شرح ركني الإسلام الثاني والثالث


 

بسم الله الرحمن الرحيم



الركن الثاني من أركان الإسلام: إقام الصلاة:

تقدم في شرح الركن الأول أن هذا الدين العظيم وهو الإسلام يقوم على أسس وقواعد خمس: وهي أركانه، كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - المقدم ذكره.

وتقدم أن الشهادتين أول أركان الإسلام وأهمها، وهذه الكلمة العظيمة ليست عبارة تنطق باللسان فحسب، وإن كان بهما يصبح مسلما ظاهرا، بل الواجب العمل بمدلولهما، ويتضمن ذلك إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه المستحق لها، وأن عبادة ما سواه باطلة.

كما يقتضي مدلولها محبة الله - سبحانه -، ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه المحبة تقتضي عبادة الله وحده وتعظيمه واتباع سنة نبيه، كما قال - تعالى -: (قُل إِن كُنتُم تُحِبٌّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران: 31).

كما أن مدلولهما طاعة رسول الله فيما أمر به، قال - تعالى -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) (الحشر: 7)، وجاء في الحديث المتفق على صحته:

\"ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..الحديث\"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين\".

وأما الصلاة فهي أهم وآكد الأركان بعد الشهادتين، إذ هي عمود الدين، وأول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإذا صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وهي عبادة تؤدى في وقتها المحدد، قال - تعالى -: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَت عَلَى المُؤمِنِينَ كِتَاباً مَّوقُوتاً) (النساء: 103).

وأمرنا الله - سبحانه وتعالى - بالمحافظة عليها فقال - تعالى -: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الوُسطَى وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ) (البقرة: 238).

فدل ما تقدم على أن من أهم الواجبات المحافظة عليها في أوقاتها وأن لها أوقاتا معلومة تؤدى فيها.

وقد توعد الله - سبحانه وتعالى - من يتهاون بها ويؤخرها عن وقتها، قال - تعالى -: (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيّاً) (مريم: 59).

وقال - سبحانه -: (فَوَيلٌ لِّلمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُم عَن صَلَاتِهِم سَاهُونَ (5))(الماعون).

فتأخير الصلاة عن وقتها هو من تضييعها، وليس معنى أضاعوها تركوها، لأن الترك كفر والعياذ بالله - تعالى -.

والصلاة هي العلامة المميزة بين الإسلام والكفر والشرك. روى مسلم في صحيحه عن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة). وفي حديث بريدة - رضي الله عنه -: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح.

والصلاة: صلة بين العبد وبين ربه، تقام خمس مرات في اليوم والليلة على هيئة وصفة مخصوصة، شرعها الله، فيتوجه العبد إلى ربه مستقبلا القبلة خاشعا لله - تعالى -.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه) رواه البخاري.

وقال - تعالى -في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: الحمدلله رب العالمين قال - تعالى -: حمدني عبدي. وإذا قال الرحمن الرحيم قال - تعالى -: أثنى عليّ عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: هذا لعبدي ولعبدي ماسأل)رواه مسلم.

والصلاة: روضة عبادات فيها من كل زوج بهيج، تكبير يفتتح به الصلاة وقيام يتلو فيه المصلي كلام الله وركوع يعظم فيه الرب وقيام من الركوع يملؤه بالثناء على الله وسجود يسبح الله - تعالى -فيه بعلوه، ويبتهل إليه بالدعاء وقعود للدعاء والتشهد وختام بالتسليم.

والصلاة: عون في المهمات ونهي عن الفحشاء والمنكرات قال الله - تعالى -: (وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاَةِ) [البقرة: 45] وقال - تعالى -: (اتلُ مَا أُوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاء وَالمُنكَرِ) [العنكبوت: 45].

الصلاة: تربط الإنسان الضعيف المحتاج بربه تعالى الغني القوي، وتحرره من عناء الدنيا ومتاعب الحياة في أوقات معيّنة يناجي فيها ربه ويتوجه إليه معظّماً له طالباً منه العون (الحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ الرَّحمـنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَومِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعبُدُ وإِيَّاكَ نَستَعِينُ) [الفاتحة: الآيات 2- 5].

الصلاة: نور المؤمنين في قلوبهم ومحشرهم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الصلاة نور) [رواه مسلم]، وقال: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة) [أحمد وابن حبان والطبراني].

الصلاة: سرور نفوس المؤمنين وقرة أعينهم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (جعلت قرة عيني في الصلاة) [أحمد والنسائي]. وقرة العين، عين السعادة والراحة والطمأنينة والأمن.

الصلاة: تُمحَى بها الخطايا وتُكَفَّرُ بها السيئات، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه (وسخه) شيء؟ قالوا: لا يبقى شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) [البخاري ومسلم]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) [مسلم].

وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله - تعالى -شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيّكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهّر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف [أخرجه مسلم].

الصلاة: صلة بالله العلي الكبير الحي القيوم يستمد منها القلب قوة وتستمد منها النفس طمأنينة وتستمد منها الروح سعادة وهناء. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا همه الأمر أو أصابه عناء قال: (أرحنا بها يا بلال)

الخشوع في الصلاة: (وهو حضور القلب) والمحافظة عليها من أسباب دخول الجنات، قال - تعالى -: (قد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُم فِي صَلَاتِهِم خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُم عَنِ اللَّغوِ مُعرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُم لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزوَاجِهِم أو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُم لِأَمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلَوَاتِهِم يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ (10) (الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون: 11) [المؤمنون]

فالصلاة الخاشعة تكسب صاحبها الأمن والطمأنينة وتغمره السعادة، ويسكن من الهموم والغموم وتؤسس قوة الاعتماد على الله، وتدفعه لاستمداد العون منه - تعالى - ومن ثم يشعر المسلم بلذة فيها تفوق اللذات (وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاَةِ) [البقرة: 153] ويشعر المصلي برقابة الله له واطلاعه عليه فلا يحدث منه ما لا يليق (إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاء وَالمُنكَر) [العنكبوت: 45]

الإخلاص لله - تعالى -في الصلاة وأداؤها كما جاءت به السنة هما الشرطان الأساسيان لقبولها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) [البخاري ومسلم]. وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [البخاري].

والواجب أن تؤدى الصلاة جماعة في المسجد لما لها من الفضل العظيم، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الصلاة جماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة) [متفق عليه]. ولقد همَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحريق البيوت على رجال يتخلفون عن صلاة الجماعة. في حديث متفق عليه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) [أخرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح. ] وذلك يدل على عظم شأن أدائها في الجماعة.

وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يطمئن في صلاته أن يعيدها.

والصلاة مظهر من مظاهر المساواة والإخوة والانتظام، وتوحيد وجهتهم إلى الكعبة المشرفة قبلتهم. وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر فزع إليها لقوله - تعالى -: (وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاَةِ)[البقرة: 153]، وكان يقول لبلال: (يا بلال أرحنا بها) لأن المسلم إذا وقف للصلاة إنما يقف أمام خالقه - سبحانه وتعالى -: فيستريح قلبه، وتطمئن نفسه، وتخشع جوارحه، وتقر عينه بربه مولاه - عز وجل -.



حكم ترك الصلاة:

ومن المنكرات الظاهرة: ترك الصلاة من كثير ممن يدعي الإسلامº وترك الصلاة كفر كما صح عن رسل الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة) وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، ومن ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع. فهي عمود الإسلام ولا دين ولا إسلام لمن تركها. وترك الصلاة من أسباب دخول النار، قال - تعالى -عن المجرمين: (مَا سَلَكَكُم فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَم نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ (43)[المدثر] وقال - تعالى -: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشرِكِينَ) [الروم: 31] وقال - تعالى -: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخوَانُكُم فِي الدِّينِ) [التوبة: 11]، فجعل إقامة الصلاة شرطاً في قبول التوبة والدخول في الإسلام وقال - تعالى -: (وَيلٌ يَومَئِذٍ, لِّلمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اركَعُوا لا يَركَعُونَ (48)) [المرسلات] وأجمع علماء السلف والخلف على قتل من أصرّ على تضييعها وتكاسل عن أدائها، والآيات والأحاديث في كفر تارك الصلاة ومضيعها أكثر من أن تحصر.

وقد أصبح حال كثير من الناس اليوم لا يصلي الفجر حتى تطلع الشمس والعياذ بالله- وإن من إضاعة الصلاة ترك الجماعة مع القدرة على ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له) وقال: (لا صلاة لجار المسجد إلا بالمسجد) وجار المسجد من سمع النداء. وقال (من سمع النداء فلم يجب صُب في أذنيه الآنُكُ يوم القيامة)، ولا يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق، كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -. ومن إضاعة الصلاة تخفيفها وعدم الطمأنينة فيها ومسابقة الإمام فيها، فمن سابق الإمام فلا وحده صلى ولا بإمامه اقتدى، ناصيته بيد الشيطان. وتخفيف الصلاة وعدم الطمأنينة ومسابقة الإمام مناف للخشوع الذي هو ثمرة الصلاة وروحها، ولا تقبل صلاة من دون خشوع بل تلف كما يلف الثوب الخَلِق ويضرب بها وجه صاحبها وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني، كما صح ذلك في الأحاديث الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم -. والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز المنان الرحيم الرحمن.

الركن الثالث: من أركان الإسلام الزكاة، وهي قرينة الصلاة في آي القرآن وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي فريضة اجتماعية سامية تشعر المؤمن بسمو أهداف الإسلام: من عطف ورحمة وحب وتعاون بين المسلمين، وليس لواحد منَّة أو فضل فيما يقدمه من مال، إنما هو حق واجب، ولأنه في الحقيقة مال الله الذي استخلفه فيه قال - تعالى -: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم)[النور: 33]، وقال - تعالى -: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مٌّستَخلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَأَنفَقُوا لَهُم أَجرٌ كَبِيرٌ) [الحديد: 7]، ولأهميتها قاتل أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - بعض قبائل العرب عندما منعوا زكاة أموالهم، وقال: \"والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة\"، وتابعه الصحابة - رضي الله عنهم - على ذلك.

ولقد توعد الله - سبحانه وتعالى - من بخل عن الإنفاق فقال - تعالى -: (وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذَابٍ, أَلِيمٍ,) [التوبة: 34]. ومعنى الزكاة دفع المسلم من ماله وممتلكاته، ماأوجبها الله - تعالى- تبدأ من نسبة 5ر2بالمئة ولا يزيد عن 10بالمئة في أحوال قليلة و تدفع لأصناف في المجتمع المسلم من المحتاجين أو لبعض المصالح العامة حددها الشارع كالإصلاح بين الناس والجهاد وبها تحصل منافع كثيرة للمجتمعات والأفراد والدول من التكافل الاجتماعي وشيوع التآلف والقضاء على ظاهرة الشح، والبخل والحسد والحقد.

وتجب الزكاة على المسلم إذا بلغ نصاباً من أي نوع من أنواع المال الزكوي إذا حال عليه الحول ما عدا الحبوب والثمار، فإن الزكاة تجب فيه عند نضجها وتمام استوائها، وإن لم يحل عليها الحول. وتعطى لمستحقيها كما وردت أصنافهم في القرآن الكريم في سورة التوبة، قال - تعالى -: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاء وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60].

وقال سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في كلمة له حول فريضة الزكاة: {والتذكير بفريضة الزكاة التي تساهل بها الكثير من المسلمينº فلم يخرجوها على الوجه المشروع، مع عظم شانها، وكونها أحد أركان الإسلام الخمسة التي لا يستقيم بناؤها إلا عليها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) متفق على صحته. }



فوائد الزكاة:

1- فرض الزكاة على المسلمين من أظهر محاسن الإسلام، ورعايته لشؤون معتنقيه، لكثرة فوائدها، ومسيس حاج فقراء المسلمين إليها.

2- فمن فوائدها تثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير، لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.

3- ومنها تطهير النفوس وتزكيتها، والبعد عن خلق الشح والبخل، كما أشار القرآن الكريم، إلى هذا المعنى في قوله - تعالى -: (خُذ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم بِهَا)[التوبة: 103]

4- ومنها تعويد المسلم صفة الجود، والكرم، والعطف على ذوي الحاجة.

5- ومنها استجلاب البركة، والزيادة والخلَف، كما قال - تعالى -: (وَمَا أَنفَقتُم مِّن شَيءٍ, فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39] وقول النبي: (يقول الله - عز وجل -: يا ابن آدم أنفق ننفق عليك).... إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.



وعيد الله لمن تساهل عن إخراج الزكاة:

وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصّر في إخراجها، قال الله - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحبَارِ وَالرٌّهبَانِ لَيَأكُلُونَ أَموَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدٌّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذَابٍ, أَلِيمٍ, (34) يَومَ يُحمَى عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهُورُهُم هَـذَا مَا كَنَزتُم لأَنفُسِكُم فَذُوقُوا مَا كُنتُم تَكنِزُونَ (35)) [التوبة]فكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز، يعذب به صاحبه يوم القيامة كما دل على ذلك الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيام صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إمَّا إلى الجنة، وإما إلى النار). ثم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها، وأخبر أنه يُعذّب بها يوم القيامة.

وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثّلَ له يوم القيامة شجاعاً له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول: \" أنا مالك أنا كنزك\") ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: (وَلاَ يَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَبخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضلِهِ هُوَ خَيراً لَّهُم بَل هُوَ شَرُّ لَّهُم سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَومَ القِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاللّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران: 180].



والزكاة تجب في أربعة أصناف:

الخارج من الأرض كالحبوب والثمار، والسائمة من بهيمة الأنعام، والذهب والفضة، وعروض التجارة.

ولكل من هذه الأصناف الأربعة نصاب محدود، لا تجب الزكاة فيما دونه.

فنصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون مقدار النصاب بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - من التمر والزبيب والحنطة والأرز والشعير ونحوها ثلاثمائة صاع، بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أربع حفنات بيدي الرجل المعتدل الخِلقة، إذا كانت يداه مملوئتين.

وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم، ففيه تفصيل مبين في الأحاديث الصحيحة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي استطاعة الراغب في معرفته سؤال أهل العمل عن ذلك، ولولا قصد الإيجاز لذكرناه لتمام الفائدة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply