بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
السحر هو الخفاء وما لطف من الأسباب، ولهذا سمي آخر الليل سحرا، وسمي الكلام البليغ، والبيان الآخذ للقلوب سحرا.وهو في الاصطلاح الشرعي: عزائم ورقى وتعويذات ينفث فيها الساحر بمعونة ماردي الجن، فتؤثر في المسحور بإذن الله، كما قال - سبحانه - في آية البقرة: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله.. } [البقرة: 102].
والسحر هذا الداء الخطر للقلوب والأبدان، والناقض لدين الله الإسلام، له أنواع عديدة بحسب واعتبار أنواع تأثيره ووقوعه: فالسحر التخيلي هو ما يخيل لعين المسحور مما لا حقيقة له كسحر سحرة فرعون لما ألقوا حبالهم وعصيهم، فخيل إليهم أنها تسعى، ومنه بعض أعمال السيرك. - وهناك سحر حقيقي مؤثر في المسحور في قلبه أو بدنه أو نفسيته أو ماله. - وهناك سحر الصرف بالتفريق بين المتوادين من زوجين أو صديقين أو شريكين. - ونوع آخر هو سحر العطف كما تفعله بعض النساء لعطف من تحبه إليها. وهذا السحر داء قديم أفسد القلوب والمجتمعات والأفراد من القديم، ولم يزل أهله يتوارثونه عن فاسد سابقيهم.. هذا الفساد والإفساد، بل أضحى للسحر وأهله تجمعات وبلدان، ومؤسسات ومنظمات ترعاه وتدرسه وتنشره بين الناس. والطريقة الشرعية لحل وإزالة السحر عمن وقع عليه، لها جهتان:
1- ما كان علاج المسحور بالطرق الشرعية وذلك بالقرآن، حيث يقرأ على المسحور آيات توحيد الله، ولإبطال السحر وكتب المردة من الشياطين. ومنه علاج المسحور بالأوراد والأذكار النبوية الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلاجه بما دل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - باستخدام السدر ونحوه.
2- وعلاج السحر بالأمور المباحة التي عرف بالتجربة نفعها، وخلوها مما يشوب العقيدة أو يفسدها من بدع أو قادح أو خرافة، أو ما كان طريقه إليها باستخدام المرة أو الشب أو الأدوية المباحة غير المشتملة على نجاسة أو خرافة..
النشرة هي حل السحر عن المسحور، ونشره عنه، وهي على نوعين من ناحية الحكم:
1- حل السحر عن المسحور بالوسائل الشرعية والمباحة، وهذا مشروع كما حل السحر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سحره لبيد بن الأعصم اليهودي، وذلك بحل السحر ونشره عن المسحور بالقرآن أو بالأحاديث والأذكار أو بالأدوية المباحة أو السدر أو أنواع العلاجات من مشروبات ومطعومات مباحة ليس فيها قدح بالعقيدة.
2- وهناك حل السحر عن المسحور بسحر آخر مثله، بأن يذهب لساحر أو كاهن ليعمل سحرا آخر يبطل به السحر الأول، وهذا حرام متأكد تحريمه ولا يجوز، لما روى أحمد بسند جيد عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن النشرة؟ فقال: هي من عمل الشيطان. وذلك لأن الناشر والمنتشر يتقرب إلى الجن بما يحبون، فيخدمونهم. وأيضا لأن إبطال السحر بسحر مثله يفيد تسويغ السحر وعمله وانتشاره. ولعموم ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: (اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها السحر) متفق عليه، وللنسائي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئا وكل إليه). والله - جل وعلا - يقول عن السحر: {.. ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق.. } أي ليس له دين ونصيب بحبوط عمله. جاء في الأثر المشهور عن الحسن البصري - رحمه الله - وهو قوله: (لا يحل السحر إلا ساحر)، وهذا معناه عند العلماء: حل السحر بسحر مثله، وهو عمل السحرة والكهان. أما ما جاء عن سعيد بن المسيب - رحمه الله - لما قيل له: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، أما ما ينفع فلم ينه عنه) ا. هـ. فالمراد به الأدوية المباحة، والعلاجات التي ليس فيها استخدام سحر يفسد العقيدة والدين.
أعظم المفاسد والمخاطر من إتيان السحرة لإفساد الدين بناقض من نواقض الإسلام،
والسحر من نواقض الإسلام المشهورة لخمسة مؤكدات جاءت في آية البقرة. ومن المفاسد أن تصديق الساحر كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو الوحي - القرآن، لما روى مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: (من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما)، ويفسر هذا الحديث ما روى أبو داود وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وللأربعة، والحاكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -). كما فيه من المفاسد الهم النفسي العظيم، والخسارة البدنية، والمالية لهؤلاء السحرة والدجالين من المبتلين المساكين. إذا جمعوا بين إفساد الدين وإفساد الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعلى هذا كله فإن من أتى إلى ساحر أو كاهن أو عراف أو منجم أو مدع علم غيب لينظر ما عنده أو يهزأ مما لديه، فهو معرض للوعيد، وقد أتى أمرا محرما ومن كبائر الذنوب. لما روى أحمد وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوما) فمجرد سؤاله مازحا أو لاعبا أو جادا يرتب هذا الوعيد الخطير. فإذا سأله ثم صدقه بما يقول فقد وقع الكفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، حيث صدقه مدع للغيب، وهذا شرك وإشراك في توحيد الربوبية. ثم يا أيها الإخوة من علم عن ساحر أو ساحرة وتحقق من علمه عنهم وتأكد، أو مشعوذ أو كاهن أو منجم أو عراف أو قارئ ومخرف يستعين بالشياطين فالواجب علينا أمور:
1- إنكار ذلك في قلوبنا وجوارحنا إنكارا عظيما لمصادمة أصل ديننا في عقيدة وحدانية الله بعلم الغيب، وبالنفع والضر.
2- الإنكار عليه والاحتساب عليه إن كانت لفاعليه سلطة، كما لرفع هذا السحر والدجل من خدمنا ومن تحت أيدينا، أو إبلاغ جهات الحسبة من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو مراكز الشرطة، براءة للذمة وسلامة للعقيدة.
3- بيان خطر هؤلاء بأعيانهم وبجنسهم للناس وتحذيرهم من أعمالهم والقدوم عليهم، وتشويه صورهم لدى المسلمين صغارا وكبارا لينشؤوا على كرههم وبغضهم والحذر منهم، سلامة للديانة وحفظا للمال والجسد والحال، والله المستعان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد