بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن خصيصة هذه الأمة بالصوم ومن معاني الصوم ومن معاني العقيدة التي يجب استحضارها في الصوم مخالفة أهل الكتاب ومخالفة الكفار في طريقة صومهم.
فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (فصل ما بين صومنا وصوم من قبلنا أكلة السحور). وحث في غير ما حديث على تعجيل الفطر وتأخير السحور فقال -عليه الصلاة والسلام-: (عجلوا الفطر وأخروا السحور). ولقد كان -عليه الصلاة والسلام- يبادر بالفطر بمجرد غروب الشمس فحديث أبي ذر وعمر -رضي الله عنهما- المخرج في الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذ أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من ها هنا وأشار إلى المغرب فقد أفطر الصائم). فيستحب ويتأكد استحباب أن الصائم إذا أذن المؤذن وكان ضابطا لأول الوقت أن يبادر إلى الفطر فإن لم يكن أمامه ما يفطر به فلينو أنه مفطر ليكون ذلك متبعا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ومخالفا لهدي المشركين.
وفي حديث أنس -رضي الله عنه- في الصحيح البخاري أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (تسحروا فإن في السحور بركة)، وفي تأخيره إلى قرب أذان الفجر، حيث كان بين سحور النبي -عليه الصلاة والسلام- وأذان الفجر على ما قُدر بحديث زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، فقال له أنس الراوي عنه قال : قلت كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية، ففي تأخير السحور تأخير إلى أذان الفجر متابعة لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمره في حديث أنس -رضي الله عنه- (تسحروا فإن في السحور بركة)، وفيه تحصيل البركة ومن أعظم البركات مخالفة أهل الكتاب.
ولقد جاءت شريعتنا هذه الشريعة بالأمر بمخالفة المشركين ومخالفة أهل الكتاب في شرائعهم كل ذلك تميزا لعقيدة المسلمين وشريعتهم وتميزا للمسلمين عن أن يناسقوا وراء التشبه بهم والسير وراءهم، ولقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
من السير على سنن من قبلنا فقال -عليه الصلاة والسلام-: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، قلت يا رسول الله اليهود والنصارى قال: نعم، وفي رواية: فمن؟! تقريرا على هؤلاء الذين حذرنا من أن نتبع سنتهم هم اليهود والنصارى ألا نضل كما ضلوا ولا نكون قوما مغضوبا علينا كما غضب الله على اليهود، فإن في السحور فضائل وفيه بركة، ومن البركة ما يتضمن الاستيطاب والدعاء في السحر وهو الوقت الذي ينزل فيه الرب -عز وجل-، فصح في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (ينزل الله -عز وجل- في الثلث الأخير من الليل إلى سماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجيب له من يستغفرني فأغفر له من يسألني فأعطيه).
ففي السحور والاستغفار في السحر تحصيل بإذن الله لهذا الفضل وهذا الوقت الفاضل. والواقع أن البركة في السحور تحصل في جهات متعددة وبأمور عدة منها:
1. اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
2. ومنها مقصد آخر وهو مخالفة أهل الكتاب.
3. ومنها التقوي من هذا السحور على العبادة والزيادة في النشاط.
4. ومنها مدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والعطش.
5. والتسبب بذكر الله -عز وجل- الذي يكون في وقت فيه مظنة للإجابة فيسأل الله ويستغفره ويسأله من كريم فضله.
6. ويكون في ذلك الأجر العظيم وأعظم ذلك إدراك صلاة الفجر في جماعة، فإن كثيرا من الناس أو بعضا من الناس على حسن الظن بهم يقدمون السحور فينامون بذلك عن صلاة الفجر، أما إذا أخروا السحور فقاموا وتسحروا أدركوا صلاة الفجر بصحة ونشاط.
ومن معاني العقيدة في الصوم ما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المتفق على صحته عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (إذا نسي أحدكم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)، وهذا الحديث توسعة عظيمة على المسلمين فيه أن الله -سبحانه- وتعالى رزق الناسي فأكل وشرب في يوم صومه من رمضان أو غيره، ويدخل فيه النفل أيضا فقد أورد الترمذي رواية (فإنما هو رزق رزقه الله) وللدار قطني أيضا: (فإنما هو رزق ساقه الله إليه) فهذا فضل عظيم وسعة عظيمة على هذه الأمة أن الله لم يؤاخذها بالنسيان الذي آخذ به غيرها وهذا من فضل الله علينا وفيه من الفوائد أن الله لطف بعباده ويسر عليهم ورفع عنهم المشقة والحرج يدل على ذلك آخر سورة البقرة قال -تعالى-: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (286)}[البقرة]. فرفع الله عنا الحرج، والنسيان من الحرج الذي رفعه الله علينا قال الله -عز وجل- بعد هذه الآية بعدما أنزلها الله -سبحانه- وتعالى وقرأها قال: قد فعلت، ولهذا استحب جماعة من الصحابة والسلف كمعاذ -رضي الله عنه- أنه إذا قرأ هذه الآية وختمها أن يقول آمين، أي اللهم استجب تأكيدا أن يرفع الله عنا المشقة ويكفر عنا ويرحمنا إنه -سبحانه- هو مولانا وهو الناصر على أعدائنا، ولقد روى الإمام أحمد هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (إذا نسي فأكل أو شرب أحدكم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه). روى له سبب فأخرج -رحمه الله- من طريق أم عكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق أنها كانت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتيت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بقصعة من ثريد فأكلت معه ثم تذكرت أنها صائمة فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تمي صومك فإنما هو رزق الله ساقه الله إليك).
ومن المستظرفات والمستطرفات في هذا الموضوع ما رواه عبد الرزاق عن جرير عن عمرو بن دينار أن رجلا جاء إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- فقال أصبحت صائما فنسيت فطعمت، قال له أبو هريرة -رضي الله عنه- لا بأس، قال ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت قال -رضي الله عنه- لا بأس الله أطعمك وسقاك، ثم قال دخلت على آخر فنسيت فطعمت، فقال أبو هريرة -رضي الله عنه- أنت إنسان لم تعتد الصيام! ولم يأمره أن يعيد صيامه وإنما لم يؤاخذه بأكله وطعامه، حيث أكل وطعم وهو ناس. وهذه قاعدة مطردة أن الناسي في شريعتنا غير المفرط لا يؤاخذ في نسيانه، لأن الله رفع عنه الحرج.
وبهذه هي المناسبة من أفطر يوما من رمضان من غير علة ولا مرض أفطره متعمدا لم يقضه صيام الدهر كله وإن صامه، وهذا وعيد عام من أفطر متعمدا أو تعمد الفطر إلا أن هذه الحديث (من أفطر يوما من رمضان من غير علة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر) حديث عظيم رواه البخاري بصيغة التضعيف في صحيحه وقد ضعفه سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- رحمة واسعة وقال: الصواب، أن يقضي ويستغفر، وعلة ضعفه ثلاث علل، فهو مضطرب في متنه، والعلة الثانية أن في إسناده مجهولا، والعلة الثالثة أن رواية لم يسع أبا هريرة -رضي الله عنه-، فمن أفطر في نهار رمضان متعمدا سواء بأكل أو شرب أو الجماع فالواجب عليه المبادرة إلى الاستغفار من الله -عز وجل- والتوبة إليه والانطراح بين يديه والعزم على ألا يعود إلى هذه المعصية مرة أخرى، والإقلاع عنها قبل ذلك، ثم مع استغفاره يقضي يوما بدل ذلك اليوم الذي أفطره. ونسأل الله أن يتقبل منا ومنه. ونسأل الله -عز وجل- ألا يؤاخذنا بأفعالنا التي فعلناها عن سوء أو جهالة {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (286)}[البقرة[.
وأسأل الله -عز وجل- أن يهدينا إلى سواء السبيل وأن يجعلنا من عباده الذين إذا عملوا أصابوا وإذا أصابوا وافقوا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن يتقبل صيامنا وقيامنا وأن يردنا المرد الحسن وإن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها ويجمعنا مع والدينا ووالدي والدينا ومشايخنا والمسلمين في أعلى عليين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد