عداوة اليهود وأحداث المسجد الأقصى


 

بسم الله الرحمن الرحيم



الخطبة الأولى:

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله - تعالى- وأطيعوه، واتبعوا أمره ولا تعصوه، وتمسكوا بدينكم القويم، وحققوا إسلامكم، حققوا إيمانكم بربكمº فإن تحقيق الإيمان بالعمل الصالح هو التقوى، وإن مجرد الانتساب أو التسمي بالإيمان بدون قيام والتزام بالواجبات الشرعية وترك المحرمات الدينية لا يجدي شيئاً.

وإن من أبرز علامات الإيمان الحب في الله والبغض في الله، والمولاة والمعاداة من أجل العقيدة الحقة، ومن أجل دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، ولا يرضى من الأديان غيره، فكل دين غير دين الإسلام فهو باطل وغير مقبول عند الله، يقول - سبحانه -: (( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ))، فدين الإسلام هو الحق وما سواه فهو باطل وضلال، فماذا بعد الحق إلا الضلال.

عباد الله: إن عداوة الدين هي أقصى العداوات وأشدها، وهي التي لا هوادة في عداوتها، فكل العداوات قد يرجى زوالها، إلا عداوة من يعاديك من أجل عقيدتك ودينك، إلا أن تتبعه وتسير معه على دينه ومبدأه يقول - تعالى -: (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ))، وكل من كان أبعد عن الحق وأعتق للباطل كانت عداوته لأهل الحق أشد وأبشع، ولهذا كانت عداوة اليهود وعداوة المشركين أشد العداوات للإسلام وأهله، لا يألون جهداً في الوطيئة بالمسلمين في دمائهم وأعراضهم وأموالهم يقول - عز وجل -: (( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ))، فهؤلاء اليهود الذين لعنهم الله وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، ووصفهم بأنهم سماعون للكذب أكالون للسحت، وأنهم قالوا العزير ابن الله، وأن الله ثالث ثلاثة، وقالوا يد الله مغلولة، وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء - تعالى الله وتقدس عما يقول الظالمون علواً كبيراً -.

يقول - عز وجل - في وصفهم: (( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مسبوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثير منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين)).

إن هؤلاء اليهود هذا دأبهم في دابر الأزمان، وهذا دينهم مع سائر الأنبياء والمرسلين وأولياء الله المتقين، إنهم أعداء الإسلام، أعداء العدل والوئام، أعداء المرسلين وعباد الله المؤمنين (( لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمّة وأولئك هو المعتدون )).

كم تكرر منهم العداء على العاملين، وكم تجبروا على المستضعفين، وكم نكسوا أيمانهم، وكم نبذوا مواعيد ومواثيق (( أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ))، لقد استمرؤوا إزهاق الأرواح، واغتصاب الأموال، وانتهاك الحرمات، لقد تجرأوا على حرق المسجد الأقصى والاستهانة به وبشعائر دين الإسلام، وهم يريدون الكره، ويحاولون هدمه ونسفه بين حين وآخر على عباد الله القانتين والقائمين والركع السجود (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار )).

لقد هتكوا بالمسلمين العاملين بغياً وعدواناً، واستهانة بالمسلمين واحتقاراً لهم، وجرحاً لشعور عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

أين المسلمون وحفاظهم على شعائر دينهم، ومقدساتهم ومواطن عبادتهم، وإخوانهم المسلمين المستضعفين؟!! إن الواجب الديني يحتم على كل مسلم العمل بما يستطيع من مناصرة الحق، وجهاد أعداء الله والدين جهاد صدق وحق، جهاداً لله لا لغرض آخر بل لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، جهاداً بالنفس وطلباً للشهادة، جهاداً بالمال وبذله في سبيل الله، جهاداً بالقلم واللسان، جهاداً بالدعوات القلبية ورفع الأكف في الأسحار إلى الله الذي بيده ملكوت كل شيء، الذي يقول للشيء كن فيكون.

ولكن يا عباد الله إن النصر والانتصار لا يتحقق، والدعاء لا يستجاب ما لم يستكمل شرطه وهو الإيمان بالله على الوجه الصحيح، الإيمان الحقيقي الذي وصف - سبحانه - أهله بقوله: (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ))، هذا هو وصف المؤمن الحقيقي الصادق في الإيمان، أما إذا كان الإيمان بالاسم فهذا لا يجزئ شيئاً، والله لا تخفى عليه خافية، فأين الإيمان ممن يعتنق المبادئ الهدامة، ويجري وراء التيارات المنحرفة، ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يحافظ على صلاته وصيامه، ولا يتقيد بالأوامر الإلهية والإرشادات النبوية، لا إيمان يربطه بربه، ولا صلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ولا صدق معاملة مع الله تحميه من الانزلاق في مهاوي الشكوك والارتياب.

فاتقوا الله عباد الله، وحققوا إيمانكم بربكم يحصل لكم الفوز المبين والنصر والتمكين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير)).

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أتم لنا الدين وأكمله، ومنّ علينا باتباع محمد خير خلقه وأفضل رسله، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله - تعالى - حق تقاته، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واعلموا أن أفضل العمل ما كان موافقاً كتاب الله وسنة رسوله، فإن في اتباع هديه الفلاح والسعادة، وفي مخالفته الشقاوة والضلالة، وإن قليل العمل مع السنة خير من كثيره مع البدعة.

عباد الله: إن مما أحدث الناس من الأمور التي ليس لها أصل في الشريعة ما يعتقده البعض من فضيلة العمل في هذا الشهر - شهر رجب -، وزعمهم أن العمل فيه أفضل من غيره، وأن له خصوصية عمل امتاز بها عن بقية الشهور، وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يثبت منها شيء عن رسول الله ولا عن أحد من أصحابه - رضي الله عنهم - أجمعين.

قال ابن حجر - رحمه الله -: \"لم يثبت في شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام أيام معينة منه، ولا في قيام ليلة معينة فيه حديث صحيح يصلح للحجة\"، وقال ابن القيم: \"كل حديث في صيام شهر رجب وصلاة بعض الليالي فهو كذب مفترى\"، وقال الشوكاني - رحمه الله - : \"جميع ما ورد فيه من النصوص إما موضوع مكذوب، وإما ضعيف شديد الضعف\".

فاتقوا الله عباد الله، وامتثلوا أمر ربكم، واهتدوا بهدي نبيكم تفلحوا وتسعدوا.

وصلوا وسلموا على الهادي المنير، والسراج المنير، كما أمركم بذلك ربكم في محكم التنزيل يقول - عز وجل -: (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )).

عباد الله: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظم لعلكم تذكرون)) (( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون )) فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه العظيمة يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply