بسم الله الرحمن الرحيم
الكفر في اللغة هو الجحود. وأصله من الكَفر ، وهو السَّتر والتغطية.
يقال: كفرتُ الشيء: إذا غطيته. ومنه قيل للَّيل: كافر ، لأنه يستر الأشياء بظلمته.
وسـمـى الـزارع كافرا لأنه يستر الحبَّ بالتراب. وليس الكافر اسما لليل أو الزارع ، ولكنه وصف لهما.
والكفر: ضد الإيمان، سمى بذلك لأنه تغطية وستر للحق، فالكافر ساتر للحق، أو ســاتــر لِنَعم الله تعالى عليه.
ويقال : كفر بالله ، يكفُر كُفراً ، وكفوراً ، وكُفراناً. وأكفر فلانا : دعاه كافراً.
وتـسـتـعـمـل كلمة (الكُفر) في الدين أكثر من استعمالها في كفران النعمة، (والكفران) في جحود النعمة ، و (الكَفور) فيهما جميعاً. و(الكافر) عنه الإطلاق - متعارف فيمن - يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة ، أو يجحدها جميعاً(1).
وأما تعريف الكفر اصطلاحاً ، فيقول ابن تيمية في ذلك :- (الكفر :عدم الإيمان ، باتفاق المسلمين، سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أولم يعتقد شيئاً ولم يتكلم) مجموع الفتاوي 20/86.
ويقول أيضاً :- (إنما الكفر يكون بتكذيب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر به ، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه ، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم)درء تعارض العقل والنقل 1/242.
ويعرف ابن حزم الكفر بهذه العبارة :
وهو [ أي الكفر في الدين ] : صفة لمن جحد شيئاً مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه بقلبه دون لسانه ، أو بلسانه دون قلبه ، أو بهما معاً ، أو عمل عملاً جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان.
ويقول السبكي : (التكفير حكم شرعي سببه جحد الربوبية ، أو الوحدانية ، أو الرسالة ، أو قولٌ أو فعلٌ حكم الشارع بأنه كفر ، وإن لم يكن جحدا) (فتاوي السبكي 2 / / 586)
فالكفر اعتقادات ، وأقوال ، وأعمال ، حكم الشارع بأنها تناقض الإيمان.
والكفر حكم شرعي ، والكافر من كفره الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فليس الكفر حقا لأحد من الناس ، بل هو حق الله تعالى.
يقول ابن تيمية :- (ولهذا كان أهــل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم ، وإن كان ذلك المخالف يكفرن º لأن الكفر حكم شـرعـي ، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله ، كمن كذب عليك ، وزنى بأهلك ، ليس لك أن تكــذب عليه ، ولا تزنى بأهله º لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى. وكذلك التكفير حق الله فلا يُكفر إلا من كفّره الله ورسوله) الرد علي البكري ص 257.
ويقول ابن الوزير :- (إن التكفير سمعي محض لا دخل للعقل فيه ، وإن الدليل على الكفر لا يكون إلا سمعياً قطعياً ، ولا نزاع في ذلك) العواصم والقواصم 4 / 158.
والكفر نوعان : كفر أكبر ، وكفر أصغر.
أما الكفر الأكبر º فهو ما يضادٌّ الإيمان من كل وجه ، ويُخرج صاحبه من الدين والملة ، ويُوجب له الخلود في النار. قال الله تعالى : ((إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ والمُشرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا))[البينة:6]
وهذا الكفر يأتي في النصوص الشرعية مقابلاً للإيمان فيكون ضده.وإذا أطلق لفظ (الكفر)فإنه ينصرف إلى هذا النوع ، فهو الكفر الأكبر الذي يحبط العمل ، ولا يغفره الله لصاحبه إذا مات عليه.
ويتنوع الكفر إلى ستة أنواع ، من لقى الله تعالى بواحد منها لم يغفر له ، وهي(2):
1 - كفر الإنكار ، وهو أن ينكر بقلبه ولسانه ، ويزعم أنه لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به ، ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد ، قال الله تعالى : ((إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنُونَ))[البقرة:6] : أي كفروا بتوحيد الله وأنكروا معرفته.
2 - كفر الجحود ، وهو أن يعرف الله بقـلـبـه ، ولا يقـــرّ ولا يعترف بلسانه ، فهو كافر جاحد ، مثل كفر اليهود وجحودهم لنبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ، وكتمانهم لصفاته في كتبهم :((إنَّ الَذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنزَلنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والهُدَى مِن بَعدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ))[البقرة:159].
وهذا الجحود قد يكون عاما بأن يجحد جملة ما أنزله الله تعالى أو يجحد إرسال الرسل ، وقد يكون خاصاً مقيداً ، بأن يجحد فرضاً من فروض الإسلام ، أو يجحد تحريم محَّرم من محرماته.
3 - كفر الشك، حيث لا يجزم بصدق رسول الله ولا بكذبه، بل يشك في أمره، ولا يستمر هذا الشك إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن آيات الله ، ودلائل صدق الرسول.
4 - كفر الإعراض º بأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فلا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه. وبينه وبين ما سبق صلة.
5 - كفر النفاق، بأن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي قلبه على التكذيب، وهـــــو النفاق الاعتقادي.
6 - كفر العناد º وهو أن يعرف الله بقلبه ويعترف ويقرّ بلسانه ، ويأبى أن يقبل الإيمان أو أن يدين به ، فهو كفر إباء واستكبار ، مثل كفر إبليس .
- وما أكثر الأبالسة اليوم - فإنه لم يجحد أمر الله تعالى ، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار. وكذلك كفر فرعون وأبي طالب إنما هو من هذا اللون.
وأما الكفر الأصغر فهو مخالفة لحكم من أحكام الشريعة ، ومعصية عملية لا تُخـــرج عن أصل الإيمان ، وإنما توجب لصاحبها الوعيد بالنار دون الخلود فيها ، وسميت كـفـــرا لأنها من خصال الكفر.(3)
ويمكن تعريفه بأنه كل معصية أطلق عليها الشارع اسم الكفر ولم تصل إلى حد الكفر.
وهـذا النوع من الكفر يسميه بعض العلماء : الكفر العملي ، الذي يقاب الكفر الاعتقادي. وهــو أيضاً : كفر النعمة ، مع العلم أن الكفر العملي ينقسم إلى : ما لا يخرج عن الـمـلــة كالطعن في الأنساب والنياحة على الميت.
وقسم يخرج عن الملة كالسجود لغير الله ، وإهانة المصحف.
ومن الأمثلة الظاهرة على الكفر الأكبر في عصرنا الحاضر : الامتناع عن الحكم بشريعة الله تعالى ، وتطبيق القوانين الوضعية بدلاً عنها.
إن الحكم بما أنزل الله تعالى وحده هو إفراد الله بالطاعة ، قال تعالى :((إنِ الحُكمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ)) [يوسف :40].
والإشــــراك بالله في حكمه ، والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد ، لا فرق بينهما البتة ، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله ، وتشريعاً غير تشريع الله ، كالذي يعبد الصنم ، ويسجد للوثن ، لا فرق بينهم البتة.
ويكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أكبراً في عدة حالات منها :
1 -أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الشريعة.
2 -أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى.
3 - أن يساوي بين حكم الله تعالى حكم الطاغوت.
4 - أن يجوز الحكم بما يخالف حكم الله وروسوله ، أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله تعالى غير واجب ، وأنه مخير فيه.
5 - من لم يحكم بما أنزل الله إباءً وامتناعاً ، فالكفر ليس تكذيبا فحسب ، بل قد يكون امتناعاً عن اتباع الرسول مع العلم بصدقه ، والإيمان قول وعمل ، وتصديق وانقياد ، فلا يتحقق الإيمان مع ترك الانقياد والطاعة.
الهوامش :
1 - انظر: الزاهر للأزهري ص:(379)، معجم مقاييس اللغة:5/9، لسان العرب:5/144 الكليات للكفوي:2/535، مفردات القرآن للراغب ص (434)، المغُرِب للمطرزي:2/224.
2 - هذا التقسيم نجده عند علمائنا قديما، فـهـو فـي »الزاهــر« للأزهري ث(380 - 381) وتفسير البغوي : 1 / 64 طبعة دار طيبة. وشهره ونشره الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن قبله ابن القيم - رحمهم الله تعالى.
3 - فتح البارى لابن حجر:1 / 83 - 84، شرح النووي على صحيح مسلم:2/49-50.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد