مبحث اضافي - غزوة خيبر


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال الإمام ُالنوويٌّ - رحمه الله - في \" شرح صحيح مسلم \" المجلد الثالث (9/179-182)، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة، وبيان أنه أُبيح، ثم نُسخ، ثم أُبيح، ثم نُسخ إلى يوم القيامة نقلاً عن القاضي عياض- رحمه الله-  قال: قال المازري: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزاً في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ، وانعقد الإجماع، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة، فلا دلالة لهم فيها، وتعلقوا بقوله تعالى: {فَمَا استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} سورة النساء(24). وفي قراءة ابن مسعود: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل}. وقراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآناً ولا خبراً، ولا يلزم العمل بها، قال: وقال زفر: من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه. وكأنه جعل ذكر التأجيل من باب الشروط الفاسدة في النكاح، فإنها تلغى، ويصح النكاح، قال المازري: واختلفت الرواية في \" صحيح مسلم\" في النهى عن المتعة، ففيه أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها يوم خيبر، وفيه أنه نهى عنها يوم فتح مكة، فإن تعلق بهذا من أجاز نكاح المتعة وزعم أن الأحاديث تعارضت، وأن هذا الاختلاف قادح فيها، قلنا هذا الزعم خطأ، وليس هذا تناقضاً لأنه يصح أن ينهى عنه في زمن، ثم ينهى عنه في زمن آخر، توكيداً أو ليشتهر النهى ويسمعه من لم يكن سمعه أولاً، فسمع بعض الرواة النهي في زمن، وسمعه آخرون في زمن آخر، فنقل كل منهم ما سمعه، وأضافه إلى زمان سماعه. هذا كلام المازري.

قال القاضي عياض: روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن مسعود، وابن عباس، وجابر، وسلمة بن الأكوع، وسبرة بن معبد الجهني، وليس في هذه الأحاديث كلها أنها كانت في الحضر، وإنما كانت في أسفارهم في الغزو، ثم ضرورتهم، وعدم النساء، مع أنَّ بلادهم حارة، وصبرهم عنهن قليل، وقد ذكر في حديث ابن أبي عمر أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها، كالميتة ونحوها، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- نحوه، وذكر مسلم عن سلمة بن الأكوع إباحتها يوم أوطاس، ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح، وهما واحد، ثم حرمت يومئذ، وفي حديث علي تحريمها يوم خيبر، وهو قبل الفتح، وذكر غير مسلم عن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها في غزوة تبوك، من رواية إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه عنه علي، ولم يتابعه أحدٌ على هذا، وهو غلط منه، وهذا الحديث رواه مالك في الموطأ، وسفيان بن عيينة، والعمري، ويونس، وغيرهم عن الزهري، وفيه يوم خيبر، وكذا ذكره مسلم عن جماعة عن الزهري، وهذا هو الصحيح، وقد روى أبو داود من حديث الربيع بن سبرة، عن أبيه النهي عنها في حجة الوداع.

قال أبو داود: وهذا أصح ما روى في ذلك، وقد روى عن سبرة أيضاً إباحتها في حجة الوداع، ثم نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها حينئذ إلى يوم القيامة، وروى عن الحسن البصري أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء، وروى هذا عن سبرة الجهني أيضاً، ولم يذكر مسلم في روايات حديث سبرة تعيين وقتº إلا في رواية محمد بن سعيد الدرامي، ورواية إسحاق ابن إبراهيم، ورواية يحيى بن يحيى، فإنه ذكر فيها يوم فتح مكة، قالوا: وذكر الرواية بإباحتها يوم حجة الوداع خطأº لأنه لم يكن يومئذ ضرورة، ولا عزوبة، وأكثرهم حجوا بنسائهم، والصحيح أن الذي جرى في حجة الوداع مجرد النهي، كما جاء رواية، ويكون تجديده -صلى الله عليه وسلم- النهى عنها يومئذ لاجتماع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، ولتمام الدين، وتقرر الشريعة، كما قرر غير شيء، وبين الحلال والحرام يومئذ، وبت تحريم المتعة حينئذ، لقوله: \" إلى يوم القيامة \"، قال القاضي: ويحتمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر وفي عمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس أنه جدد النهي عنها في هذه المواطنº لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه، بل هو ثابت من رواية الثقات الأثبات، لكن في رواية سفيان أنه نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فقال بعضهم: هذا الكلام فيه انفصال، ومعناه أنه حرم المتعة ولم يبين زمن تحريمها، ثم قال: ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فيكون يوم خيبر لتحريم الحمر خاصة، ولم يبين وقت تحريم المتعة، ليجمع بين الروايات، قال هذا القائل، وهذا هو الأشبه أن تحريم المتعة كان بمكة، وأما لحوم الحمر فبخيبر بلا شك، قال القاضي: وهذا أحسن لو ساعده سائر الروايات عن غير سفيان، قال: والأولى ما قلناه، أنه قرر التحريم، لكن يبقى بعد هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء يوم الفتح، ويوم أوطاس، فتحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباحها لهم للضرورة بعد التحريم، ثم حرمها تحريما مؤبداً، فيكون حرمها يوم خيبر وفي عمرة القضاء، ثم أباحها يوم الفتح للضرورة، ثم حرمها يوم الفتح أيضاً تحريماً مؤبداً، وتسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع لأنها مروية عن سبرة الجهني، وإنما روى الثقات الأثبات عنه الإباحة يوم فتح مكة، والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم، فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة، ووافقه عليه غيره من الصحابة -رضي الله عنهم- من النهى عنها يوم الفتح، ويكون تحريمها يوم حجة الوداع تأكيداً وإشاعة له كما سبق، وأما قول الحسن: إنما كانت في عمرة القضاء لا قبلها ولا بعدها، فترده الأحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر، وهي قبل عمرة القضاء، وما جاء من إباحتها يوم فتح مكة ويوم أوطاس، مع أن الرواية بهذا إنما جاءت عن سبرة الجهني، وهو راوي الروايات الأخر، وهي أصح، فيترك ما خالف الصحيح، وقد قال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين، والله أعلم، هذا آخر كلام القاضي.

والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خبير، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لا تصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة، واستمر التحريم، ولا يجوز أن يقال: إن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد، وأن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم من غير تقدم إباحة يوم الفتح، كما اختاره المازري والقاضيº لأن الروايات التي ذكرها مسلم في الإباحة يوم الفتح صريحة في ذلك، فلا يجوز إسقاطها، ولا مانع يمنع تكرير الإباحة، والله أعلم.

قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحاً إلى أجل لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق، ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض، وكان ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنه، قال: وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه، سواء كان قبل الدخول أو بعده، إلا ما سبق عن زفر، واختلف أصحاب مالك هل يحد الواطىء فيه، ومذهبنا أنه لا يحد، لشبهة العقد، وشبهة الخلاف. ومأخذ الخلاف: اختلاف الأصوليين في أن الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف ويصير المسألة مجمعاً عليها، والأصح عند أصحابنا أنه لا يرفع بل يدوم الخلاف، ولا يصير المسألة بعد ذلك مجمعاً عليها أبداً، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني، قال القاضي: وأجمعوا على أن من نكح نكاحاً مطلقاً ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها فنكاحه صحيح حلال وليس نكاح متعة، وإنما نكاح المتعة ما وقع بالشرط المذكور، ولكن قال مالك: ليس هذا من أخلاق الناس وشذ الأوزاعي فقال هو نكاح متعة ولا خير فيه، والله أعلم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في \" مختصر منهاج السنة النبوية \" (1/226-228): وأما متعة النساء المتنازع فيها فليس في الآية نص صريح بحلها، فإنه تعالى قال: {وَالمُحصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم كِتَابَ اللّهِ عَلَيكُم وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُم أَن تَبتَغُوا بِأَموَالِكُم مٌّحصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ فَمَا استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيكُم فِيمَا تَرَاضَيتُم بِهِ مِن بَعدِ الفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَن لَّم يَستَطِع مِنكُم طَولاً أَن يَنكِحَ المُحصَنَاتِ المُؤمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَت أَيمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المُؤمِنَاتِ وَاللّهُ أَعلَمُ بِإِيمَانِكُم بَعضُكُم مِّن بَعضٍ, فَانكِحُوهُنَّ بِإِذنِ أَهلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعرُوفِ مُحصَنَاتٍ, غَيرَ مُسَافِحَاتٍ, وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخدَانٍ, فَإِذَا أُحصِنَّ فَإِن أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ, فَعَلَيهِنَّ نِصفُ مَا عَلَى المُحصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ العَنَتَ مِنكُم وَأَن تَصبِرُوا خَيرٌ لَّكُم وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}  سورة النساء(24-25). فقوله: {فما استمتعتم به منهن} يتناول كل من دخل بها من النساء، فإنه أمر بأن يعطى جميع الصداق، بخلاف المطلقة قبل الدخول التي لم يستمتع بها فإنها لا تستحق إلا نصفه. وهذا كقوله تعالى: {وَكَيفَ تَأخُذُونَهُ وَقَد أَفضَى بَعضُكُم إِلَى بَعضٍ, وَأَخَذنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} سورة النساء (21). فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لاستقرار الصداق، يبين ذلك أنه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى، بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولى، فلا بد أن تدل الآية على المؤبد: إما بطريق التخصيص، وإما بطريق العموم.

يدل على ذلك أنه ذكر بعد هذا نكاح الإماء، فعلم أن ما ذكر كان في نكاح الحرائر مطلقا. فإن قيل: ففي قراءة طائفة من السلف: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى} قيل: أوّلا: ليست هذه القراءة متواترة، وغايتها أن تكون كأخبار الآحاد. ونحن لا ننكر أن المتعة أحلت في أوّل الإسلام، لكن الكلام في دلالة القرآن على ذلك.

الثاني: أن يقال: هذا الحرف إن كان نزل، فلا ريب أنه ليس ثابتاً القراءة المشهورة، فيكون منسوخا، ويكون نزوله لما كانت المتعة مباحة، فلما حُرِّمت نسخ هذا الحرف، ويكون الأمر بالإيتاء في الوقت تنبيها على الإيتاء في النكاح المطلق. وغاية ما يقال إنهما قراءتان، وكلاهما حق. والأمر بالإيتاء في الاستمتاع إلى أجل مسمًّى واجب إذا كان ذلك حلالا، وإنما يكون ذلك إذا كان الاستمتاع إلى أجل مسمى حلالا، وهذا كان في أول الإسلام، فليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع بها إلى أجل مسمى حلال، فإنه لم يقل: وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل مسمى، بل قال: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع: سواء كان حلال، أو كان في وطء ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق. والمتمتع إذا اعتقد حل المتعة وفعلها فعليه المهر، وأما الاستمتاع المحرم فلم تتناوله الآيةº فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد، مع مطاوعتها، لكان زنا، ولا مهر فيه. وإن كانت مستكرهة، ففيه نزاع مشهور.

وأما ما ذكره من نهي عمر عن متعة النساء، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه حرَّم متعة النساء بعد الإحلال. هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، أنه قال لا بن عباس -رضي الله عنه- لما أباح المتعة: إنك امرؤ تائه، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر(1)، رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها، أئمة الإسلام في زمنهم، مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما، ممن اتفق المسلمون على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح متلقى بالقبول، ليس في أهل العلم من طعن فيه.

وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة(2). وقد تنازع رواة حديث علي -رضي الله عنه-: هل قوله: \" عام خيبر \" توقيت لتحريم الحمر فقط أو له ولتحريم المتعة؟ فالأول قول ابن عيينة وغيره، قالوا: إنما حرمت عام الفتح. ومن قال بالآخر قال: إنها حرمت ثم أحلت ثم حرمت. وادعت طائفة ثالثة أنها أحلت بعد ذلك، ثم حرمت في حجة الوداع.

فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها. والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل، وأنها إنما حرمت عام فتح مكة ولم تحل بعد ذلك، ولم تحرم عام خيبر، بل عام خيبر حرمت لحوم الحمر الأهلية. وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ذلك عليه، وقال له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر يوم خيبر، فقرن علي -رضي الله عنه- بينهما في الذكر لما روى ذلك لابن عباس - رضي الله عنهما-º لأن ابن عباس كان يبيحهما. وقد روى عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنها.

فأهل السنة اتبعوا عليا وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والشيعة خالفوا علياً فيما رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، واتبعوا قول من خالفه. وأيضاً فإن الله -تعالى- إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين، والمتمتع بها ليست واحدة منهما، فإنها لو كانت زوجة لتوارثا، ولوجبت عليها عدة الوفاة، ولحقها الطلاق الثلاثº فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله -تعالى-، فلما انتفى عنها لوازم النكاح دل على انتفاء النكاح فإن انتقاء اللازم يقتضي انتفاء اللزوم. والله -تعالى- إنما أباح في كتابه الأزواج وملك اليمين، وحرم ما زاد على ذلك بقوله تعالى: {والذين هم لفوجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} سورة المؤمنون(5-7). والمستمتع بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين، فتكون حراما بنص القرآن أما كونها ليست مملوكة فظاهر، وأما كونها ليست زوجة فلانتفاء لوازم النكاح فيها، فإن من لوازم النكاح كونه سببا للتوارث وثبوت عدة الوفاة فيه، والطلاق الثلاث، وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول، وغير ذلك من اللوازم.

فإن قيل: فقد تكون زوجة لا ترث كالذمية والأمة.

قيل: عندهم نكاح الذمية لا يجوز، ونكاح الأمة إنما يكون عند الضرورة. وهم يبيحون المتعة مطلقا. ثم يقال: نكاح الذمية والأمة سبب للتوارث، ولكن المانع قائم، وهو الرق والكفر. كما أن النسب سبب للإرث إلا إذا كان الولد رقيقاً أو كافرا فالمانع قائم.

ولهذا إذا أعتق الولد أو أسلم ورث أباه في حياته. وكذلك الزوجة الذمية إذا أسلمت في حياة زوجها ورثته باتفاق المسلمين، وكذلك إذا أعتقت في حياته واختارت بقاء النكاح ورثته باتفاق المسلمين، بخلاف المستمتع بها، فإن نفس نكاحها لا يكون سببا للإرث، فلا يثبت التوارث فيه بحال. فصار هذا النكاح كولد الزنا الذي ولد على فراش زوج فإن هذا لا يحلف بالزاني بحال، فلا يكون ابنا يستحق الإرث.

فإن قيل: فالنسب قد تتبعض أحكامه، فكذلك النكاح.

قيل: هذا فيه نزاع، والجمهور يسلِّمونه، ولكن ليس في هذا حجة لهم، فإن جميع أحكام الزوجية منتفية في المستمتع بها، لم يثبت فيها شيء من خصائص النكاح الحلال فعلم انتفاء كونها زوجة، وما ثبت فيها من الأحكام مثل لحوق النسب، ووجوب الاستبراء، ودرء الحد، ووجوب المهر، ونحو ذلك - فهذا يثبت في وطء الشبهة - فعلم أن وطء المستمتع فها ليس وطئا لزوجة، لكنه مع اعتقاد الحل مثل وطء الشبهة. وأما كون الوطء به حلال فهذا مورد النزاع، فلا يحتج به أحد المتنازعين، وإنما يحتج على الآخر بموارد النص والإجماع.

راجع\"  مختصر منهاج  السنة\" اختصار الشيخ عبد الله الغنيمان. الجزء الأول. صـ(227-228).


 


1 - انظر البخاري ج7 ص12 ومسلم ج2ص 1027

2 - انظر صحيح مسلم ج2 ص1026.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply