أحوال السلف الصالح في تحقيق عقيدة الولاء والبراء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





يقول أبو الدرداءِ- رضي الله عنه-: \" ما أنصف إخواننا الأغنياء، يحبوننا في الله ويفارقوننا في الدنيا، إذا لقيته قال: أحبكَ يا أبا الدرداء، فإذا احتجت إليه في شيءٍ, امتنع مني \" [1]

ويقول أيوب السيختيان- يرحمه الله -: \" إنَّه ليبلغني عن الرجل من أهل السنة أنَّه مات، فكأنما فقدتُ بعض أعضائي \".

وكان أحمد بن حنبل- رحمه الله - إمام أهل السنة، إذا نظر إلى نصراني أغمض عينيه، فقيل له في ذلك، فقال- رحمه الله -: \" لا أقدرُ أن أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه \" [2] فانظر - يا رعاك الله كيف كان تعظيم الله وتوقيره في قلب الإمام أحمد يجعله لا يطيق النظر إلى من افترى على الله وكذب عليه، وأي افتراء أعظم من مقالة النصارى أن لله ولد - تعالى -الله عن ذلك علواً كبيراً قال عمر بن الخطاب في شان النصارى: \" أهينوهم ولا تظلموهم، فإنهم سبٌّوا الله - تعالى -أعظم المسبة \".

وهذا بهلول بن راشد - رحمه الله - من أصحاب مالك بن أنس - رحمه الله - دفع إلى بعض أصحابه دينارين ليشتري به زيتاً، فذُكر للرجل أن عند نصراني زيتاً أعذب ما يوجد. فانطلق إليه الرجل بالدينارين وأخبر النصراني أنه يريد زيتاً عذباً لبهلول بن راشد، فقال النصراني: نتقرب إلى الله - تعالى -بخدمة بهلول كما تتقربون أنتم إلى الله بخدمته. وأعطاه بالدينارين من الزيت ما يعطى بأربعة دنانير، ثم أقبل الرجل إلى بهلول وأخبره الخبر، فقال بهلول: قضيت حاجةً فاض لي الأخرى، رُدَّ علىّ الدينارين فقال: لم؟ قال: تذّكرت قول الله - تعالى -: ((لا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادٌّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) (المجادلة: من الآية22). فخشيت أن آكل زيت النصراني فأجد له في قلبي مودة فأكون ممن حاد الله ورسوله على عرض من الدنيا يسير [3]



وسئل الإمام أحمد عن جار رافضي؟ فقال: \" لا تسلم عليه، وإذا سلم لا يُرد عليه \" [4] وكان ابن رجاءٍ, من الحنابلة، يهجرُ من باع لرافضي كفنه، أو غسله، أو حمله [5]

ولما كان العزٌّ بن عبد السلام في دمشق، وقعَ فيها غلاءٌ فاحش، حتى صارت البساتينُ تباع بالثمن القليل، فأعطتهُ زوجته ذهباً وقالت: اشرِ لنا بستاناً نصيّف فيه، فأخذ الذهبَ وباعهُ، وتصدق بثمنه، فقالت: يا سيدي اشتريت لنا ؟ قال: نعم بستاناً في الجنة. إنِّي وجدتُ الناس في شدةٍ,، فتصدقتُ بثمنه، فقالت المرأة: جزاك الله خيراً [6]

وهذا محمد بن عبدوس المالكي، من علماءِ المالكية، كان في غايةِ النصحِ والإشفاقِ على المسلمين، ففي أحدَ المرات ذهبَ إلى أحدِ أصحابه وعليه جُبَّةَ صوف، وكانت ليلةً شاتيةً، فقال له: ما نمتُ الليلةَ غمّاً لفقراءِ أمة محمد، ثم قال: هذه مائةُ دينار ذهبا، غلةُ ضيعتي هذا العام، أحذر أن تُمسي وعندك منها شيء وانصرف.

دخل أبو الوليد الطرطوش- يرحمه الله - على الخليفة في مصر، فوجدَ عنده وزيراً راهباً نصرانياً، قد سلّم إليه القيادة، وكان يأخذُ برأيهِ، فقال الطرطوشي:

يا أيها الملك الذي جودهُ *** يطلبهُ القاصدُ والراغب

إنَّ الذي شرفت من أجله *** يزعمُ هذا أنَّه كاذب [7]

فعندئذٍ, اشتد غضبُ الخليفة، فأمرَ بالراهبِ فسُحبَ وضُرب، وأقبل على الشيخِ فأكرمهُ وعظَّمهُ بعد ما كان قد عزم على إيذائه.

يقول القرافي معلقاً على هذه القصة: \" لما استحضر الخليفةُ تكذيب الراهبِ للرسول- صلى الله عليه وسلم - وهو سببُ شرفه، وشرفَ آبائهِ وأهل الأرض، بعثهُ ذلك عن البعدِ عن السكونِ إليه والمودة، وأبعدهُ عن منازلِ العزِّ إلى ما يليقُ به من الذلِ والصغار [8]



----------------------------------------

[1] الزهد لابن المبارك (ص 232).

[2] طبقات الحنابلة (1/12).

[3] ترتيب المدارك للقاضي عياض (1/337).

[4] طبقات الحنابلة (2/14).

[5] طبقات الحنابلة (2/57).

[6] طبقات الشافعية للسبكي (214).

[7] الذي شرفت من أجله هو النبي - صلى الله عليه وسلم -.

[8] الفروق (3/16).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply