بسم الله الرحمن الرحيم
إن النفاق داء عضال، وانحراف خلقي خطير في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة كافة، وعلى الحركات الإصلاحية الخيِّرة خاصةº إذ يقوم بعمليات الهدم الشنيع من الداخل، بينما صاحبه آمن لا تراقبه العيون ولا تحسب حسابًا لمكره ومكايده، إذ يتسمى بأسماء المسلمين ويظهر بمظاهرهم ويتكلم بألسنتهم.
وإذا نظرت إلى النفاق نظرة فاحصة لوجدته طبخة شيطانية مركبة من جبن شديد، وطمع بالمنافع الدنيوية العاجلة، وجحود للحق، وكذب.. ولك أن تتخيل ما ينتج عن خليط كهذا!!.
وإذا نظرنا إلى النفاق في اللغة لوجدناه من جنس الخداع والمكر، وإظهار الخير وإبطان الشر.
أقسام النفاق:
ذكر كثير من أهل العلم أن النفاق قسمان:
النفاق الاعتقادي:
ويسميه بعضهم: النفاق الأكبر، وبينه الحافظ ابن رجب - رحمه الله - بأن: يُظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كلَّه أو بعضه. قال: وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.
قال الله - تعالى -: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا). (النساء: 145).
الثاني فهو النفاق العملي أو الأصغر:
وهو التخلق ببعض أخلاق المنافقين الظاهرة كالكذب، والتكاسل عن الصلاة.. مع الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، كما ورد في قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان\".
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا\".
من أهم صفات المنافقين:
إن للمنافقين صفات كثيرة نشير إليها مجرد إشارات مختصرة، وإلا فإن التفصيل يحتاج إلى مؤلفات تفضح ما هم عليه، ومن هذه الصفات:
1- أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤمِنِينَ)[البقرة: 8].
2- أنهم يخادعون المؤمنين: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ)[البقرة: 9].
3- يفسدون في الأرض بالقول والفعل: (أَلا إِنَّهُم هُمُ المُفسِدُونَ وَلَكِن لا يَشعُرُونَ)[البقرة: 12].
4- يستهزءون بالمؤمنين: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحنُ مُستَهزِئُونَ * اللَّهُ يَستَهزِئُ بِهِم وَيَمُدٌّهُم فِي طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ)[البقرة: 14، 15]
5- يحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم: (اتَّخَذُوا أَيمَانَهُم جُنَّةً فَصَدٌّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ)[المنافقون: 2].
6- موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين: (بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتَابِ أَن إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللَّهِ يُكفَرُ بِهَا وَيُستَهزَأُ بِهَا فَلا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ, غَيرِهِ إِنَّكُم إِذاً مِثلُهُم إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)[النساء: 138-140].
ويقول الله - عز وجل -: (أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ لَئِن أُخرِجتُم لَنَخرُجَنَّ مَعَكُم وَلا نُطِيعُ فِيكُم أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلتُم لَنَنصُرَنَّكُم وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ * لَئِن أُخرِجُوا لا يَخرُجُونَ مَعَهُم وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُم وَلَئِن نَصَرُوهُم لَيُوَلٌّنَّ الأَدبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ)[الحشر: 11، 12].
7- العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم: (وَإِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذ قَالَت طَائِفَةٌ مِنهُم يَا أَهلَ يَثرِبَ لا مُقَامَ لَكُم فَارجِعُوا وَيَستَأذِنُ فَرِيقٌ مِنهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَورَةٌ وَمَا هِيَ بِعَورَةٍ, إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً * وَلَو دُخِلَت عَلَيهِم مِن أَقطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الفِتنَةَ لَآتَوهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَد كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبلُ لا يُوَلٌّونَ الأَدبَارَ وَكَانَ عَهدُ اللَّهِ مَسؤُولاً * قُل لَن يَنفَعَكُمُ الفِرَارُ إِن فَرَرتُم مِنَ المَوتِ أَوِ القَتلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً * قُل مَن ذَا الَّذِي يَعصِمُكُم مِنَ اللَّهِ إِن أَرَادَ بِكُم سُوءاً أَو أَرَادَ بِكُم رَحمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * قَد يَعلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُم وَالقَائِلِينَ لِإِخوَانِهِم هَلُمَّ إِلَينَا وَلا يَأتُونَ البَأسَ إِلَّا قَلِيلاً)[الأحزاب: 12-18].
8- تدبير المؤامرات ضد المسلمين أو المشاركة فيها، والتاريخ مليء بالحوادث التي تثبت تآمر المنافقين ضد أمة الإسلام، بل واقعنا اليوم يشهد بهذا، فما أوقع كثيرًا من المجاهدين في قبضة الكافرين والأعداء إلا تآمر هؤلاء المنافقين في فلسطين، في الشيشان، وغيرهما.
9- ترك التحاكم إلى الله ورسوله: (أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزعُمُونَ أَنَّهُم آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَد أُمِرُوا أَن يَكفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيتَ المُنَافِقِينَ يَصُدٌّونَ عَنكَ صُدُوداً * فَكَيفَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَت أَيدِيهِم ثُمَّ جَاءُوكَ يَحلِفُونَ بِاللَّهِ إِن أَرَدنَا إِلَّا إِحسَاناً وَتَوفِيقاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِم فَأَعرِض عَنهُم وَعِظهُم وَقُل لَهُم فِي أَنفُسِهِم قَولاً بَلِيغاً)[النساء: 60-63].
هكذا حال المنافقين، فهم حين لا يقبلون حكم الله ورسوله، ويفتضح نفاقهم، يأتون بأعذار كاذبة ملفقة، ويحلفون الأيمان لتبرئة أنفسهم، ويقولون: إننا لم نرد مخالفة الرسول في أحكامه، وإنما أردنا التوفيق والمصالحة، وأردنا الإحسان لكل من الفريقين المتخاصمين. ومن عجيب أمرهم في ذلك أنهم إذا وجدوا الحكم لصالحهم قبلوه، وإن يك عليهم يعرضوا عنه، كما أخبر الله بذلك حيث قال: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنهُم مِن بَعدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالمُؤمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم إِذَا فَرِيقٌ مِنهُم مُعرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَهُمُ الحَقٌّ يَأتُوا إِلَيهِ مُذعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ أَمِ ارتَابُوا أَم يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيهِم وَرَسُولُهُ بَل أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[النور: 47-50].
10- ومن صفاتهم الخبيثة طعنهم في المؤمنين وتشكيكهم في نوايا الطائعين: (الَّذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهدَهُم فَيَسخَرُونَ مِنهُم سَخِرَ اللَّهُ مِنهُم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة: 79].
فهم لا يعرفون الإخلاص، وما تحققت في قلوبهم العبودية لله، فظنوا أن المؤمنين كالمنافقين، لا يفعلون طاعة إلا لغرض دنيوي، فالفنانة التي تابت قبضت الملايين-بزعمهم-، والمجاهدون قوم فشلوا في الحياة فاختاروا الانتحار... إلخ.
وفي نهاية حديثنا عن النفاق نود أن نبين أن ما ذكرناه إنما هو قليلٌ من كثير من صفاتهم، وربما كان لنا معهم وقفات أخرى.
أعاذنا الله وإياكم من النفاق، وكفى الأمة شر المنافقين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد