حمقاء كل هذه المدة، ربما بعدما كانت مرتاحة، تعيش حياة عادية في أقل الأحوال، انقلبت إلى حياة فيها مشاكل وفيها ترصُّد و. . و. . إلى آخره

 

ومما يمارسه بعض الحسابات الكبيرة في هذا الباب تمرير المفاهيم والقيم المحرفة حتى تستقبلها النفوس؛ حيث يعرض مشاكل مُخترَعة مُؤلَّفة، تمّ اختراعها كما يرى الناظر والمتأمل أن ثمة تكرار على طرْح بعض المشاكل حتى تتقبلها النفوس، كالتحرش بين المحارم كقضايا الشذوذ، إلى آخره من المفاهيم المحرمة. ومعلوم أن من أساليب تمرير هذه المفاهيم : أسلوب القصص التي تعرضه هذه المشاكل، والذي يهواه كثير من الأطفال والكبار الذين يستخدمون هذه الوسائل.

أيضا: كثرة الكلام على هذه المشكلة، وأنها تأتينا استشارات كثيرة عليها يدل على انتشارها فحينئذٍ تهُون في نفوس القارئين، وهذه إشكالية خطيرة أيضا.

 

 فَيُنْتَبِه لمثل هذه المواقع، لا تدخلها ولا تمر، سواءً كنت رجلاً أو كنتِ امرأة لا تدخلي هذه المواقع ولا الحسابات، لا ناصحا ولا مُستنصحا.

 لا يجوز دخول مثل هذه الحسابات؛ لأن الإشكاليات والفساد الذي فيها أكبر من أي مصلحة.

ما المصلحة من قراءة إشكاليات الناس، هل للاعتبار؟

لا يوجد مثل الأدلة الشرعية والقصص الصحيحة والكلام الذي يأتي من أهل الخبرة للاعتبار. أما كلام مجهول لا يُعلم قائله ولا يُعرف من هو الذي كتبه فأعتبر به ؟! هذا لا يقوله عاقل.

 

ثم في أضيق الأحوال لو قُدِّر أن هذه المشاكل كثير منها حقيقي و. . وإلى آخره ، فلا يجوز أصلا الإشارة على الإنسان دون معرفة واقع الحال، وَالْأَخْذ والرد والعطاء مع صاحب المشكلة؛ لأنه غالباً الإنسان إذا تكلم عن نفسه في المشكلة التي يمر بها فإنه يتحيّز دون أن يشعر إلى نفسه غالباً، لا يأتي بكامل الصورة التي وقعت، حتى أنك تقرأ أحيانا ترى أن هؤلاء كلهم مظلومين! ! كلهم قد ظُلِموا ، يعني في غالب المشاكل،  لأن النفس تتحيز إلى نفسها،  فلا يَعْرض الإنسان ما فعل،  لا يعرض ما ارتكب، بل يُشيطن لك الطرف الآخر،  فتأتي أنت وتعطي النصيحة على هذا الأمر المبتور،  هذه إشكالية كبرى.

 وفقنا الله وإياكم.

                                                            وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply