بسم الله الرحمن الرحيم
كان يعمل راعي الكنيسة الإنجيلية و أستاذ العقائد و اللاهوت بكلية اللاهوت بأسيوط حتى عام 1953، ثم سكرتيراً عاماً للإرسالية الألمانية السويسرية بأسوان، و مبشراً بين المسلمين ما بين المحافظات من أسيوط إلى أسوان حتى عام 1955...حصل على المؤهلات المتخصصة في اللاهوت، فحصل على دبلوم كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة عام 1948، ثم ماجستير في الفلسفة و اللاهوت من جامعة \"برنستون\" بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1952.
و يتحدث \"إبراهيم خليل أحمد\" عن قصة دخوله الإسلام فيقول:
\" في إحدى الأمسيات من عام 1955 سمعت القرآن مذاعاً بالمذياع، و سمعت في قوله - تعالى -:
{قل أوحيَ إليّ أنه استمع نفرٌ من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به و لن نشرك بربنا أحداً} [الجن: 1، 2]
كانت هاتان الآياتان بمثابة الشعلة المقدسة التي أضاءت ذهني و قلبي للبحث عن الحقيقة.. في تلك الأمسية عكفت على قراءة القرآن حتى أشرقت شمس النهار، و كأن آيات القرآن نورٌ يتلألأ، و كأنني أعيش في هالة من النور.. ثم قرأت مرة ثانية فثالثة فرابعة حتى وجدت قوله - تعالى -:
{الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عنده في القرآن و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} [الأعراف: 157]
.. من هذه الآية قررت أن أقوم بدراسة متحررة للكتاب المقدس، و قررت الاستقالة من عملي كقسيس و سكرتير عام للإرساليات الأمريكية بأسوان.
و لما نفذت قراري تآمر عليّ مجموعة أطباء و أشاعوا أنني مختل العقل، فصبرت و صمدت بكل ثقة في الله، فسافرت إلى القاهرة حيث عملت بشركة للمبيعات \"استاندرد ستاشينري\"، و في أثناء عملي بها طلب مني مدير الشركة طبع تفسير جزء عم باللغة الإنجليزية، فتعهدت له بإنجاز هذا العمل، و كان يظنني مسلماً، و حمدت الله أنه لم يفطن لمسيحيتي، فكانت بالنسبة لي دراسة إسلامية متحررة من ثياب الدبلوماسية حتى شرح الله صدري للإسلام، و وجدت أنه لابد من الاستقالة من العمل كخطوة لإعلان إسلامي، و فعلاً قدمت استقالتي في عام 1959 و أنشأت مكتباً تجارياً و نجحت في عملي الجديد.
و في 25 ديسمبر عام 1959 أرسلت برقية للإرسالية الأمريكية بمصر الجديدة بأنني آمنت بالله الواحد الأحد و بمحمد نبياً و رسولاً، ثم قدمت طلباً إلى المحافظة للسير في الإجراءات الرسمية.. و تم تغيير اسمي من \"إبراهيم خليل فيلبس\" إلى \"إبراهيم خليل أحمد\"، و تضمن القرار تغيير أسماء أولادي على النحو التالي: إسحاق إلى أسامة، و صموئيل إلى جمال، و ماجدة إلى نجوى. \"
ثم يلتقط أنفاسه ليعاود سرد قصته و رحلته للإيمان بالإسلام، فيقول عن المتاعب التي تعرض لها:
\" فارقتني زوجتي بعد أن استنكرت عليّ و على أولادي الإسلام، كما قررت البيوتات الأجنبية التي تتعامل في الأدوات المكتبية و مهمات المكاتب عدم التعامل معي، و من ثم أغلقت مكتبي التجاري، و اشتغلت كاتباً بشركة بـ 15 جنيهاً شهرياً بعد أن كان دخلي 80 جنيهاً... و في هذه الأثناء درست السيرة النبوية، و كانت دراستها لي عزاء و رحمة.. و لكن حتى هذه الوظيفة المتواضعة لم أستمر فيها، فقد استطاع العملاء الأمريكان أن يوغروا الشركة ضدي حتى فصلتني، و ظللت بعدها ثلاثة أشهر بلا عمل حتى عينت في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، و ذلك إثر محاضرة قد ألقيتها و كان عنوانها لماذا أسلمت؟ \"
ثم يضحك بمرارة و سخرية و هو يقول:
\" لقد تولت الكنيسة إثارة الجهات المسئولة ضدي، حتى أن وزارتي الأوقاف و الداخلية طلبتا مني أن أكف عن إلقاء المحاضرات و إلا تعرضت لتطبيق قانون الوحدة الوطنية متهماً بالشغب و إثارة الفتن، و ذلك بعد أن قمت بإلقاء العديد من المحاضرات في علم الأديان المقارن بالمساجد في الإسكندرية و المحلة الكبرى و أسيوط و أسوان و غيرها من المحافظات، فقد اهتزت الكنيسة لهذه المحاضرات بعد أن علمت أن كثيراً من الشباب النصراني قد اعتنق الإسلام \"
ثم يصمت في أسى ليقول بعدها:
\" هذا الاختناق دفعني دفعاً إلى أن أقرر الهجرة إلى المملكة العربية السعودية حيث أضع كل خبراتي في خدمة كلية الدعوة و أصول الدين \"
ثم يعود مستدركاً و موضحاً لما سبق أن أشار إليه عن أسباب اعتناقه للإسلام، فيقول:
\" إن الإيمان لابد أن ينبع من القلب أولاً، و الواقع أن إيماني بالإسلام تسلل إلى قلبي خلال فترات طويلة كنت دائماً أقرأ القرآن الكريم و أقرأ تاريخ الرسول الكريم و أحاول أن أجد أساساً واحداً يمكن أن يقنعني أن محمداً هذا الإنسان الأمي الفقير البسيط يستطيع وحده أن يحدث كل تلك الثورة التي غيرت تاريخ العالم و لا تزال.
استوقفني كثيراً نظام التوحيد في الإسلام و هو من أبرز معالم الإسلام: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11]، {قل هو الله أحد (1) الله الصمد} [الإخلاص: 1، 2] \".. و يرفع رأسه متأملاً في السماء و يقول:
\" نعم.. التوحيد يجعلني عبداً لله وحده، و لست عبداً لأي إنسان... التوحيد هنا يحرر الإنسان و يجعله غير خاضع لأي إنسان، و تلك هي الحرية الحقيقية، فلا عبودية إلا لله وحده.. عظيم جداً نظام الغفران في الإسلام، فالقاعدة الأساسية للإيمان تقوم على الصلة المباشرة بين العبد و ربه، فالإنسان في الإسلام يتوب إلى الله وحده، لا وجود لوسطاء، و لا لصكوك الغفران أو كراس الاعترافº لأن العلاقة مباشرة بين الإنسان و ربه \".
و يختتم كلامه و قد انسابت تعابيره رقراقةً:
\" لا تعلم كم شعرت براحة نفسية عميقة و أنا أقرأ القرآن الكريم فأقف طويلاً عند الآية الكريمة: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ, لرأيتَه خاشعاً متصدعاً من خشية الله} [الحشر: 21]
كذا الآية الكريمة:
{لتجدنَّ أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا و لتجدنَّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين و رهباناً و أنهم لا يستكبرون (82) و إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} [المائدة: 82، 83]
لذلك كله اتخذت قراري بإشهار إسلامي، بل عليّ القيام بالدعوة للدين الإسلامي الذي كنت من أشد أعدائه، يكفي أنني لم أدرس الإسلام في البداية إلا لكي أعرف كيف أطعنه و أحاربه، و لكن النتيجة كانت عكسية فبدأ موقفي يهتز و بدأت أشعر بصراع داخلي بيني و بين نفسي، و اكتشفت أن ما كنت أبشر به و أقوله للناس كله زيف و كذب \".
----------------------------------------
مجلة الدعوة ـ عدد أكتوبر 1976 (بتصرف)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد