الحمد لله وبعد،
يذكر كثير من المفسرين عند قوله - تعالى -: \" لَا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادٌّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم...الآية \" [المجادلة: 22] قصة قتل أبي عبيدة لأبيه في معركة بدر، وممن ذكرها:
1 - الحافظ ابن كثير في سورة المجادلة عن الآية المذكورة آنفا فقال:
وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنزلت هذه الآية \" لَا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ \" إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر.ا. هـ.
2 - وذكر القرطبي الأقوال فيمن نزلت هذه الآية فقال:
قال السدي: نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أبي، جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - ماء، فقال له: بالله يا رسول الله ما أبقيت من شرابك فضلة أسقيها أبي، لعل الله يطهر بها قلبه؟ فأفضل له فأتاه بها، فقال له عبد الله: ما هذا؟ فقال: هي فضلة من شراب النبي - صلى الله عليه وسلم - جئتك بها تشربها لعل الله يطهر قلبك بها. فقال له أبوه: فهلا جئتني ببول أمك فإنه أطهر منها. فغضب وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: يا رسول الله! أما أذنت لي في قتل أبي؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل ترفق به وتحسن إليه.
وقال ابن جريج: حدثت أن أبا قحافة سب النبي - صلى الله عليه وسلم - فصكه أبو بكر ابنه صكة فسقط منها على وجهه، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال: أو فعلته، لا تعد إليه، فقال: والذى بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا لقتلته.
وقال ابن مسعود: نزلت في أبي عبيدة بن الجراح، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد، وقيل: يوم بدر. وكان الجراح يتصدى لأبي عبيدة، وأبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصد إليه أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله حين قتل أباه: \" لَا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ \" الآية.
قال الواقدي: كذلك يقول أهل الشام.
ولقد سألت رجالا من بني الحارث بن فهر فقالوا: توفي أبوه من قبل الإسلام.
\"أو أبناءهم\" يعني أبا بكر دعا ابنه عبد الله إلى البراز يوم بدر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك عندي بمنزلة السمع والبصر).
\"أو إخوانهم\" يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم بدر.
\"أو عشيرتهم\" يعني عمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وعليا وحمزة قتلا عتبة وشيبة والوليد يوم بدر.
وقيل: إن الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، لما كتب إلى أهل مكة بمسير النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، على ما يأتي بيانه أول سورة \"الممتحنة\" إن شاء الله - تعالى -. ا. هـ.
3 - وقال البغوي:
وروى مقاتل بن حيان، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية قال: \" وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم \" يعني: أبا عبيدة بن الجراح، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد. ا. هـ.
والذي يهمنا من هذا كله هل ثبتت قصة قتل أبي عبيدة لأبيه في معركة بدر أو أحد؟
- نــص الــقــصــة:
عن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله - عز وجل - فيه هذه الآية: \" لَا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ.... الآية \".
أخرجها الطبراني في الكبير (1/154 ح 360)، وأبو نعيم في الحلية (1/101)، والحاكم في المستدرك (3/265)، والبيهقي في سننه (9/27) كلهم من طريق أسد بن موسى، ثنا ضمرة، عن ابن شوذب به.
عبد الله بن شوذب من الطبقة السابعة كما عند الحافظ ابن حجر في التقريب، والتي قال عنها الحافظ: كبار اتباع التابعين.
وقال ابن حبان في الثقات (7/10): مات سنة ستٍ, وخمسين ومئة.
- كلام أهل العلم على القصة:
قال البيهقي في السنن بعد أن ذكر القصة (9/27): هذا منقطع.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (تهذيب تاريخ دمشق 7/161):
قال المفضل ابن غسان: كان الواقدي ينكر أن يكون أبو أبي عبيدة أدرك الإسلام، وينكر قول أهل الشام إن أبا عبيدة لقي أباه في زحف فقتله، وقال: سألت رجالا من بني فهر منهم زفر بن محمد وغيره فقال: توفي أبوه قبل الإسلام، ويسند أهل الشام ذلك إلى الأوزاعي، وهذا غلط في قول الواقدي هذا. ا. هـ.
وقال الحافظ في الفتح (7/117):
وقتل أبوه كافرا يوم بدر، ويقال إنه هو الذي قتله، ورواه الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلا.
وقال الحافظ أيضا في الإصابة (5/286):
ونزلت فيه: \" لَا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادٌّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... الآية \" وهو فيما أخرجه الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن شوذب قال: جعل والد أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر فيحيد عنه فلما أكثر صده فقتله فنزلت. ا. هـ.
وقال في التلخيص الحبير (4/102):
وروى الحاكم والبيهقي منقطعا عن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت الآلهة لأبي عبيدة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله. وهذا معضل، وكان الواقدي ينكره ويقول: مات والد أبي عبيدة قبل الإسلام.
فـــــائـــــدة:
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/102):
قوله: روي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه حين سمعه يسب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - صنيعه.
أبو داود في المراسيل والبيهقي من رواية مالك بن عمير قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني لقيت العدو، ولقيت أبي فيهم فسمعت منه مقالة قبيحة فطعنته بالرمح فقتلته فلم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - صنيعه. هذا مبهم. ا. هـ.
أخرجه أبو داود في المراسيل (328)، والبيهقي في السنن (9/27).
قال البيهقي عقبه: وهذا مرسل جيد. ا. هـ.
ومالك بن عُمير الحنفي قال عنه المزي في تهذيب الكمال (27/152): روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُرسلا. ا. هـ.
وقال ابن حجر في التهذيب (10/20): قال ابن القطان: حاله مجهول وهو مخضرم. ا. هـ.
والحديث مرسل، والمرسل من قسم الضعيف على الصحيح، والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد