التدمير أو الانتظار: جدل في الكيان الصهيوني حول التعامل مع البرنامج النووي الإيراني


 

بسم الله الرحمن الرحيم



سرعان ما زخرت الصحف الإسرائيلية بالعناوين المثيرة والدرامتيكية المتعلقة بما يسمونه (الخطر النووي الإيراني)، موظفوا مكتب شارون حرصوا على تسريبٍ, مفاده أن شارون قد نقل معالجة خطر البرنامج النووي الإيراني من شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان) إلى مسؤولية جهاز (الموساد)، في إشارة إلى أن الدولة العبرية بصدد التحضير لردود عملية صارخة على التهديد النووي الإيراني، ومن أجل إضفاء بعض الصدقية على هذه التسريبات، حرصت بعض الأوساط المتنفذة في الدولة العبرية على تسريبات معززة، فأسبوعية الصفوة الألمانية (دير شبيغل) استندت إلى مسؤولين إسرائيليين في القول: إن حكومة شارون بصدد إصدار تعليمات لضرب المفاعلات الذرية الإيرانية، في حين أن صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) تخرج بخبر حول قيام (إسرائيل) بتزويد غواصتها بصواريخ تحمل رؤوساً نووية.

إلى جانب ذلك حرص قادة الدولة على التأكيد علناً أنهم يرون في المشروع النووي الإيراني أكبر خطر يهدد الدولة العبرية حالياً، فقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز في محاضرة أمام هيئة أركان الجيش الإسرائيلي عن البرنامج النووي الإيراني: (هذا هو التهديد الحقيقي لوجود (إسرائيل) في المستقبل، لأن إيران تدعو إلى تدمير (إسرائيل)، علينا أن نتتبع ونفعل كل ما في استطاعتنا بقيادة الولايات المتحدة، من أجل إعاقة أو إبطال إمكانية أن يكون لدى نظام حكم متطرف سلاح من هذا النوع).

أليكس فيشمان المعلق العسكري لصحيفة (يديعوت أحرونوت) يشدد على أن خطة العمل التي أعدها الجيش الإسرائيلي للسنوات الخمس المقبلة تتطرق بشكل واضح للخطر النووي الإيراني، والخطة الخمسية أخذت بعين الاعتبار وجود الخطر النووي الإيراني، وهم يتحدثون عن إمكانية أن تحصل إيران على القنبلة النووية حتى العام 2005، وهناك في الدولة العبرية من يشدد على أن الذي يجعل امتلاك إيران للسلاح النووي خطراً وجودياً على دولة (إسرائيل) هو حقيقة وجود نظام إسلامي في طهران، وينقل الصحافي آلوف بن من صحيفة الصفوة (هآرتس) عن مصادر في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قولها: (الجمع بين النظام الإسلامي المتعصب في طهران والقنبلة النووية والقدرة الصاروخية التي تصل إلى أراضي (إسرائيل) هو خلاصة لكل المخاوف الأمنية بالنسبة لـ(إسرائيل)، وتهديدٌ بذلت (إسرائيل) في مواجهته موارد ضخمة في العقد الأخير).

وإزاء هذا الكم من التسريبات الموظفة والتصريحات الموجهةº كيف يمكن تحديد الموقف الإسرائيلي الحقيقي من البرنامج النووي الإيراني، وهل هذه التسريبات تعبّر عن نوايا حقيقية للدولة العبرية بتوجيه ضربة استباقية للمشروع الإيراني، أم أن هناك أهدافاً أخرى للتحرك الدعائي الإسرائيلي في الوقت الحالي؟



تقييم الخطر الإيراني:

في الجلسة التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن، والتي تقرر فيها ضرب المفاعل الذري العراقي (أوسيراك) القريب من بغداد في العام 1981، قرر بيغن مبدأ جديداً في النظرية الأمنية للدولة العبرية يقول: (إن على (إسرائيل) أن تعمل كل ما في وسعها، وبكل الوسائل الممكنةº من أجل عدم تمكين أي دولة في المنطقة من منافسة (إسرائيل) في امتلاك السلاح النووي).

واستناداً إلى هذا المبدأ فإن حكومة شارون ترى نفسها ملتزمة بالعمل على عدم تمكين إيران من امتلاك السلاح الذري.

وحسب الصور التي يلتقطها قمر التجسس الإسرائيلي فإن هناك مؤشرات - تعتبرها تل أبيب (مقلقة) - تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، فالإسرائيليون يقولون: إن إيران فتحت مؤخراً مختبرات ومصانع سرية تحت الأرض، واشترت أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم لفصل اليورانيوم، وجملة أخرى من المعدات، وفتحت مناجم يورانيوم في محافظة يازد، وسارعت من وتيرة ترميم المفاعلات الكبرى في بوشهر من قبل شركات روسية.



هل ستضرب تل أبيب طهران؟

التهديدات والتسريبات الإسرائيلية واضحة تماماً، وتشير إلى أن قيام الدولة العبرية بتوجيه ضربة استباقية إلى طهران هو أمر ممكن في ظل تجربة الماضي، على اعتبار أنه سبق لـ(إسرائيل) أن وجهت ضربة لدولة عربية هي العراق من أجل القضاء على برنامجها النووي.

الكاتب الأميركي جيم هوغلاند كتب مؤخراً أن هناك تخوفاً أميركياً من إمكانية أن تلجأ (إسرائيل) إلى ضرب إيران، وهذا التخوف تولّد إثر محادثة شارون مع بوش قبل أسبوعينº حيث عرض سكرتير رئيس الوزراء الإسرائيلي العسكري يوآف غلنت صوراً جوية تبرهن على أن إيران تستطيع تخصيب اليورانيوم أو استخراج البلوتونيوم بجودة كافية لإنتاج السلاح خلال مدة سنة أو سنتين، شارون أوضح لبوش بأن (إسرائيل) لا تستطيع التسليم بمثل هذا الخطر المتمثل بقدرة إيران على إلحاق (كارثة نووية) بها.

إذا أضفنا ما كشف عنه هوجلاند إلى جملة ما سبق، تبدو إمكانية توجيه تل أبيب ضربة للمشروع الذري الإيراني محتملة، وقد يكون هذا ما يفكر به حكام تل أبيب فعلاً، لكن هناك في الكيان الصهيوني من يرى أنه لا يتوجب التعاطي مع المشروع النووي الإيراني على هذا النحو، على اعتبار أن ذلك لن يخدم مصلحة (إسرائيل) في النهاية، وهؤلاء يشيرون إلى النقاط الآتية:

1- يقول الجنرال المتقاعد رؤفين فيدهستور الباحث في الشؤون الاستراتيجية: إن قيام (إسرائيل) بتوجيه ضربة استباقية للمشروع النووي الإيراني لن يؤدي إلى القضاء على المشروع الإيراني، وفي أحسن الحالات سيؤدي إلى إرجاء إنتاج القنبلة الذرية الإيرانية، لكنه في نفس الوقت سيلحق ضرراً استراتيجياً بـ(إسرائيل).

ويضيف فيدهستور أنه بخلاف مفاعل (أوسيراك) الذري العراقي الذي أدى تدميره إلى القضاء على البرنامج النووي العراقي في ذلك الوقت، فإن مثل هذه الضربة لن تؤدي إلى نفس النتائج في إيران، حيث إن الإيرانيين استفادوا من تجربة ضرب المفاعل الذري العراقي، حيث جعلوا العمليات المتعلقة بمراحل تطوير السلاح الذري تتم في مناطق متباعدة جغرافياً، يحيث إن ضرب بعضها لا يمكن أن يؤدي إلى وقف إنتاج الآخر، كما أن ضربها مجتمعة سيكون عملية مستحيلة.

فالإيرانيون مثلاً قاموا بتخصيب اليورانيوم من خلال القضبان في منشآت سرية في منطقة (بنانتز)، كما أقاموا مصنعاً لإنتاج المياه الثقيلة في (آراك)، وبنوا مختبرات سرية في (مركز الدراسات النووية) في ضواحي طهران تحت غطاء إقامة مصنع لإنتاج الساعات، إلى جانب ذلك فإن قسماً ملموساً من هذه المنشآت موجود تحت الأرض، ومحصن جيداً من الهجمات الجوية، من هنا فإن أية ضربة جوية للمفاعلات الذرية الإيرانية لن تكون عمليةً ولن تؤدي إلى شل هذا المشروع.

وهناك في (إسرائيل) من يدعو للتريث في كل ما يتعلق بالمشروع النووي الإيرانيº حيث إنهم يشيرون إلى أن إنتاج السلاح النووي في إيران لا يجعله خطراً على (إسرائيل) بشكل فوري، لأن إيران ستكون بحاجة لتطوير صواريخ قادرة على حمل الرؤوس النووية، وهذا يستغرق من إيران عدة سنوات.

2- مثل هذه الضربة ستقضي تماماً على الجهود السياسية والضغوط الاقتصادية الهادفة إلى تجميد المشروع، والتي تقوم بها الولايات المتحدة، التي تخطط لاستصدار قرار من مجلس الأمن يدعو إلى فرض عقوبات اقتصادية على إيران من أجل وقف المشروع نفسه، وعندها ستجد روسيا نفسها حرة في تقديم المساعدة لإيران في مواصلة مشروعها.

3- هناك جدل حقيقي حول مدى خطورة إيران على (إسرائيل)، هناك الكثيرون من الباحثين وقادة الاستخبارات المتقاعدين يحذرون من مغبة تصنيف إيران على أنها خطر على (إسرائيل)، وهناك من يقول إنه يتوجب التفريق بين استعداد إيران لمساعدة حركات المقاومة الفلسطينية، وبين استعدادها لتهديد (إسرائيل) بالسلاح النووي، وهناك من يشدد على أن حرص إيران على امتلاك السلاح النووي يأتي من أجل رغبة إيران في التحول إلى دولة إقليمية في مواجهة دول الخليج وتركيا وليس (إسرائيل)، حيث إن إيران تدرك أن لـ(إسرائيل) القدرة على توجيه ضربة ثانية لإيران من خلال إطلاق الصواريخ النووية من البحر، وقد كان السبق الذي ورد في (لوس أنجلوس تايمز) له دلالة واضحة في هذا الجانب.

4- ضرب إيران يعني أيضاً توجيه ضربة للتحولات التي تراهن عليها قطاعات واسعة في (إسرائيل) وأميركا والغرب، والمتعلقة بازدياد المعارضة لسياسات المحافظين في الجمهورية الإسلامية، فمثل هذه الضربة ستوحد إيران وشعبها خلف المحافظين.

من هنا يتوجب الإشارة إلى إمكانية تبدو أيضاً معقولة ومنطقية، فهناك احتمال أن تكون جملة التسريبات والتهديدات الإسرائيلية المبطنة هي جزء من حملة دعائية منسقة بين حكومة شارون وإدارة بوش، وتهدف إلى بث الرعب في نفوس قادة إيران، ودفعهم إلى الموافقة على الشروط التي تطرحها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تكون كفيلة بمنع إيران من تطوير السلاح النووي، سيما أن هناك تحولات هامة في مواقف روسيا، والتي عبر عنها تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعه الأخير مع الرئيس بوش في منتجع (كامب ديفيد)، بأن موسكو لن تساعد إيران على امتلاك السلاح الذري، وهناك من يشير إلى حدوث صفقة بين بوش وبوتين، تعهدت بموجبها موسكو بوقف مساعدتها لإيران في تطوير سلاحها الذري مقابل أن تحصل على حصة في مشاريع إعادة إعمار العراق، إلى جانب تسديد الديون التي كانت مستحقة للعراق في عهد صدام حسين لروسيا بشكل تدريجي.

مع كل ذلك فإنه من غير المستبعد أن تذهب حكومة شارون إلى أبعد حد في تعاطيها مع ما تعتبره (الخطر الوجودي الأبرز) الذي يتهدد الدولة العبرية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply