جاسوس البنتاجون.. قضية غير واضحة


 

بسم الله الرحمن الرحيم



على الرغم من العلاقة الحميمة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والتي تصل إلى حد التحالفº إلا أن فضيحة التجسس الأخيرة التي قادها أحد المحللين الصهاينة المتخصص في الشؤون الإيرانية في البنتاجون قد تعكر صفو هذه العلاقة، لكن طبيعة اليهود الخائنة هي النتيجة البارزة لهذه الفضيحة، في هذا الإطار تناول الكاتبان الصحفيان \"لورا كينج\" و\"تايلر مارشال\" هذا الموضوع في صحيفة \"لوس أنجلوس تايمز\" الأمريكية بتاريخ 29 أغسطس لعام 2004 تحت عنوان \" فشل جاسوس البنتاجون.. قضية غير واضحة\"، حيث أكد الكاتبان أنها فضيحة، مثلت صدمة لواشنطن، كما استعرضا بعض فضائح التجسس الصهيونية السابقة ضد دول صديقة، وكيف أن الخيانة هي صفة جِبِلّية لليهود.



صدمة أمريكية:

في البداية استفتح الكاتبان المقال بقولهما: \"إنه ليس رواية مثيرة عن عملية تجسس ولكنه واقعة حقيقية، ومن المحزن اكتشاف أن الصديق المؤتمن جاسوس مزدوج\".

لعل هذا القول يكون أقرب للصحة بشكل خاص في حال حليفين قريبين مثل إسرائيل والولايات المتحدة في وقت يكون مسؤولوا الحكومة والدبلوماسيون والمحللون وخبراء الاستخبارات من كلا الجانبين غالباً يتحركون لتخطي الدائرة السياسية والاجتماعيةº فبعد فضيحة التجسس هذه من الممكن أن تتعكر علاقات التبادل الودي للمعلومات بينهما.

وبعد أن كشفت السلطات الأمريكية فضيحة التجسس للمحلل المتخصص في الشؤون الإيرانية، وخضوعه للتحقيق، أنكر رئيس الوزراء الصهيوني أريل شارون - بكل فتور - أن تكون إسرائيل حصلت على أي معلومات محرمة.

ولكن مثل هذه القضايا دائماً تفتح ولا تغلق، المراقبون لمشهد الاستخبارات يلاحظون أن الولايات المتحدة وإسرائيل غالباً يشتركون في معلوماتٍ, حساسة بخاصة عندما يكون هناك عجز عند الآخر.

على سبيل المثال الدبلوماسية الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات على علاقة طيبة مع المواطنين المتحدثين بالعربيةº فالعديد منهم يهود أسرهم هاجرت من مكان آخر في الشرق الأوسط، هؤلاء في كثير من الحالات أكثر تجهيزاً من أقاربهم المتناثرين في الولايات المتحدة لإعداد تحليلات متطورة للتنمية السياسية والعسكرية في المنطقة، والثمار لهذا الجهد تسلم لأمريكا، فقبل وأثناء الحرب على العراق اشتركت الولايات المتحدة وإسرائيل في الاستخبارات، بعض هذه المعلومات اكتشف أنها غير صحيحة كما صرح بذلك المسؤولون العسكريون والاستخباريون في كلا الجانبين.

ولكن رغم هذا التعاون يرى الكاتبان أن المعلومات بين الأمريكيين واليهود مملوءة بالتوتر بسبب المخاوف من المغالطات المتعمدة في المعلومات، كما يرى بعض الناشطين في الشؤون اليهودية والإسرائيلية أن إسرائيل استغرقت سنوات عديدة لتغطية خسائرها التي حدثت بسبب محلل استخبارات البحرية الأمريكية جونسون جاي بولارد والذي أدين بالتجسس في أمريكا لصالح إسرائيل، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 1987.

ويرى الكاتبان أن أهم ما يثير المخاوف في هذه القضية هو تشكك المحققين من أن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية - جماعة الضغط الأولى لإسرائيل في واشنطن - ربما تكون عملت كقناة لنقل المعلومات إلى الحكومة الإسرائيلية.



لا يوجد عزيز لدى إسرائيل:

ويستأنف الكاتبان الحديث عن فضائح إسرائيل التجسسية على أصدقائها قائلين: \"جزء من مشكلة إسرائيل أنها عندما تواجه بفضيحة تجسس مثل هذه فإن احتجاجاتها بالبراءة ستكون عديمة المصداقيةº ففي السنوات الأخيرة أفسد العديد من رؤساء الوزارة الصهاينة علاقاتهم مع العديد من الدول الصديقة، من بين هذه الدول قبرص والأردن وكندا وسويسرا إما بسبب استخدام أراضيهم لأنشطة التجسس، أو بإدخال عملاء للموساد داخل هذه الدول\".

كما أشار الكاتبان إلى معاناة إسرائيل جراء أسوأ قضية استهداف والتي كانت ذات عواقب سيئة عليهم عندما حاول عملاء الموساد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في الأردن عام 1997 عبر إرسال موجات مسممة لتليفونه المحمول.

ولاسترداد عملائها أجبرت إسرائيل على إطلاق سراح القائد الروحي لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين والذي عاد لقطاع غزة في انتصار محقق، كما قاد حركة العمليات الاستشهادية حتى اغتالته الأيدي الصهيونية في مارس الماضي.

السلطات في نيوزيلندا عبرت عن غيظها الربيع الماضي عندما ألقي القبض على إسرائيليين حاولا الاحتيال واستخراج جوازي سفر، وقال المدعي: إن رجلاً معاقاً من نيوزيلندا استخدم بدون قصد كمتقدم بجواز سفر مزيف، ورفضت إسرائيل الاعتراف بأن مواطنيها جواسيس.

هذه الأعمال المتهورة التي تورط فيها الموساد أظهرت حقيقة صورة الموساد السيئة كممارس خبيث للتجسس على الدول الصديقة، كما أنه متورط في أخطاء جسيمة، ونتيجة لهذه القضية غير المتشعبة أجبرت إسرائيل على تقديم تعهدات مجهده بعدم التجسس على الولايات المتحدة، مما جعل بعض المحللين والسياسيين يتوقعون عدم جراءة إسرائيل على التقدم للتورط في مثل هذا العمل.



سبب آخر فضيحة:

وفي واشنطن أثارت تقارير التحقيقات عدة أسئلة منها: لماذا يوجد عند إسرائيل الاستعداد للتورط في فضيحة تجسس كبيرة على أقرب حليف لها؟ ربما يكون السبب هو قدرة حكومة شارون على فتح الأبواب على أعلى مستوياته مع إدارة بوش، حيث إن واشنطن تعتمد على الدبلوماسيين وخبراء الشرق الأوسط.

وقال ويليام بي كوندات المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة فيرجينيا: \"إن هذا يعتبر نوعاً من الطيش الإسرائيلي، ولكن البعض أشاروا إلى أن التحقيقات تأتي في وقت توتراتٍ, بين الحليفين في قضية حيوية لأمن إسرائيلº وهي قدرات الأسلحة النووية الإيرانيةº فتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية استنتجت أن طهران أكثر قرباً لبناء سلاح نووي خلافاً لما تعتقده واشنطن.

ففي بداية هذا العام توقع مسؤول إسرائيلي أن إيران تستطيع الحصول على أسلحة نووية العام القادم، وأشار البعض إلى أن إسرائيل سوف تعد لمهاجمة المفاعلات في الميناء الإيراني (بوشهر) إذا حققت طهران هذه القدرة، وفي المقابل هددت إيران إسرائيل بنفس الأمر، فقد هدد ياد الله جاواني (قائد كبير في حرس الثورة) قائلاً: \"في حالة أي هجوم صهيوني علينا فسوف ندمر مفاعلاتها النووية\".

ولكن تقديرات الاستخبارات الأمريكية تفترض أن أمام إيران سنواتٍ, عديدة لبناء قنبلة نووية، كما عدل بعض الإسرائيليين من توقعاتهم أن أمام إيران سنتين أو ثلاثاً، ولكنهم اتخذوا موقفاً أكثر تخوفاً من الولايات المتحدة، قال جوزيف كيرونيكون مدير برنامج حظر التسلح للسلام الدولي في واشنطن، هناك اختلافاتٌ واضحة بين الرؤيتين.

فهم تفاصيل افتراضات الولايات المتحدة لبرنامج السلاح النووي الإيراني، أو كسب المعلومات الداخلية حول كيفية رد الفعل الأمريكي للضربات الإسرائيلية المحتملة للمفاعل الإيراني؟ يعتبر ذا أهمية بالغة لدولة الكيان الصهيوني.

ومن المعتقد أن تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي تتعامل مع السياسة الإيرانية في جزء من البنتاجون، والتي كان لها تأثير معقول على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة.

غالباً لا أحد من قيادة الجند في إسرائيل يعتقد أن دائرة الاستخبارات من الضروري أن تنفذ عملاً عدائيّاً بنفسها حتى مع الدول الحليفة.



التجسس ضرورة صهيونية:

زعم دبلوماسي إسرائيلي سابق أن جميع السفارات في دول العالم تشتمل على وظائف مثل: الملحق الثقافي، أو التبادل الزراعي، ولكن دورها في الحقيقة هو جمع معلومات يستخدمها جهاز الاستخبارات في وطنهم، مضيفاً \"الجميع يفعلون ذلك\".

فإسرائيل لديها عشرات العسكريين، ومسؤولي المخابرات، وعلى الأقل قائمتان بأسماء عملاء الموساد كجزء من عملياتها العلنية في الولايات المتحدة، كما أن للموساد علاقة وثيقة بالـ (سي آي إيه)، والتي تعمل لمصلحة وكالة الأمن الداخلية الإسرائيلية، كما أن (شين بيت) يتعامل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وبسبب أن إسرائيل لديها قدرة على الاختراق من خلال عدد كبير من اليهود المهاجرين عبر العالمº فهي لديها عدد من المواطنين مزدوجي الجنسية، وعندما تدفع إسرائيل بشباب يحمل جوازات أجنبية مستعدين لدخول سوق العمل فهم يجدون أنفسهم يقتربون ولو بشكل سري من الموساد، بشكل متميز فإن الموساد معروف ببحثه عن يهود بالخارج ليعملوا بشكل غير رسمي كمتطوعين لجلب المعلومات، يُعرفون في اللغة العبرية بـ\"المساعدين\"، وعلى كل الأحوال فإن نتائج عملية الإخفاق التجسسي تأتي في وقت صعب لكل من الرئيسين: بوش وشارونº فرئيس الوزراء الصهيوني يعتبر في أفضل فترة للعلاقات مع واشنطن هذه الأيام أكثر من علاقته مع أعضاء حزبه.

ولكن بوش خرج مؤخراً عن طريقه ليعلن تأييده لشارونº فمنذ أربعة شهور قلب بوش سياسة الولايات المتحدة لدعم خطة رئيس الوزراء لضم كتل استيطانية ضخمة في الضفة الغربية في مقابل الانسحاب من المستوطنات في قطاع غزة، كما أن واشنطن أحجمت عن النقد العام خلال هذا الشهر عن مساعي إسرائيل لبناء حوالي 2000 منزل في الضفة الغربية على الرغم من سياسة واشنطن العلنية طويلة المدى المعارضة للتوسع الاستيطاني.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply