خلاصة منهج المستشرقين في كتابة السيرة


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

تتضح منهجية المستشرقين المنحرفة، وضلالهم المبين في كتاباتهم عن السِّيرَة النَّبَويَّة، وعن النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-، وعن سنته ودينهº من خلال الشبهات التي يبثّونها فيها، ونجد أن هذه الشبهات تعكس حقداً أصيلاً على نبينا ومصطفانا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- فإذا ما تزوج اعترضوا وإذا ما طلق اعترضوا !! بل واتخذوا هذه الاعتراضات الواهية ذريعةًً ليكفُروا بربهم العظيم ونبيه الكريم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-، وحقيقة الأمر أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- حَتَّى لو لم يكن قد تزوج على الإطلاق كانوا سيكفرون بهº لأن الله تعالى يقول: {وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُل إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهوَاءهُم بَعدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ العِلمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ, وَلاَ نَصِيرٍ,} البقرة: 120.  قال ابن جرير: يعني بقوله جل ثناؤه: ((ولن ترضى عنك  اليهود ولا النصارى حَتَّى تتبع ملتهم))  ليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبداً فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى مابعثك الله به من الحق تفسير ابن كثير (1/164).

وأما عن شبهاتهم الوهمية فمرجعها كلها إلى ثقافة هؤلاء القوم عن الزواج فهو عندهم شر لابد منه بل وعند البعض شر محض فهو عندهم الحلال الدنس!! يقول ترتليانوس \"والشهوة في الحقيقة هي سبب الزنا ألا يوجد مظهر من مظاهر الزنا في الزواج حيث أنه متضمن فيه حيث أن نفس الأفعال تحدث في الاثنين؟ والمسيح قال: (من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه) ويستطرد قائلاً: وقد يسأل أحدهم (هل أنت بذلك تهدم أساس الزواج بإمرة واحدة أيضاً) نعم! ولكن ليس دون سبب وجيه، لأنه حَتَّى هذه الزيجات أساسها نفس هذا الخزي وهو الزنى !!!،  ولذلك \"حسن للرجل ألا يمس امرأة\"   (كورنثوس الأولى1:7)، فلتشعر أنك بمركز أفضل إذا أتاح الله فرصة الزواج مرة واحدة وإلى الأبد!! وأنك مدين بالشكر إذا علمت أنه لم يدعك تتورط مرة أخرى!!! وإلا فأنت تسدي إلى نفسك بالانغماس حيث أنك تستعمل الزواج بدون مقياس، أفلا يكفيك أن تسقط من قمة مرتبة البتولية الطاهرة إلى مرتبة أدنى بالزواج؟ فإنك بلا شك ستنحدر إلى هوة سحيقة بالزواج الثالث والرابع !!! ففى ذلك اليوم ينطق بكلمة (الويل) على الحبالى والمرضعات!!! (مرقس 17:13 ومتى 19:24 ولوقا 23:21) سوف يحدث ذلك أي (الويل) قيل عن المتزوجين وغير الطاهرين لأن الزواج يعطى دوراً للأرحام والأثداء والرضع!!! وقد حاول شنودة تبرير زواج إبراهيم بل وأكثر من مرة بأن السبب كان إحياء نسل في زمن لم يكن فيه إيمان. ويبرر بولس هذه الدَّعوة التي زرعها في الفكر النصراني قائلاً \"وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهنّ ولكنني أعطي رأيا كمن رحمه الرب أن يكون أميناً. فأظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر أنه حسن للإنسان أن يكون هكذا\"  كورنثوس1 25:7  فها هو يفتينا برأيه ويقول صراحة هذا ليس بوحي ثم نجده في الكتاب المقدس مسطوراً ويقول أيضاً\" فأريد أن تكونوا بلا هم.غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب. وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته\"\"  كورنثوس 1 32:7_34وقد قال البابا المتفزلق يوحنا الذهبي: \"إن للبتولية مزايا عملية فالعذراء تهرب من المشاغل والأحزان التي تشغل المرأة المتزوجة وتقلقها على عائلتها\"!!!! وعندما سئل عن احتمال فتاء البشرية لو امتنع النَّاس عن الزواج فرد قائلاً: \"إنها دائماً إرادة الله وليس النشاط الجنسي هو الذي سيخلق شعباً جديداً\" !!! وطبعاً هذا الكلام المتهافت الصادر عن أناس انتكست فطرتهم فرأوا الحق باطلاً ورأوا الباطل حقاً لا يحتاج إلى جهد في تفنيده فهؤلاء الذين يعيشون في الوهم لم يفهموا أن قول المسيح: (من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها) لا يعنى أن النَّاس كلهم زناة حَتَّى لو نظروا لزوجاتهم؟!! وإنما يقصد من يطلق البصر للنساء الأجنبيات وذلك كقوله تعالى:{ قُل لِّلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصنَعُونَ} النور، الآية:30.  \" أما القول بأن الزواج مثل الزنى لأنه يتضمن نفس الأفعال، وأن الزواج أكثر من مرة هو سقط في الهاوية على حد زعم هؤلاء الضلال، فهو كذب وافتراء، فالزواج هو شيء فطرنا الله عليه، ومنّ علينا به، إذ يقول تعالى: {وَمِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَاجاً لِّتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ, لِّقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ} الروم،الآية: 21.  ونحن نرى أناساً يسجدون للشمس وأناساً يسجدون لله، فهل يُذم الذين يسجدون لله العظيم لمجرد أن آخرين يسجدون بنفس الطريقة لآلهتهم الباطلة، فأين هذا الهراء من قول رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله: أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجر)) رواه الإمام مسلم-كتاب الزكاة-باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف برقم 1006 ومعلوم أن الله لم يخلق فينا الغرائز ليعذبنا بها وإنما أمرنا أن نحسن استعمالها فيما أرشدنا إليه وحينها نكون قد وصلنا إلى قمة العبودية للهº أما عن قول شنودة بأن زواج إبراهيم كان لغرض إحياء النسل المؤمن فهو قول حق أراد به باطل! وإلا فبماذا يفسِّر ذلك الضال زواج إبراهيم من قطورة بعد إنجابه إسماعيل وإسحاق؟ (تل 1:22) وإذا كان التعدد ضد إرادة الله أساساً فلماذا لم يجعل الله نسل إبراهيم خليله كله من سارة وحدها وقد علمنا كيف أن الله مكنها من الإنجاب وهي عجوز، ألم يكن الله قادراً على جعلها تحمل مرة ثانية وثالثة إذا أراد بدلاً من أن يسمح لإبراهيم بالزواج الثاني الذي يعتبره النصارى جريمة نكراء؟!! أما ادعاء بولس بأن الزواج يبعد الإنسان عن ربه وهو كما رأينا لا يكاد يبيح الزواج إلا في حالة الخوف من الوقوع في الزنا فجعله زواج اضطراري أو شر أهون من شر!!!! فأين ذلك من أسوتنا وقدوتنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- الذي يقول: (يا معشر الشباب من أستطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)  البخاري-كتاب النكاح-باب قول النَّبيَّ من استطاع منكم الباءة فليتزوج برقم 5065 والله تعالى يقول: {وَمِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَاجاً لِّتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ, لِّقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ} الروم:21.  فقد علمنا الله -سبحانه وتعالى- على لسان رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- كيف نجعل من الزواج المبارك سبب في التقرب أكثر من طاعة الله وتأسيس أسرة مسلمة ونسل صالح وإدخال السعادة على الآباء بزواج أبناءهم وبذرياتهم وفي الوقت ذاته علمنا عدم الانشغال بالأهل عن خدمة دين الله تعالى، فقال تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعرَابِ شَغَلَتنَا أَموَالُنَا وَأَهلُونَا فَاستَغفِر لَنَا يَقُولُونَ بِأَلسِنَتِهِم مَّا لَيسَ فِي قُلُوبِهِم قُل فَمَن يَملِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيئًا إِن أَرَادَ بِكُم ضَرًّا أَو أَرَادَ بِكُم نَفعًا بَل كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيراً} الفتح،الآية:11.  وقال تعالى: {المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيرٌ أَمَلاً} الكهف: 46.  وقال تعالى: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلَا أَولَادُكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} المنافقون: 9.   وقد كانت الفترة التي عدد فيها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- زوجاته هي أكثر فترات عمره عملاً وتضحيةً وجهاداً وتعليماً وأعباءً، كما أنه كان أزهد النَّاس وأبعدهم عن الدنيا وزينتها وكان الله يريد لزوجاته أيضاً إن يكن بعيدات عن الدنيا وزينتها إذ يقول تعالى: {يَا أَيٌّهَا النَّبيَّ قُل لِّأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدٌّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} الأحزاب:28.  فهذا هو الفكر السوي الذي نتبعه في إسلامنا العظيم وديننا السمح الجميل.

ونحن نتساءل ماذا عن موسى ويعقوب وسليمان وداوود وغيرهم من الأنبياء الذين تزوجوا، بل وعددوا، بل ووصل عدد نساء البعض منهم إلى مئات الزوجات، وهم أتقى النَّاس واعبدهم وأعلمهم بالله ؟!! فهل سقط هؤلاء في الهاوية التي نجى منها بولس وترتليانوس وأشباههم. وبالنسبة للبابا يوحنا الذهبي الذي يتحدث عن إرادة الله فنقول لذلك الجاهل أن إرادة الله كانت في خلق آدم وحواء ونسلهما وإعطاءها الأعضاء المناسبة لذلك والعواطف المؤدية لذلك.

 وقد أثبت العلم أن تأخير سن الزواج له مضار صحية ونفسية كالتهابات الجهاز البولي والتناسلي عند الرجل، والأمراض الخبيثة عند المرأة، ومرجع ذلك لاختلال وظائف الغدد، وكبت عمل الأعضاء المخصصة للتناسل، وهل عدم الزواج خال من المشاكل؟ إن عدم الزواج هو المشاكل نفسها فأين تذهب المودة والرحمة والسكن؟!!! وكما هو واضح فإن الجميع يتمسك بوصايا بولس رغم ما تحمله من أفكار خاطئة ومبادىء هدامة لا يقبلها عقل قويم أو فكر مستنير، وهل خلقنا الله لنكون ملائكة يمشون على الأرض؟ نعبده ليل نهار ولا نفتر أبداً؟؟

يا مغلقي العقول إن الله خلق الإنسان إنساناً، وخلق الملاك ملاكاً، وأمر الإنسان بما لا يفوق طاقته وهو عبادة الله وحده بإخلاص وبالوالدين إحساناً وأن نجتنب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولم يطلب منا أن نخرج من نطاق آدميتنا ونتحدى فطرتنا في ما نعتقده وما نفعله كما تفعلون أنتم. حَتَّى أنه كتب عن (قديسة) في الكنيسة الكاثوليكية تركت ابنها الصغير من أجل الرهبنة، فجرى الطفل المسكين وراءها، ونام على الأرض أمام الدير كي لا تمر أمه فمرت من فوقه وتخطته بكل قسوة ووقاحة وهو يبكى بشدة!!! و لو كانت هذه الأنانية تفقه لعلمت أن كل إنسان راع، وكل إنسان مسئول عن رعيته، فهي التي جاءت بالطفل إلى الحياة، ثم يتمته وحرمته من حنان الأمومة في أشد فترات الاحتياج إليها لتسكن كالبلهاء في دير وتركت ابنها للضياع، وهذه القصة المثيرة للغثيان يذكرها هؤلاء بافتخار، فهل توجد انتكاسة أكبر من هذه الانتكاسة؟!

عياذا بالله من ذلك... والله تعالى أعلم والحمد لله رب العالمين(1).

 


 


1 - أهم المصادر والمراجع:

تفسير ابن كثير (1/164) و ( 2/20). تفسير الإمام القرطبي (6/243). أسباب النزول للواحدي (204). (مرقص (17:13) و متى (19:24) و لوقا (23:21). (كورنثوس الأولى(1:7) و (1 32:7-34). (التثنية 13: 1-5). (تل 1:22).

موقع اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء محمد (-صلى الله عليه وسلم- (http://www.icsfp.com/ar/)   الكاتب: أ.د محمود حمدي زقزوق،بتصرف يسير.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply