أيها الأخوة :
فإن من أهم القضايا التي تشغل بال أهل العلم ، بل يجب أن تشغل بال كل مسلم ما يتعلق بالعقيدة ، من حيث فهمها ونشرها والعمل بها ، والتأثر بها في الحياة الفردية والاجتماعية ، والحياة العلمية والعملية. فإن العقيدة بلا ثمرة لا تفيد صاحبها، لا في الدنيا ولا في الآخرة .
والعقيدة ليست مجرد علم يحصل فحسب ، ولا أيضا مجرد عمل يظهر فحسب ، بل العقيدة هي الإسلام ، من حيث التعامل ، ومن حيث المواقف ، فهي الدين .
ولقد ضاق في العصر الحديث لدى كثير من المسلمين مفهوم العقيدة ، حتى كاد أن يحصر في جانب معين من جوانب المعرفة.
ولم يكن الخطأ في هذا المفهوم حاصلا من قبل أصحاب الأهواء والبدع فحسب ، بل (مع الأسف) حصل تضييق مفهوم العقيدة حتى عند بعض من ينتسبون إلى السنة ، حتى كادت تنحصر لدى بعض المثقفين والمفكرين وطلاب العلم ، في مجرد العلم والمعرفة ، وعند فريق آخر في مجرد التعامل مع الآخرين ، وهذان مسلكان على طرفي نقيض ، بينما العقيدة نهج كامل ، فهي دين الفطرة ، وهي سبيل المؤمنين ، وهي نهج السلف الصالح .
وحصر العقيدة في الأمور العلمية المعرفية إنما هو منهج منحرف . لم يكن يعرف في تاريخ الإسلام إلا الإسلام من جميع الجوانب، من حيث الاعتقاد ، ومن حيث العلم ، ومن حيث العمل ، والسلوك ، ومن بعد ما ظهرت الفرق الكلامية. وبعد ما ظهرت الأهواء .
وكذلك حصر العقيدة في مجرد التعامل مع الآخرين ، والموقف منهم ، وأسلوب تناول الأحداث والأحكام ، دون التركيز على الجانب العلمي والمعرفي أمر طارئ كذلك لم يحدث إلا عند بعض أهل الأهواء ، كالخوارج ومن سلك سبيلهم.
ولقد أسهمت الاتجاهات الحديثة التي يدفعها الغزو الفكري، كالعلمانية، والشعوبية والقومية أو غيرها ، في حصر العقيدة في زاوية من زوايا الحياة لدى المسلم ، بل في زاوية من زوايا النفس لدى المسلم ، فلذلك لما ظهرت الصحوة المباركة بحمد الله في العقود المتأخرة وبدأت تتحسس أمور الإسلام الحقيقية ، وبدأت تتلمس المسار الصحيح لاستئناف الإسلام - ظهرت أصوات كثيرة (منها ما يحمل شعارات إسلامية) تستنكر أن يكون للعقيدة أثر علمي في حياة الناس ، أو أن تتدخل العقيدة في شؤون الحياة.
ومن ثم نشأت مفاهيم باطلة ومنحرفة وخطيرة ، مثل الفصل بين الشريعة والعقيدة ، أو اعتبار العقيدة شيئاً معرفيا فكرياً ثقافياً لا صلة له بالعمل والتعامل ، أو اعتبار العقيدة مسلكاً شخصياً إنما يسلكه طائفة من البشر ربما يوصفون بضيق الأفق أو بالأصولية أو السلفية أو نحو ذلك.
وهذه الصحوة المباركة التي بحمد الله عمت البلاد الإسلامية ، بل عمت الأرض كلها لم تسلم في بعض شرائحها من التأثر بهذه المفاهيم الخاطئة سلباً أو إيجاباً، إفراطاً أو تفريطاً ، ومع ذلك فإن الصحوة بحمد الله صحوة فيها رشد على وجه العموم ، ويشهد لها العقلاء المنصفون بأنها تتلمس الحق ، وأنها تتحرى النهج السليم ، وأنها تحرص على اقتفاء السنة. فعلى هذا وجب على أهل العلم وطلابه أن ينيروا الطريق لأبناء الصحوة ، وأن يسددوهم ، وأن يبينوا لهم ما قد يقع عند بعضهم من خطأ في المفاهيم أوفي التعامل أو في السلوك. وهذا هو مقتضى النصيحة.
من كتيب وقفات مع عقيدة السلف .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد