كيف تشرح حديثاً؟
يمكن شرح الحديث بعد أن تقسّمه إلى ثلاثة أقسام رئيسية (إجمالاً).
1/ الراوي الأعلى لهذا الحديث من الصحابي أو من دونه.
2/ لفظ رسول الله ?. (متن الحديث).
3/ تخريج الحديث والحكم عليه.
كيف أصل إلى شرحه تفصيلاً؟
أولاً: الراوي الأعلى:
يمكن أن يكون صحابياً أو غير صحابي كالتابعي ومن بعده.
إذا كان صحابياً كيف أُعرّف بهذا الصحابي؟
إذا أردت أن تعرّف بالصحابي تعريفاً تاماً فعليك أن تستعرض خمس نقاط مهمة في الصحابي:
1/ اسمه ونسبه بما يُميزه عن غيره.
2/ كُنيته.
3/ بعض فضائله ومناقبه.
4/ عدد أحاديثه عن رسول الله ?.
5/ وفاته زماناً ومكاناً.
تنبيه: من الصحابة من هو كثير الحديث ومنهم من هو متوسط ومنهم من هو قليل الحديث. فكيف نصوغ المادة العلمية لكل من هؤلاء:
المشهور أو المُكثر من الحديث: يجب أن أذكر اسمه ونسبه بما يُميزه عن غيره وعدد أحاديثه ووفاته زماناً ومكاناً، وأما بالنسبة لفضائله فأقتصر على منقبتين أو ثلاث، ويجب أن تكون هاتان المنقبتان مما له مِساس بالواقع. مثل: الحرص على طلب العلم أو في العبادة وغير ذلك.
وأما المتوسط: فأذكر كل ما ذُكر عنه. وأما المُقل: فإني أحرص على التقصي وجمع كل ما كُتب عنه. وإذا لم أجد شيئاً فإني أنص على عدم وجود سَنة وفاته مثلاً أو كنيته مثلاً.. وهكذا.
كيف أصل إلى المعلومات؟
بالنسبة للكتب التي يمكن أن أصل عن طريقها إلى المعلومات عن الصحابي، فهناك كتب تتصل بمزاياه الأربع. وهناك كتب مُختصة بعدد الأحاديث. فأولاً أذكر عدد أحاديثه ثم أرجع إلى الأربع لأنها مُتشعبة.
أما الكتب التي أُلفت في عدد أحاديث كل صحابي فأصلها وأهمها كتاب للإمام ابن حزم، أسماه (أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد). والكتاب مطبوع.
العدد الذي يُطرح أمام كل صحابي ليس كل ما رَوى ـ بل هو عدد نسبي لما رواه في مسند بقي بن مخلد الأندلسي، كما نص عليه السخاوي في فتح المغيث. وخُصَّ مسند بقي بن مخلد بهذا لسببين:
1. أن ابن حزم تكفّل بعد مرويات الصحابة في هذا المسند.
2. أن هذا المسند يُعتبر أعظم موسوعة في الإسلام.
ومسند بقي بن مخلد مفقود. وقد نقل المباركفوري في تحفة الأحوذي أنه موجود في مكتبة برلين بألمانيا.
أما ما يتصل بالأربع الأخرى، فإن هناك ثلاث طرق تؤدي إلى معرفة هذا الصحابي:
الطريقة الأولى: هي معرفة الكتب المؤلفة في الصحابة خاصة. ككتاب الاستيعاب لابن عبد البر، وكتاب أسد الغابة لابن الأثير، وكتاب تجريد الصحابة للذهبي، وكتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.
الطريقة الثانية: وهي معرفة الكتب المؤلفة في رجال الكتب الستة خاصة. لأنه يغلب أن هذا الصحابي خُرّج له في كتاب من الكتب الستة. أول هذه الكتب: الكمال في أسماء الرجال لعبد الغني بن عبد الواحد الجمّاعيلي المقدسي ت 600هـ. وله ميزتان:
1. أنه هو الأساس الذي بُنيت علي فكرة التأليف في رجال الكتب الستة.
2. أنه حنبلي المذهب. والكتاب لا يزال مخطوطاً وهو موجود في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ومن الكتب التي دارت في فلكه: تهذيب الكمال للمزي، وتذهيب تهذيب الكمال للذهبي، والكاشف للذهبي، وتهذيب التهذيب لابن حجر، وتقريب التهذيب لابن حجر، والخلاصة للخزرجي.
الطريقة الثالثة: معرفة الكتب المؤلفة في رجال السير عموماً. منها: سير أعلام النبلاء للذهبي ـ ومختصراته وتهذيباته ـ، كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان، وكتاب الوافي بالوفيات للصفدي، وكتاب البداية والنهاية لابن كثير.
هذا إذا كان الراوي الأعلى صحابياً، وإذا لم يكن صحابياً. فكيف أُعرّف به؟
إذا كان غير صحابي فيجب أن استعرض ست نقاط:
1/ اسمه ونسبه بما يُميزه.
2/ كُنيته.
3/ ذكر شيخين من شيوخه أحدهما مذكور في الإسناد، حتى يُستدل به على اتصال الحديث وعدمه ـ اتصال السند ـ، وحتى نعرف هل سمع من هذا الراوي.
4/ ذكر تلميذين من تلاميذه أحدهما في الإسناد وذكر التلميذين فيه فائدتان:
1. معرفة الاتصال.
2. لأنه برواية شيخين عنه ارتفعت جهالة العين، لأنه روى عنه راويان أو أكثر. وبقيت جهالة الحال.
5/ معرفة منزلته من حيث القبول وعدمه، هل هو ثقة أو غير ثقة.
6/ وفاته زماناً ومكاناً.
كيف أصل إلى المعلومات عن الراوي إن لم يكن صحابياً؟
إما عن طريق كتب عامة أو عن طريق كتب خاصة.
أما الكتب الخاصة فهناك كتب خاصة في صفة معينة أو كتب خاصة في كتب معينة.
مثال الكتب الخاصة بكتب معينة: ككتب الرجال الستة.
وأما الصفات الخاصة فكم أُلّف في الثقات وحدهم. كثقات ابن حبان، وثقات ابن شاهين، وثقات العجلي ـ أو ـ كُتب الضعاف خاصة، كالضعفاء والمتروكين للنسائي، وكذا للدارقطني، والضعفاء للبخاري، والضعفاء للعُقيلي، ومن أهمها الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي. وأيضاً ميزان الاعتدال للذهبي، ولسان الميزان لابن حجر.
أو كتب خاصة في الكنى، ككنى الدولابي، وكُنى البخاري، وكُنى مسلم، و الاستغنى في معرفة حملة العلم بالكنى لابن عبد البر.
أو الكتب المؤلفة في صفة خاصة مثل: الكتب المؤلفة في البلدان كتاريخ بغداد، وكتاريخ دمشق، وتاريخ حلب، وتاريخ جُرجان، وتاريخ داريا.
أو الكتب المؤلفة في الأنساب، كالأنساب للسمعاني، والُلباب للسيوطي، ولُب اللباب.
أو الكتب الخاصة المؤلفة في الألقاب.
وهناك كتب عامة، ككتاب التاريخ الكبير للبخاري، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وغيرها.
والرواة هناك من تُوسّع فيه، وهناك من لم يُتوسّع فيه، فينبغي أن يؤخذ ما يُناسب العرض. كما سبق في الصحابي.
ثانياً: لفظ الحديث ـ أو ـ كلام رسول الله ?.
كلام رسول الله ? يكون أحد أمرين:
1. إما أن تكون ألفاظاً لا يتضح معناها إلا بضمها إلى غيرها.
2. أو ألفاظاً معانيها تتضح بنفسها وإن لم تُضم إلى غيرها.
فالأول هو الحرف والثاني إما أن يكون إفادته بنفسه مع اقترانه بزمن سواءً كان الزمن حاضراً أو ماضياً أو مستقبلاً فهذا الفعل.
وإما أن يكون مفيداً بنفسه غير مقترن بزمن وهذا هو الاسم.
فكيف نصل إلى المعلومات المتصلة بالحروف وبالكلمة المفيدة سواءً اقترنت بزمن أو لم تقترن بزمن؟
تنبيهات:
1. أن الحروف تتناوب. أي أن الحروف تأتي بمعنى أصلي وتنوب عن غيرها بحيث يكون في هذا المعنى معنى فرعياً، فقد تكون الباء أصلية وقد تكون بمعنى على وبمعنى في. فعليك أن تُعيد النظر وتنظر إلى معانيها، وهل هي أصلية أو نائبة عن غيرها. وأيضاً الذي يليق مع سياق الكلام، وأيها الذي يَتناسب مع مُراد رسول الله ?.
2. أن الحروف منها ما هو اسم ومنها ما هو حرف، فهل هي في هذا اللفظ حرف أو اسم.
3. أن الحرف الواحد يأتي لمعان متعددة مع اتحاد اللفظ. مثال ذلك: أن حرف (اللام) له أربعون معنى. مثال: (الميم) لفظ واحد وقد تكون اسم وقد تكون حرف، والاسم وحده له عشرة معانٍ, وهذه المعاني العشرة يجمعها بيت واحد هو:
استفهام شرط الوصل فاعجب لنُكرها بكفٍ, ونفي وزِيدَ تعظيمِ مصدري
[ويقولون فائدة وأي فائدة كل ما بعد (إذا) زائدة].
كيف أصل إلى معاني الحروف؟
أعرف الحروف ومعانيها بالرجوع إلى الكتب المؤلفة في كتب الحروف والمعاني، وهذه الكتب كثيرة منها:
الجنى الداني للمُرادي، ورصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي، ومعاني الحروف للرماني، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، واللامات للزجاجي، واللامات لابن كيسان، والنحاس أيضاً، وابن فارس، وأبو الحسن الهروي. وغيرهم.
ما عدا الحروف كيف أصل إليه ـ معاني الألفاظ ـ؟
يمكن أن أصل إلى معاني الألفاظ بطريقتين:
الطريقة الأولى: عن طريق الكتب المؤلفة في غريب حديث رسول الله ?، منها: غريب الحديث للهروي، وغريب الحديث لابن قُتيبة، وغريب الحديث لابن الجوزي، وغريب الحديث لإبراهيم بن إسحاق، وغريب الحديث لابن قدامة، الفائق في غريب الحديث للزمخشري، وأعظم هذه الكتب وأهمها وأولها وأساسها وأجمعها النهاية في غريب الحديث لابن الأثير.
الطريقة الثانية: عن طريق الكتب المؤلفة في معرفة معاني ألفاظ لغة العرب، لأن أولى من يُشرح لفظه هو رسول الله ?. والكتب المؤلفة في بيان ألفاظ اللغة العربية كثيرة منها:
الصحاح للجوهري وشروحه، مختار الصحاح وتاج العروس للزبيدي، القاموس المحيط للفيروزأبادي، لسان العرب لابن منظور، وتهذيب اللغة لابن فارس، ومنها أيضاً المُحكم والمخصص لابن سِيدَه. وغيرها.
الأحكام المستمدة من لفظ الحديث، كيف أصل إليها؟
هي نوعان: 1/ إما حُكم مُجمعٌ عليه. 2/ أو مختلف فيه.
فأما المُجمعُ عليه، فأصل إليه من طريقين:
الطريق الأول: ـ وهو الأصل ـ عن طريق الكتب المؤلفة في الإجماع خاصة، مثالها: كتاب الإجماع والأشراط والأوسط لابن المنذر، وكتاب مراتب الإجماع لابن حزم مالم ينتقده شيخ الإسلام ابن تيمية في نقده لمراتب الإجماع، وكتاب الإفصاح لابن هُبيرة، وكتاب موسوعة الإجماع للسعدي أبي حبيب. وغيرها.
الطريق الثاني: التنصيص عليه من إمام. والتنصيص عليه من إمام سواءً نص عليه إمام في كتب شروح الفقه أو في كتب شروح الحديث وغيرها.
المختلف فيه كيف أصل إليه؟
ولكن قبل هذا هناك تنبيهان:
1. على طالب العلم إذا أراد أن يُبرء ذمته أمام الله - عز وجل - وإذا أراد أن يُكتب له القبول في الدنيا والآخرة عليه أن يكون متجرداً هَمّه الوصول إلى الحق، غير متعصب لشخص أو مذهب معين، وليكن همه الوصول إلى الحق ومعرفة مراد الله - سبحانه و تعالى - مهما قال به فلان من الناس، والتعصب يُعمي فلا يصل صاحبه إلى الحق، وفي الوقت نفس يجعل هذا التعصبَ صاحبه مسئولاً أمام الله - سبحانه و تعالى - لما يُبين.
وينظر إلى الأدلة من منظارين: 1/ الثبوت. 2/ الدلالة. وكذلك ينظر إلى المُرجحات. وقد ذكر الحازمي في كتابه الاعتبار في ناسخ الحديث ومنسوخه من الآثار خمسين مُرجحاً، وذكر العراقي في كتابه التقييد والإيضاح لما أُطلق وأُغلق على ابن الصلاح أكثر من مائة مُرجّح، فليَنظر إلى هذه المُرجحات ثم يُرجّح ما ظهر له بأدلته إن تبين له في هذه المسألة شيء، أو يتبع الأئمة المتقدمين في الترجيح.
2. عليه أن يعرف الاصطلاحات الخاصة في المذاهب. وما هو الراجح والمرجوح في كل مذهب. فمثلاً: أي الرواة أقوى عند الاختلاف عن الإمام مالك، ومتى يعمل بالقديم والجديد من قولي الإمام الشافعي، وأي الروايات المعتمدة في مذهب الإمام أحمد ـ وأي الرواة المعتمدين عند الاختلاف في مذهب الإمام أبي حنيفة، فإن هذه أمور مؤثرة في المذاهب، عليه أن ينظر في هذه حتى لا يأخذ ما هو مرجوح في المذهب الذي يُريد طرحه ويُريد عرضه ويكون غير معتمدٍ, أصلاً في المذهب.
ثم بعد ذلك يستطيع أن يشرح الحديث من طريقتين:
الطريقة الأولى: الكتب المؤلفة في المذاهب المتبوعة.
1. المذهب الحنفي: الهداية للمرغياني وهو من الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي، وشرحه فتح القدير لابن الهُمام.
2. المذهب المالكي: المدونة للإمام مالك، والتمهيد والاستذكار والكافي في مذهب أهل المدينة لابن عبد البر.
3. المذهب الشافعي: الأم للإمام الشافعي، مختصر المُزني وشرحه المسمى بالحاوي الكبير للماوردي، والمهذّب لأبي إسحاق الشيرازي وشرحه المسمى بالمجموع وقد تناوله بالشرح ثلاثة أولهم الإمام النووي ثم السبكي وأكمله المُطيعي.
قال العلامة الكبير الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: من وقف في مسائل الخلاف على المجموع وعلى المغني فقد استوفى المسألة.
4. المذهب الحنبلي: العمدة والكافي والمقنع والمغني كلها لابن قدامة المقدسي.
الطريقة الثانية: كتب شروح الحديث، فننظر إلى من أخرجه ثم نرجع إلى شرحه.
* فإن كان الحديث في البخاري، فنرجع إلى شروح البخاري الكثيرة ومنها:
أعلام الحديث للخطابي، فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب الحنبلي، فتح الباري لابن حجر العسقلاني، إرشاد الساري للقسطلاني، عمدة القاري للعيني، شرح الكِرماني.وغيرها..
* وإن كان الحديث في مسلم، فنرجع إلى شروح مسلم اكثيرة ومنها:
المُعلم بفوائد صحيح مسلم للمازري، إكمال المُعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض، المُفهم شرح صحيح مسلم للقرطبي، شرح النووي على مسلم الموسوم بالمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، شرح الأُبي على مسلم، فتح المُلهم بشرح صحيح مسلم للشبّير بن أحمد العثماني.وغيرها.
* وإن كان في سنن أبي داود:
معالم السنن لخطابي، شرح بدر الدين العيني، عون المعبود وغاية المقصود للعظيم أبادي، بذل المجهود في حل سنن أبي داود للسهارنفوري، المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود لمحمود محمد خطاب.. وتكملته المسمى فتح الملك المعبود لابنه أمين محمود خطاب.
* وإن كان في سنن الترمذي:
عرضة الأحوذي لابن العربي، النفح الشذي لابن سيد الناس.. وتكملته للعراقي، قوت المغتذي للسيوطي، تحفة الأحوذي للمباركفوري.
* وإن كان في سنن النَسائي:
حاشية السيوطي على سنن النسائي، حاشية السندي، شرح للشنقيطي، شرح لمحمد الأثيوبي المولوي.
* وإن كان في سنن ابن ماجه:
حاشية للسيوطي، حاشية السندي، شرح ابن قُليج الحنفي ـ وهو أعظم شروحه ـ. وقد حقق أجزاء منه الشيخ عبد العزيز الماجد - رحمه الله – .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد