منهج أبي حنيفة الدِّينَوَريِّ في كتابه


بسم الله الرحمن الرحيم

 

ومن كتب الشيعة التي انحرفت عن المنهج الصحيح في التعامل مع السيرة كتاب \"الأخبار الطوال\" والذي يبدأ بالحديث عن أولاد آدم -عليه السَّلامُ- وأنهم تفرَّقوا في الأرض بعد أن كثروا,ووقع بينهم التَّنازعُ, ثم يذكر الأنبياءَ إلى إسماعيلَ -عَلَيهِ السَّلامُ- بإشاراتٍ, مُوجَزةٍ,, ثم يدخلُ في التَّاريخِ الفارسيِّ فيؤرِّخ لملوكهم, ويذكر مَن كان يعاصرهم في جزيرة العرب, وفي بلاد الروم, وبخاصة الإسكندر الروماني, ويسترسلُ في التاريخ الفارسي ويُورد معلومات مفصَّلةً وواسعةً عن التَّاريخِ الفارسيِّ إذا قُورنت مع ما يُورده بقيةُ المؤرِّخين المسلمين. وهو يذكرُ تاريخَ المناطقِ المجاورةِ من خلالِ هذا التَّاريخِ, ويشير إشارة موجَزة في أسطر إلى مولدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- وبعثتِهِ وعدد سنوات لُبثِهِ في مكةَ, والمدينةِ, ثم وفاته, ثم لا يذكرُ شيئاً من تاريخِ الخلفاءِ الرَّاشدين,ولا الأحداث الداخلية في جزيرة العرب مثل حروبِ الرِّدَّةِ, وإنما يذكرُ الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس دون غيرها من الفتوحات في الشام, ومصر, والمغرب. ويتتبع الأحداث في بلاد فارسٍ, حَتَّى سقوط آخر ملكِهم \"يزدجر\" ومقتله في سنة(30هـ). وبعد ذلك يلتفت للأحداثِ والفتنِ المؤلمةِ التي وقعت بين المسلمين, فيتتبعها بنفَسٍ, طويلٍ,, وتفصيلٍ, عجيبٍ,, فيذكر مقتلَ عثمان, وبيعةَ عليِّ بن أبي طالب -رَضِيَ اللهُ عَنهُما- في إشارةٍ, موجَزةٍ,, ثم يُفصِّلُ في معركةِ الجملِ, وصِفِّين, وظهور الخوارج, ومقتل عليٍّ, عَلَى أيديهم, وبيعة الحسنِ, ومقتلِ الحسينِ, ويُفصِّلُ في ذلك تفصيلاً دقيقاً, ثم يتعرَّضُ للحديثِ عن دعوةِ عبدِ اللهِ بنِ الزٌّبيرِ، وفتنة المختار بن أبي عُبيد, وثورة ابن الأشعث, وثورات الخوارج المتعددة، ودور المهلَّب بن أبي صُفرة في حربِهم, ويذكر الخلفاءَ الأُمويينَ من خلال الأحداث الداخليةِ في الدولة الإسلامية, ثم يُؤرِّخُ لظهور الدَّعوةِ العبَّاسيةِ وتعاظمها حَتَّى سقوط الدولة الأموية, ثم يُؤرِّخُ للخلفاءِ العباسيين, حَتَّى وفاة المعتصم بن الرشيد سنة(227هـ), ويقف عند هذا التَّاريخِ مع أنه قد عاش إلى سنة(282هـ).

ومواردُ أبي حنيفةَ الدِّينَوَريِّ في كتابِهِ هذا غيرُ واضحةٍ, كثيراًº لأنه لا يستعملُ الإسنادَ, ولا ينصٌّ على غالبِ مصادرِهِ, وإنما قال في أول كتابِهِ: \"وجدتُ في كتب أهلِ العلمِ بالأخبارِ الأولى\"يقصد الأخبار الطوال- ثم يسرد الكتابَ في أسلوب قصصيٍّ, متماسكٍ, وعبارةٍ, واضحةٍ,. وعند بدايةِ كُلِّ موضوعٍ, جديدٍ, يستعملُ كلمةَ \"قالوا\" أي أهل العلم الذين وجد هذه الأخبارَ في كتبِهم.

وأشار إشارات بسيطة إلى أسماء بعض مَن أخذ عنهم, فأشار إلى عُبيد بن شَرية الجُرهُميِّ صاحب كتابِ \"الملوك وأخبار الماضيين\" بقولِهِ: \" وُذكِر عن ابن الشرية \",وأشار إلى عالمٍ, نَسَّابةٍ, هو ابن الكيِّس النمري بقوله: \"وذُكر عن ابن النمري أنه قال...\", كما نقل عن الكلبيِّ، وعن الأصمعيِّ، وعن الشَّعبيِّ.وأكثرُ مَن صَرَّحَ بالنَّقلِ عنه الهيثمُ بن عَدِي,فقد صَرَّح باسمِهِ في عشرة مواضع، وتعليقاته على الأخبار التي يسوقُها قليلةٌ جِدَّاً، وترجيحُه وموازنتُهُ بين الأخبارِ معدومٌ، وهو يكتفي بذكرِ روايةٍ, واحدةٍ, يختارُها,ولا يُشير إلى خلافِهاº ولذلك وقعَ في بعضِ الأخطاءِ, مثل قوله: إن الاسكندر الروماني هو ذُو القرنينِ الرجل الصالح,الذي ذَكَرَ اللهُ قِصَّتَهُ في القُرآنِ الكَرِيمِ... إلخ.

 وبعضُ الأخبارِ يجتزئُ منها,ثم يقولُ: إنَّ ذلكَ مشهورٌ,وفي أخبارِ الأنبياءِ يُحِيلُ عَلَى الآياتِ القرآنيةِ ولا يُورِدُ نصَّها، ويستشهدُ بالأشعارِ كثيراً.

 وطريقة الدِّينَوَريِّ هي انتقاءُ بعضِ الأحداثِ وبعضِ الرِّواياتِ التي تخدمُ اتجاهه، والتركيز عليها, ومتابعتها حَتَّى تنتهي, وخاصة في تاريخ الدولة الإسلاميةº ولذلك سَمَّى كتابَهُ \"الأخبار الطوال\". فهو مجموعةُ أخبارٍ, مُنتقاة, وليس تاريخاً شاملاً،كما أنه يُمثِّلُ الإخباريين الذين يكثرُ في كلامِهم الخلطُ والتزيدُ على أُصُولِ الحوادثِ والأخبارِ مَعَ عَدَمِ التَّحقيقِ, أو ذكر الإسنادِ عَلَى الأقلِّº لتتضح الرؤيةُ للناقدِ والمحققِ بعدَهُم.

والذي ينظر للتاريخِ الإسلاميِّ بشكلٍ, عام من خلالِ كتابِ \"الأخبار الطوال\", لا يجدُ إلا صورةً قاتمةً من الصِّراعِ الدَّاخليِّ والتطاحنِ على المُلكِ والعَصَبيةِ، ولا نتهم الدِّينَوَريَّ باختراعِ الأخبارِ مِن عندِ نفسِهِ, لكن طريقة العرضِ والانتقاءِ كانَ لها الدورُ في رسمِ مثل هذه الصٌّورةِ، وكتاب \"الأخبار الطوال\" للدِّينَوَريِّ غيرُ واضحِ التَّأثيرِ في الكتابةِ التَّاريخيةِº لاقتصارِهِ على اتجاه واحدٍ, هو \"الاتجاه الشعوبي\", كما أنَّ المؤرِّخين مِن بعده لم يجعلُوه بمنزلةٍ, رفيعةٍ,,كما فعلوا بتاريخ خليفة بن خياط, رغم وجازته واختصاره, أو تاريخ أبو جعفر الطبريº لذلك نجد الاقتباسات عنه في المصادرِ المتأخِّرةِ قليلةً(1).

 


1 - راجع: كتاب منهج كتابة التاريخ الإسلامي د. محمد بن صامل السلمي (423-426).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply