بسم الله الرحمن الرحيم
تاسعا عقيدة الخلاص
تعتبر عقيدة الفداء والخلاص مفتاح جميع العقائد النصرانية، فهي أهم ما يبشر به النصارى، ولتحقيقها وضع النصارى المسيح - الذي أنجاه الله على الصليب، وليتحقق الفداء على صورة ترضي الإله العظيم جعلوا المصلوب إلهاً، حتى يساوي الفادي المثمن العظيم، وهو نجاة البشرية وخلاصها من الخطيئة والدينونة، وهو ما عبر عنه بطرس بقوله: \" عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى: بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حَمَلٍ, بِلاَ عيب، ولا دنس، دم: المسيح \" (بطرس (1) 1/18 - 19).
وقبل أن نلج لنقض هذا المعتقد نتعرف على معتقدات الفرق النصرانية المختلفة في هذه القضية الهامة. لنعرف مقصدهم في الخلاص، ولمن يبذلونه، وعمن يمنعونه، إلى غير ذلك من المسائل المتعلقة بهذه القضية والتي يتوقف على إثباتها مصير آلاف الملايين من البشر في عصرنا وسائر العصور.
الخلاص عند الكاثوليك والأرثوذكس:
اختلف النصارى في تحديد الذنوب التي يشملها الخلاص، والعباد الذين يستحقون هذا الفضل، فالكاثوليك والأرثوذكس يرون أن الخلاص لا يشمل جميع الذنوب، إنما يشمل الخطيئة الأصلية، وكما يقول أوغسطينوس: بعد الفداء عادت للبشرية حريتها وإرادتها التي سلبتها بذنب آدم، فإذا ما أتى المتعمد ذنباً بعد معموديته فسيعود مستحقاً للعذاب الدائم إن كان الذنب كبيراً.
أما إن كان الذنب صغيراً فيكون عذابه في \" المطهر \" الذي يعذب به المؤمنون ردحاً من الزمن حتى يخلصوا من القصاصات التي عليهم.
يقول عن عذاب المطهر كتاب مختصر التعليم المسيحي الصادر عن الجمعية الكاثوليكية للمدارس المصرية: \"المطهر هو عذاب تطهر فيه نفوس الأبرار قبل دخولها السماء...الذين يعذبون بالمطهر هم الذين يموتون في النعمة إلا أنهم لا يخلون من الخطايا العرضية، أولم يوفوا بالتمام القصاصات الزمانية عن خطاياهم المميتة المغفورة... إن عذاب المطهر هو أشد من كل عذاب مدة الحياة.. إلى أن يوفوا تماماً ما عليهم من القصاصات\".
ودليل الكاثوليك في هذه العقيدة وهو ما جاء في مرقس: \" كل واحد يملح بالنار، وكل ذبيحة تملح بالملح \" (مرقس 9/49) فهو عذاب يشمل كل مؤمن عليه قصاصات.
صكوك الغفران للخلاص من القصاصات:
وقد ظهرت بدعة صكوك الغفران كعلاج لعذاب المطهر في المجمع الثاني عشر المنعقد في روما سنة 1215م وقرر فيه أن \" الكنيسة البابوية تملك الغفران وتمنحه لمن تشاء \".
وقد استندت الكنيسة لهذا المعتقد لعدد من النصوص منها \" أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات\" (متى 16/18 - 19)، ولما كانت الكنيسة تعتبر نفسها وارثة لبطرس ورثت أيضاً هذا السلطان.
وأيضاً يقول يوحنا بأن المسيح قال لتلاميذه: \" من غفرتم للناس خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت \" (يوحنا 20/23)
فقد ورثوا دور المسيح الوسيط الذي وصفه بولس: \" يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح \" (تيموثاوس (1) 2/5).
وقد ووجه قرار المجمع باحتجاجات طويلة من الذين رفضوا أن يكون قرار الغفران بيد رجال الكهنة الخاطئين. كيف لهؤلاء أن يمنحوا الخلاص والغفران؟
وفي عام 1869م صدر قرار يفيد عصمة البابا خروجاً من هذه الاحتجاجات وغيرها، وقد ظهر بعد انتشار صكوك الغفران ما أسمته الكنيسة بالتعويض السري ويشرحه \" معجم اللاهوت الكاثوليكي \" فيقول: \" الإنسان يخضع لهذه المراحل التطهيرية، إذ يموت مبرراً بالنعمة، بمقدار ما تكون حالة العقاب (المستحق) لا تزال موجودة فيه، ولم تزل بزوال الخطايا بالغفران يوم التبرير، وبمقدار ما بالإمكان أن تزيل هذه الحالة عقوبات تعويضية... فإذا لم نتم التعويض السري بعد أن نكون قد أكدنا إرادتنا كلياً للتعويض يظل السر صحيحاً، إنما يجب أن نقوم بذلك التعويض محتملين نتائج الحقيقة الأليمة \".
- وصكوك الغفران التي بقيت الكنائس تصدرها ردحاً طويلاً من الزمن فقد كانت أحد أسباب وجود البروتستانت وانشقاقهم عن الكنيسة الكاثوليكية.
وهي نوع من وثنية النصارى، فالغفران فتح لأبواب الجنة وتحديد لمصير البشر، وعليه فإن هؤلاء الذين يملكونها غدوا في الحقيقة آلهة أخرى تضاف إلى التثليث الذي يقولون به.
والتأمل في صورة الحصول على الغفران التي اعتمدتها الكنيسة يمجها، حيث يجلس التائب أو التائبة في خلوة بين يدي رجال الكهنوت المتبتلين والممنوعين من الزواج، فتقص الفاجرة قصة فجورها بين يديه، ومعلوم ما يسبب ذلك من الفتنة والفساد البغاء.
وأما الصيغة الأخرى للحصول على الغفران والمتمثلة بدفع المال لرجال الكهنوت فهي نوع من الامبريالية في الدين إذ الذي لا يجد من المال ما يشتري به صك غفران، فليس عليه إلا أن يهيئ نفسه لدخول النار، وبئس القرار، لأن الجنة - بمقتضى هذا المنطق المعكوس، والفهم المنكوس - ستكون مخصصة للأغنياء فقط.
إذاً فالفداء عند الكاثوليك والأرثوذكس يتلخص بقول هنري أبو خاطر: \" هو تجسد الإله لتخليص البشرية من شوائب الخطيئة الأولى \".
ولولا فداء المسيح لهلك الجميع كما هلك السابقون للمسيح ومنهم الأنبياء الذين كما يقول بولس سلامة في كتابه \" مع المسيح \" كانوا في \" أليمبس - أي جهنم - مقر لأرواح الصالحين الأبرار الذين أوصدت في وجههم أبواب السماء، بسبب خطيئة آدم الأولى، فلبثوا حتى مجيء آدم الثاني، أي المسيح \".
ويقول عوض سمعان عن موسى - عليه السلام -: \" ومهما كانت عظمة موسى فإنه لولا نعمة المسيح له، لكان قد هلك واستحق عقاباً أبدياً على خطيئته \".
الخلاص عند البروتستانت:
أما البروتستانت فيرون الفداء أوسع من ذلك بكثير، إذ يرونه يشمل كل الخطايا، كما يشمل كل الناس مؤمنهم وكافرهم.
يقول جورد فورد في \" نور العالم \": \" العاقل يعلم أن شروط الخلاص والهلاك أجلٌّ وأعدل من أن تكون مذهبية، أو تتنوع باختلاف الشعوب والنحل \".
ويقول أنيس شروش في مناظرته لديدات: \" يسوع الناصري، هو الذي حقق هذه النبوءة، وذلك بالموت نيابة عن الخطاة، كل الخطاة، وليس فقط آدم وحواء \".
ويقول أيضاً: \" الخلاص ليس للمسلمين، ولا لليهود، ولا للآخرين، إنه لنا جميعاً، إن الله يحبنا، لقد أصبح الله ابناً، وأصبح الابن إنساناً، وهكذا أصبحنا نحن كبشر أبناء الله \".
ويقول العالم البروتستانتي ترثون: \" نحن نجتاز نحو مبدأ الكفارة، تلك هي أن المسيح قد أصبح إلى حد ما بمعنى الفداء عن الخطيئة، ومن ثم فقد صالح الله الأب الإنسان الخاطئ، \" لأنه إن كنا ونحن أعداء، فقد صولحنا مع الله بموت ابنه \" (رومية 5/10).
نصوص الخلاص:
وتختلف النصوص الإنجيلية في حدود الخلاص الذي حصل بسبب المسيح هل هو عام لكل البشر أم خاص بالمؤمنين بقيامة المسيح؟ أم بالمؤمنين بأن المسيح ابن الله؟
وهل هو عن ذنب آدم فقط أم عن جميع الذنوب التي سبقت صلب المسيح؟ أم عن الذنوب التي يرتكبها العبد بعد التعميد؟ أم لجميع الذنوب حاضرها ومستقبلها؟
لتوضيح هذا التخبط نعرض نماذج لهذه النصوص، يقول بولس عن المسيح: \" هو وسيط عهد جديد لكي يكون المدعوون - إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول - ينالون وعد الميراث الأبدي \" (عبرانيين 9/15) فجعل بولس الخلاص إنما هو من ذنب آدم فقط.
ولكنه في موضع آخر يجعل الخلاص أوسع من ذلك، فيقول: \" المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله، لإظهار بره في الزمن الحاضر ليكون باراً، ويبرر من هو من الإيمان بيسوع \" (رومية 3/24-25)، فقد جعل الخلاص خاصاً بالخطايا التي سبقت المسيح، وشرطه بالإيمان بالمسيح. ومثله ما جاء في مرقس: \" من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن \" (مرقس 16/16).
وفي موضع آخر يجعل بولس الخلاص للجميع، لجميع البشر، فيقول عن المسيح \" بذله لأجلنا أجمعين \" (رومية 8/32) ويوضحه قول يوحنا: \" يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً \" (يوحنا (1) 2/2) ويؤكده قوله: \" نشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم \" (يوحنا 4/14) فجعل الخلاص عاماً لكل الخطايا، ولكل البشر، مخالفاً قول بطرس: \" كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا \" (أعمال 10/43) فقد قيد الخلاص بالمؤمنين به.
فيما جعل بولس في مكان آخر الخلاص على درجات يتفاوت فيها حتى المؤمنون به يقول: \" قوة الله للخلاص لكل من يؤمن، لليهودي أولاً، ثم لليوناني \" (رومية 1/16).
ويشترط بولس للخلاص الإيمان بأبوة الله للمسيح، ويضيف شرطاً آخر هو الاعتراف القلبي بقيامة المسيح من الأموات فيقول: \" إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت \" (رومية 10/9).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد