هذه عقيدتنا ( 1 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم




نقول في توحيد الله، أن الله واحد لا شريك له، لا في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته. فلا خالق غيره، ولا رب سواه، ولا رازق ولا مالك ولا مدبر لهذا الوجود إلا هو، ونوحّد الله في أفعاله سبحانه، كما نوحده بأفعالنا أيضاً.

فنوحده في عبادتنا وقصدنا وإرادتنا، فلا معبود بحق إلا هو سبحانه فنشهد كما شهد الله لنفسه، والملائكة، وأولوا العلم، قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، مثبتين ما تثبته هذه الكلمة العظيمة من تجريد العبادة لله وحده ولوازمها وواجباتها وحقوقها، نافين ما تنفيه من أنواع الإشراك والتنديد وتوابعه.



ونؤمن بأن الغاية التي خلق الله تعالى الخلق لها: (عبادته وحده) كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعبُدُونِ ) [الذاريات:56].



وندعو إلى توحيده سبحانه في جميع أنواع العبادة، من سجود أو ركوع أو نذر أو طواف أو نسك أو ذبح أو دعاء أو تشريع أو غيره.. ( قُل إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِ العَالَمينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ ) [الأنعام: 162-163].



وأمر الرَّب سبحانه شامل للأمر الكوني والشرعي، وكما أن له وحده سبحانه الحكم الكوني القدري، فهو مدبر الكون القاضي فيه بما يريد وحسبما تقتضيه حكمته، فكذلك نوحده سبحانه في حكمه الشرعي فلا نشرك في حكمه أحداً، ولا نشرك في عبادته أحداً ( ألا لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ تَبَارَكَ الله ربٌّ العَالَمِينَ ) [الأعراف: 54].



فالحلال ما أحله، والحرام ما حرمه: ( إنِ الحُكمُ إلاَّ للهِ أَمَرَ ألاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) [يوسف:40]، فلا مشرّع بحق إلا هو سبحانه وتعالى، ونبرأ ونخلع ونكفر بكل مشرّع سواه، فلا نبغي غير الله رباً، ولا نتخذ غيره سبحانه ولياً، ولا نبتغي غير الإسلام ديناً، فإن من اتخذ حَكَماً ومشرّعاً سواه سبحانه، تابعه وتواطأ معه على تشريعه المناقض لشرع الله، فقد اتخذ غير الله رباً، وابتغى غير الإسلام ديناً.

قال تعالى: ( وَإِنَّ الشَيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَولِيَائِهِم لِيُجَادِلُوكُم وَإن أَطَعتُمُوهُم إِنَّكُم لَمُشرِكُونَ ) [الأنعام: 121].وقال تعالى: ( اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَابَاً مِن دُونِ الله ) [التوبة: 31].

· كما نوحّده سبحانه في أسمائه وصفاته، فلا سميَّ له ولا شبيه ولا مثيل ولا ندّ ولا كفء: ( قُل هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَم يَلِد وَلَم يُولَد * وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوَاً أَحَد ) [الإخلاص: 1-4].



سبحانه تفرّد بصفات الجلال والكمال التي وصف بها نفسه في كتابه، أو وصفه بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - في سنته، فلا نَصِفُ أحداً من خلقه بشيء من صفاته، ولا نشتق له من أسمائه، ولا نضرب له سبحانه الأمثال أو نشبّهه بأحدٍ, من خلقه، ولا نُلحد في أسماء ربنا وصفاته.

بل نؤمن بما وصف سبحانه به نفسه، وبما وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام على وجه الحقيقة لا المجاز، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل: ( وَلَهُ المَثَلُ الأعلَى فِي السَّمواتِ وَالأرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) [الروم:27] ، فلا ننفي عنه شيئاً مما وصف به نفسه سبحانه، ولا نحرّف الكلم عن مواضعه، ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، أو متوهمين بأوهامنا، بحجة التنزيه، فما سلِم في دينه إلا من سَلّم لله عز وجل ولرسوله عليه الصلاة والسلام وردّ عِلم ما اشتبه عليه إلى عالمه، ولا تثبت قدم الإسلام لأحد إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام عِلم ما حُظِر عنه، ولم يقنع بالتسليم فِهمُه، حَجَبه مرامه عن صحيح الإيمان وخالص التوحيد.



ونؤمن بأن الله أنزل كتابه بكلام عربي مبين، فلا نفوّض علم معاني الصفات وإنما نفوض علم الكيفيات، ونقول: ( ءَامَنَّا بِهِ كُلٌ مِن عِندِ رَبِنَا ) [آل عمران: 7]، ونبرأ إلى الله من تعطيل الجهمية، ومن تمثيل المشبهة، فلا نميل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل نتوسط ونستقيم كما أراد ربنا بين النفي والإثبات، فهو سبحانه ( لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهٌوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) [الشورى: 11]، فمن لم يتوقَّ التعطيل والتشبيه، زلّ ولم يُصب التنزيه، فنحن في هذا الباب - كما في سائر الأبواب - على ما كان عليه سلفنا الصالح أهل السنة والجماعة، ومن ذلك ما أخبر الله به في كتابه وتواتر عن رسوله عليه الصلاة والسلام من أنه سبحانه فوق سماواته، مستوٍ, على عرشه، كما قال تعالى: ( ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّماءِ أَن يَخسِفَ بِكُمُ الأَرضَ فإذا هِيَ تَمُوُر) [الملك: 16]، وكما في حديث الجارية التي سألها النبي عليه الصلاة والسلام: \" أين الله؟ \"، قالت في السماء، قال: \" من أنا ؟ \"، قالت أنت رسول الله، قال: \"اعتقها فإنها مؤمنة\"(2)، وهذا حق لا مرية فيه عندنا.



ولكن نصونه كما صانه سلفنا الصالح عن الظنون الكاذبة، كأن يُظن بأن السماء تظله أو تقله، فهذا باطل، اضطرنا إلى ذكره ونفيه وتنزيه الله عنه - وإن لم يتعرض له صراحة سلفنا - شغب أهل البدع وإلزاماتهم الباطلة لأهل السنة.



فقد قال تعالى: ( وَسِعَ كُرسِيٌّهُ السَّمواتِ وَالأرضَ ) [البقرة: 255]، وهو سبحانه: ( يُمسِكُ السَّمَواتِ وَالأرضَ أَن تَزُولاَ ) [فاطر: 41]، ( وَيُمسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرضِ إِلاَّ بِإِذنِهِ ) [الحج: 65]، ( وَمِن آياتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرضُ بِأَمرِهِ ) [الروم: 25].

· ونؤمن بأنه سبحانه مستو على عرشه، كما قال تعالى: ( الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ استَوَى ) [طه: 5]، ولا نؤوِّل الاستواء بالاستيلاء، بل هو على معناه في لغة العرب التي أنزل الله تعالى بها القرآن ولا نشبه استواءه باستواء أحد من خلقه، بل نقول كما قال الإمام مالك: (الاستواء معلوم، والإيمان به واجب، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة).

وعلى هذا نُجري سائر صفاته وأفعاله سبحانه وتعالى، كالنزول والمجيء وغيره مما أخبر به سبحانه في كتابه، أو ثبت في السنة الصحيحة.



ونؤمن بأنه سبحانه مع استوائه على عرشه وعلوه فوق سماواته قريب من عباده، كما قال سبحانه: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) [البقرة: 186]، وفي الحديث المتفق عليه: \" أيها الناس أربِعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته \".



فهو سبحانه مع عباده أينما كانوا يعلم ما هم عاملون، كما قال تعالى: ( وَهُوَ مَعَكُم أَينَ مَا كُنتُم وَاللهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ ) [الحديد: 4]، ولا نفهم من قوله: ( وَهُوَ مَعَكُم ) مراد الزنادقة من أنه مختلط بعباده، أو حالٌ ببعضهم أو متحدٌ بهم، ونحوه من عقائد الكفر والضلال، بل نبرأ إلى الله من ذلك كله.



وله سبحانه مع عباده المؤمنين معيّة أخرى خاصة غير المعية العامة، هي معية النصرة والتوفيق والتسديد، كما في قوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ مَعَ اَّلذِينَ اتَّقَـوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ ) [النحل: 128]، فهو سبحانه مع استوائه على عرشه، وعلوه فوق سماواته، مع عباده أينما كانوا يعلم ما كانوا عاملين، وهو قريب سبحانه ممن دعاه، وهو مع عباده المؤمنين: يحفظهم وينصرهم ويكلؤهم، فقربه سبحانه ومعيته لا تنافي علوّه وفوقيتَه، فإنه ليس كمثله شيء في صفاته سبحانه، فهو عليُّ في قربه قريب في علوّه.



ومن ثمرات هذا التوحيد العظيم الذي هو حق الله على العباد، فوز الموحد بجنة ربه والنجاة من النار كما في حديث معاذ بن جبل، ومنها تعظيم الرب وإجلاله بالتعرف إلى صفات كماله وجلاله، وتسبيحه وتنزيهه عن الشبيه أو المثيل، ومعرفة سفاهة من اتخذوا من دونه أنداداً أشركوهم معه في العبادة أو الحكم والتشريع، وتهافت وسقوط من أشركوا أنفسهم في شيء من ذلك مع أنهم لم يشتركوا في الخلق، ولا نصيب لهم في الملك أو الرزق او التدبير.



ومن ذلك تحرّر القلب والنفس من رق المخلوقين، وثبات العبد في الحياة الدنيا وفي الآخرة فليس من كان يعبد شركاء متشاكسين، يدعوهم ويشتت خوفه ورجاءه بينهم، ليس هذا كمن وحَّد ربَّه سبحانه وجرَّد له خوفَه ورجاءه وقَصدَه وإرادته وعبادته، فاللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على توحيدك حتى نلقاك.



الملائكة

ونؤمن بملائكة الله، وأنهم عباد الله مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم من خشيته مشفقون، يسبحونه الليل والنهار لا يفترون.

فنتولاهم ونحبهم، لأنهم من جند الله، ولأنهم يستغفرون للذين آمنوا، ونبغض من يبغضهم.

ومنهم جبرائيل الروح الأمين، وميكائيل، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، ومنهم الموكلون بحمل العرش، وملك الموت، ومنكر ونكير، ومالك خازن النار، ورضوان خازن الجنة، وملك الجبال، والكرام الكاتبين، وغيرهم كثير، لا يحصيهم إلا الله تعالى، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة المعراج أن النبي عليه الصلاة والسلام رُفع له البيت المعمور في السماء يدخله يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه.

وفي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"خُلِقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم\"، وقد يتمثل الملك بأمر الله على هيئة بشر، كما في قصة مريم، وحديث جبريل حين سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، والإيمان والإحسان. أما صورته الحقيقية، فقد ذكر الله تعالى في القرآن أنه جعل من الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير. وقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام جبريل على صورته الحقيقية وله ستمائة جناح قد سد الأفق.



ومن ثمرات هذا الإيمان تعظيم الله تعالى فإن عظمة المخلوق تدل على عظمة خالقه. ومن ثمراته أن يستحيي العبد ممن معه من ملائكة الله تعالى، ومن ذلك أيضاً تثبيت العبد المؤمن الغريب بالإيمان، وعدم استيحاشه لقلة الأنصار بتذكره أن معه من الله حافظين.



وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: \"إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إن الله أحب فلاناً فأَحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء إن الله أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض...\" فعلى العبد المؤمن أن يحب ويتولى من يحبهم الله وملائكته وعباده المؤمنين، وعليه أن يبغض ويعادي ويبرأ ممن يبغضهم الله تعالى وملائكته وعباده المؤمنين، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.



الكتب

ونؤمن بكتب الله تعالى التي أنزلها سبحانه على رسله جملة، ونؤمن على سبيل التفصيل بما سماه الله منها (كالتوراة والإنجيل والزبور) وأن خاتمها القرآن العظيم كلام رب العالمين على الحقيقة، نزل به الروح الأمين على محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون من المرسلين، مهيمناً على سائر كتب الله، وهو منزل من الله تعالى وليس بمخلوق، ولا يُساويه شيء من كلام المخلوقين، ومن قال: ( إن هَذَا إِلاَّ قَولُ البَشَر ) [المدثر: 25]، فقد كفر وحقَّ عليه إن لم يرجع عن ذلك ويتوب قوله تعالى: ( سَأُصلِيه سَـقَر ) [المدثر: 26]. ونؤمن بأن الله كلَّم موسى تكليماً.

ونؤمن بأن الله تعالى حفظ كتابه من التبديل والتغيير، فقال تعالى: ( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [الحجر: 9]، وأن الله تعالى علّق النذارة به فقال: ( وَأُوحِيَ إِليَّ هَذَا القـُرآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) [الأنعام: 19].



ونؤمن بأن كتابه هو العروة الوثقى وحبله المتين الذي من استمسك به نجى، ومن أعرض عنه وهجره واتخذه ظهرياً قد هلك وزل وضل ضلالاً مبيناً.



ومن ثمرات هذا الإيمان أخذ كتاب الله بقوة، والتمسك به وتعظيم أوامره والعمل بها، وعدم ضرب بعضها ببعض، والإيمان بمتشابهه ورده إلى مُحكمه، على طريقة الراسخين في العلم.

الرسل والأنبياء



ونؤمن بأنبياء الله ورسله أجمعين الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابه، أو أخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - عنهم في سنتهº من قص الله علينا خبرهم ومن لم يقصص، ولا نفرق بين أحد من رسله.



جمعهم جميعاً بأصل واحد كما قال سبحانه: ( وَلَقَد بَعَثنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ, رَّسُولاً أَنِ اعبُدُوا اللهَ وَاجـتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) [النحل: 36]، وقال تعالى: ( وَمَا أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رَّسُولٍ, إِلاَّ نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعـبُدُونِ ) [الأنبياء: 25]، (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ للنَّاسِ عَـلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرٌّسَلِ ) [النساء: 165]، وقال تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً ) [الإسراء: 15]، وقال تعالى: (كُلَّمَا أُلقِيَ فِيهَا فَوجٌ سَأَلَهُم خَزَنَتُهَا أَلَم يَأتِكُم نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى ) [الملك: 8-9]، وعليهم هداية الدلالة والإرشاد، وليس بمقدورهم هداية قلوب العباد، فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء.



وذلك أن الهداية نوعان:

· هداية دلالة وإرشاد، يملك بذلها الرسل والأنبياء والدعاة، قال تعالى: ( وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلَى صِرَاطٍ, مُسـتَقِيمٍ, ) [الشورى: 52].

· وهداية توفيق وتسديد، وهذه لا يقدر عليها إلا الله، قال تعالى: ( إِنَّكَ لاَ تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ ) [القصص: 56]. وقال سبحانه وتعالى: ( لَيسَ عَلَيكَ هُدَاهُم ) [البقرة: 272]، وهذا النوع من الهداية فضل من الله وعدل يهبه سبحانه لمن علم منه إقبالاً على الحق وطلباً له، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا ) [العنكبوت: 69]، وقال صلى الله عليه وسلم : \"ومن يتحَرَّ الخير يُعطَه\".

أما الأول فمن عدل الله تعالى ورحمته أن بذله للخلق أجمعين.

ونؤمن بمعجزات الأنبياء ونحفظ لهم حقهم، ونتأدب معهم، ولا نفضل عليهم أحداً من الناس لا الأولياء ولا الأئمة، ولا غيرهم، وهم مع ذلك بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية أو الألوهية شيء، بل تلحقهم خصائص البشرية من المرض والموت والحاجة إلى الطعام والشراب وغير ذلك.. قال تعالى آمراً نبيه محمد عليه الصلاة والسلام أن يقول: ( قُل لا أَملِكُ لِنَفسِي نَفعَاً وَلا ضَرَّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لاَستَـكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السٌّوءُ إِن أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَومٍ, يُؤمِنُونَ ) [الأعراف: 188].



ونؤمن بأن خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً فلا نبي بعده، وشريعته هي الشريعة المهيمنة على سائر الشرائع، إلى يوم القيامة، ولا يكون العبد مؤمناً حتى يتبعها ويسلم لحكمها تسليماً، قال تعالى: ( فَلاَ وَرَبِكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجَاً مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيماً ) [النساء: 65].



ونؤمن بأن الله قد اتخذ محمداً صلى الله عليه وسلم خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، بعثه رحمة للعالمين، وأمره وأمر أمته بالتآسي بملة إبراهيم فقال: ( ثُمَّ أَوحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِع مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفَاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ ) [النحل: 123]، وقال سبحانه: ( قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذ قَالُوا لِقَومِهِم إِنَّا بُرَءَؤُا مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ أَبَدَاً حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحدَهُ ) [الممتحنة: 4].

فنتأسى بذلك إلى أن نلقى الله، فنبرأ من المشركين وأنصارهم وأوليائهم، ونبغضهم ونبرأ مما يعبدون من دون الله، ونكفر بمناهجهم وأديانهم ومللهم الباطلة المخالفة لدين الله، ونظهر ونعلن ونبدي عداوتنا للمحادّين لله منهم، المحاربين للحق، المجاهرين بباطلهم، ولا يمنعنا ذلك من دعوتهم وبيان الحق لمن أراد سماعه منهم، وتمني هدايتهم.



ومن ثمرات الإيمان بالرسل:

معرفة بعض نعم الله الجليلة على الخلق وشكره عليها، ومن أعظمها رحمته بهم بإرسال الرسل إليهم ليهدونهم سبيل الرشاد ويعرفونهم بما يوصلهم إلى الجنة وينجيهم من عذاب السعير.

ومن ذلك محبة الرسل، والثناء والصلاة والسلام عليهم، والدعاء لهم على ما تحملوه من أذى أقوامهم، وما صبروا عليه من مشقات الدعوة، والاقتداء والتأسي بهم في ذلك، ومتابعتهم على نهجهم وسنتهم، وسيرتهم ودعوتهم إلى الله.

ونحب بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم آل بيته الأطهار، وأصحابه وأتباعه وأنصاره إلى يوم الدين، ونتولاهم ولا نبرأ من أحد منهم، بل نبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، فلا نذكرهم إلا بخير، وحبهم عندنا دين وإيمان وإحسان نتقرب به إلى الله تعالى.

ونتميز عن أهل البدع بسلامة قلوبنا وألسنتنا لهم، ولا نملٌّ من أن ندعو بقوله تعالى: ( رَبَّنَا اغفِـر لَنَا وَلإخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ ) [الحشر: 10].

ونبرأ إلى الله من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يناصبون أهل البيت العداء.

ونعرف لعلي وفاطمة والحسن والحسين وسائر أهل البيت حقهم فنحبهم ولا نغلوا فيهم:

واحفظ لأهل البيت واجب حقهم *** واعرف علياً أيما عرفــــان

لا تنتقــص ولا تزد في قدره *** فعليه تصلى النار طائفتـــان

إحداهمـــا لا ترتضيه خليفة *** وتنصـه الأخـرى إلهاً ثاني

ونقول مع هذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: \"... من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه\"(4). فنبرأ ممن كفر وشرَّع أو ارتد وانحرف عن الصراط كائناً من كان نسبه.

ونمسك عمّا شجر بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فهم في ذلك بين مجتهد مصيب ومجتهد مخطئ، فلبعضهم أجر ولبعضهم أجران.

قـل خير قول في صحابة أحمـد *** وامـدح جميـــع الآل والنسوان

دع ما جرى بين الصحابة في الوغى *** بسيوفهـــم يـوم التقى الجمعان

فقـتـيلهم منهم وقـاتلهم لهــم *** وكـــلاهما في الحشر مرحومان

لا تقـبلن مـن التـوارخ كل مـا *** جــمع الرواة وخـطّ كل بنـان (5)



وهم مع ذلك ليسوا بمعصومين، ولكنهم كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام خير القرون، والمُدّ من أحدهم إذا تصدّق به خير من مثل جبل أحد ذهباً ممن بعدهم.

ونحب أنصار الدين في كل زمان إلى قيام الساعة، القريب منهم والبعيد، من عرفنا منهم ومن لم نعرف، ولا يضرهم ألا نعرفهم.

لا نبرأ من أحد منهم أو نعاديه أو نعامله معاملة غير المسلمين، بل نتولاهم وندعو لهم وننصرهم ونجتهد أن نكون منهم.



اليوم الآخر

ونؤمن بفتنة القبر، ونعيمه للمؤمنين، وبعذابه لمن كان له أهلاً، كما جاءت به الأخبار متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نلتفت إلى تأويلات أهل البدع، وفي هذا قال تعالى: ( النَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوّاً وَعَـشِيَّاً وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدخِلُوا آل فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ ) [غافر: 46].



وعن زيد بن ثابت عن النبي عليه السلام قال: \"... فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر..\" الحديث، وهو في صحيح مسلم.



وفي حديث البراء بن عازب الطويل الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: \"... فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره\".



وفتنة القبر: سؤال منكر ونكير للعبد فيه عن ربه ودينه ونبيه، فيثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت.

اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.



وأما الكافر فيقول: \"ها، ها، لا أدري\" ويقول المنافق والمقلد في دينه للأكثرية: \"لا أدري، سمعت الناس يقولون قولاً فقلته\".



وأحوال البرزخ من أمور الغيب التي يدركها الميت دون غيره وهي لا تدرك بالحس في الحياة الدنيا، ولذلك فالإيمان بها مما يميز المؤمن بالغيب عن المكذب به.



ونؤمن بأشراط الساعة التي أخبر الله تعالى بها في كتابه، وأخبر بها نبيه عليه الصلاة والسلام في سنته، من خروج الدجال على الحقيقة، دون التفات إلى تأويل أهل البدع، وإن كنا نعتقد أن من جنس فتنته ما هو موجود في كل زمان، إلى أن يأتي زمان خروجه على الحقيقة، ونؤمن بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام وهو الذي يقتله، وبطلوع الشمس من مغربها، وبخروج دابة الأرض وسائر ما أخبر الله تعالى به، أو أخبر به نبيه عليه الصلاة والسلام.



ونؤمن بالبعث بعد الموت وجزاء الأعمال يوم القيامة والعرض والحساب وقراءة الكتب والميزان، قال تعالى:( ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القِيَامَةِ تُبعَـثُونَ ) [المؤمنون: 16]، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة عراة غرلاً غير مختونين، قال تعالى: ( كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلقٍ, نٌّعِيدُهُ وَعدَاً عَلَينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) [الأنبياء: 104]، وقال تعالى: ( وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيَامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئَاً وَإِن كَانَ مِثقَالَ حَبَّةٍ, مِن خَردَلٍ, أَتَينَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) [الأنبياء: 47].



ونؤمن بحوض نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في عرصات القيامة، وأن ماءه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، وآنيته بعدد نجوم السماء، وطوله شهر، وعرضه شهر، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. اللهم يا ولي الإسلام وأهله لا تحرمنا منه.



وأنَّ أصنافاً من أمة محمد عليه الصلاة والسلام سيذادون عنه، ويمنعون من وروده في يوم تدنو فيه الشمس من رؤوس العباد، حتى يكون عرق الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يكون إلى كعبه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه عرقه إلجاماً.



وممن يذاد عنه من بدل أو ابتدع أو أحدث في دين الله، ويومها يقول النبي صلى الله عليه وسلم : \"سُحقاً سُحقاً لمن بدل بعدي\".



ونؤمن بالصراط المنصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر عليه الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم ومن يزحف زحفاً، ومنهم من يُخطف خطفاً ويُلقى في جهنم، فإن على الجسر كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط دخل الجنة ونجا.

· اللهم يا ولي الإسلام وأهله نجنا من النار.



فإذا عبروا عليه، وقفوا عند قنطرة بين الجنة والنار، فيُقتَصّ من بعضهم لبعض، فإذا هُذّبوا ونُقٌّوا، أذن لهم في دخول الجنة.



وأول من يستفتح باب الجنة محمد عليه الصلاة والسلام، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته عليه الصلاة والسلام.



ونؤمن بالجنة والنار، وأنهما مخلوقتان لا تفنيان، إلا أن يراد فناء نار الموحدين، وأن الله خلق لهما أهلاً فمن شاء منهم فإلى الجنة بفضله، ومن شاء منهم فإلى النار بعدله. والجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فيها من أنواع النعيم المقيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال تعالى: ( فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ, جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ ) [السجدة: 17]، وأما النار فهي دار العذاب التي أعدها الله تعالى أصلاً للكافرين، قال تعالى: ( وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّت للكَافِرِينَ ) [آل عمران: 131]، ويدخلها عصاة المسلمين، ولكنها ليست دارهم التي أعدت لهم، ولذلك إذا دخلوها لم يخلدوا فيها، بل يعذبون بقدر ذنوبهم ثم مصيرهم إلى الجنة التي هي دار المؤمنين.



ونؤمن بالشفاعة التي أذن الله تعالى بها لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فله في القيامة ثلاث شفاعات:

· أما الأولى: فشفاعته في أهل الموقف كي يقضي بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام عن الشفاعة حتى تنتهي إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.

· أما الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له عليه الصلاة والسلام(6).

· وأما الثالثة: فشفاعته فيمن استحق النار من الموحدين أن يخرج منها، أو لا يدخلها، وهذا النوع له - صلى الله عليه وسلم - ، ولسائر النبيين والصديقين والشهداء ونحوهم ممن أذن الله لهم، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها.



ويُخرج الله تعالى من النار أقواماً بغير شفاعة، بفضله سبحانه ورحمته، ويبقى في الجنة فضل فينشىء الله له أقواماً فيدخلهم الجنة، والإيمان بالشفاعة مزية نخالف بها الخوارج المخلِّدين لأهل الكبائر في النار.



ونؤمن برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، وفي الجنة، كما قال تعالى: ( وُجُوهٌ يَومَئذٍ, نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [القيامة: 23-24].



وكما تواترت الأخبار بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، ولسنا نشبه ربنا بشيء من خلقه، وإنما التشبيه هنا تشبيه الرؤية بالرؤية وضوحاً وحقيقة ودون مزاحمة، لا تشبيه المرئي بالمرئي، فمن عُدِم البصيرة والإيمان بهذا، فإنه لقمنٌ أن يُحرم هذه النعمة يوم المزيد، وهو سبحانه مع هذا ( لا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصَارَ ) [الأنعام: 103]، وإنما أثبتنا ما أثبته الله سبحانه وتعالى من النظر إليه، وما أثبته نبيه محمد عليه الصلاة والسلام من رؤية المؤمنين له سبحانه، والنظر والرؤية شيء دون الإدراك، فقف عند حدود الله، ولا تحمِّل نصوص الوحي ما لا تحتمل، ولا ترد شيئاً منها أو تعطله، فتزل بك قدم الهلاك.



ومن آثار الإيمان بذلك:

· عمل الجاد لتحصيل ما أعده الله تعالى للمؤمنين والنجاة مما توعّد به الله العصاة والكافرين.

· عدم الجزع لما يفوت المؤمن من حطام الدنيا، أو ما يناله من أذى وبلاء ومصائب لإيمانه، ودعوته وجهاده، بما يرجوه من عوض الآخرة ونعيمها وثوابها وغير ذلك من الثمرات الكثيرة، فليس الإيمان بذلك كما يحسب كثير من الناس، أموراً معرفية علمية وحسب، بل هو: إيمان، وتصديق، وإقرار يدفع إلى العمل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply