خوارج العصر أصولهم وسماتهم العامة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أول الخوارج وأصلهم وأقبحهم حالاً هو ذو الخويصرة التميمي الذي قال عنه ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -: فهذا أول خارجي خرج في الإسلام وآفته أنه رضي برأي نفسه ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله.وبدعة الخوارج هي المثل الواقعي الحيّ على أن الإخلاص وحده لا يكفي في صحة العمل، وصلاح المنهجº بل يلزم مع الإخلاص متابعة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعدم الخروج على فهم السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - أجمعين.



تعتبر بدعة الخوارج أول بدعة حدثت في الإسلام، قال الإمام ابن تيمية:

كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع \" الخوارج المارقون \" وقد صح الحديث فيهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عشرة أوجه أخرجها مسلم في صحيحه، وخرج البخاري منها غير وجه. وقد قاتلهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أمير المؤمنين عليٍّ, - رضي الله عنه - ولم يختلفوا في قتالهم (1).

لقد تميزت الخوارج عن الفرق الأخرى أنهم قوم فيهم إيمان وشدة إخلاص لله، وكانوا قومـًا ذوي عبادة ربما فاقت في بعض صورها عبادة الصحابةº ولكن لجهلهم ولغلوهم ضلٌّوا سبيل الهدى، ووقعوا فيما وقعوا فيه لما ظنوا أنهم أعلم من الصحابة، وقد اتفقت كلمة الأمة على ضلالهم ووجوب قتالهم، كما فعل عليٌّ - رضي الله عنه - ومن معه من الصحابة الأطهار الأبرار.



أصول الخوارج ومنهجهم:

يمكن ذكر بعض أصولهم ومنهجهم الفاسد في هذه النقاط:

1. الأخذ بظواهر النصوص القرآنية وبمقتضى فهمهم، وما تمليه لهم عقولهم، دون فقه أو اعتبار لفهم السلف والعلماء التابعين لهم بإحسان، لذلك فهم يأخذون نصوص الوعيد والتخويف، ويتركون نصوص الوعد والرجاء.



2. شعارهم الذين باينوا به الأئمة وفارقوا جماعة المسلمين: \" لا حكم إلا لله \"، \" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون \".

وقد كان أول خروج الخوارج مسألة التحكيم، وتكفير من فعلها وشارك فيها، ثم أخذت تتزايد فيهم البدع حتى كفروا أهل الكبائر، وجعلوهم في النار مخلدون إذا لم يتوبوا، ومالوا إلى التكفير باللوازم، وتكفير من لم يكفر على طريقتهم، والخروج على جماعة المسلمين ومعاملتهم معاملة الكفار في الدار والأحكام حتى استحلوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم.



3. دعواهم بالقدرة على الاجتهاد مع أنهم ليسوا من العلماء المؤهلين ولا طلبة العلم الموثوقين، بل الأدهى أنهم حصروا الحق بأنفسهم ومن يوافقهم دعواهم، أما العلماء الذين يخالفونهم فقد أعرضوا عنهم ونزعوا الثقة بهم ورموهم بالحرص على الدنيا والإنهزامية والمداهنة وعلماء السلطان، وأشد من ذلك من الإثم والبهتان.



4. صرف نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى منازعة الأئمة والخروج عليهم، ومنابذة وقتال مخالفيهم، وسلوك منهج المعتزلة وأهل الأهواء في ذلك.



5. رفع شعار عدم العذر بالجهل مطلقاً على اعتبار أن الجهل بمقتضيات \" لا إله إلا الله \" ولوازمها إنقطعº إما بالميثاق الأول، أو بدليل الفطرة أو العقل.



6. الخوض في المسائل الكبرى والقضايا الخطيرة، ومصالح الأمة العظمى التي لا يبت فيها إلا العلماء المعتبرون، والراسخون، وأهل الحل والعقد في الأمة، مثل تكفير الأعيان والهيئات، والخوض في البيعة والخروج ونحو ذلك.



7. غرس الغل، وشحن القلوب على المخالفين، ومن ذلك شحن قلوب الصغار والنساء والعوام والغوغاء الذين ليس لهم حل ولا عقد، مما يفسد ذات البين، ويفتح باب الغوغائية والفتن التي تفسد الدين، وتهلك الحرث والنسل.



8. إهمال جانب المناصحة لولاة الأمر والتخذيل عن ذلك، أو أخذ طريق مخالف لمنهج السلف في ذلك، من استغلال المنابر والخطب في التشهير بالمعاصي والعيوب وأصحابها، والتهييج وإثارة العامة.



9. نزعة العنف واستعمال القوة، بما في ذلك اللجوء إلى الأعمال الإرهابية غير المشروعة في سبيل النكاية بالمخالف كالوشاية والإستعداء والبهتان والمقاطعة، وقد يصل الأمر عند بعضهم إلى الضرب والإضرار المباشر.



10. الخطأ والجهل في منهج الاستدلال، ومنه الاستدلال بالنصوص على غير ما تدل عليه وعلى غير قواعد شرعية، وإنزال النصوص على غير ما تدل عليه، والجهل بفهم السلف الصالح وتفسيرهم للأدلة، وعدم مراعاة قواعد الاستدلال من حيث: العموم والخصوص أو الإطلاق والتقييد والنسخ ونحو ذلك، وعدم اعتبار قواعد المصالح والمفاسد ونحو ذلك.



11. اهتمامهم كثيراً بأصول الفقه فيما يخدم آراءهم مع جهلهم مقتضيات هذه الأصول.



12. تصدر حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام منهم لأمور الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بلا علم ولا فقه ولا تجربة ولا رجوع إلى العلماء.



13. التدخل فيما يتخذه ولاة الأمر من قرارات ومعاهدات لمصلحة رعاياهم، و التحدث في ذلك عند العامة، والدهماء، وإثارة الإشاعات والتحليلات بغير علم ولا بصيرة ولا معرفة بقواعد المصالح والمفاسدº مما له من أثر سيئ في إثارة الإشاعات والفتن، وطريق لنزع يد الطاعة.



14. مخالفة العلماء وما أجمعوا عليه من أسلوب في الطاعة و المناصحة.



أما عن بعض سماتهم العامة فيمكن أن تلخص فيما يلي:

1. ظهور سيما الصالحين عليهم، وكثرة العبادة كالصلاة والصيام، وأعمال البر والخير، وتشمير الثياب والإجتهاد في العبادة، حتى ترى فيهم أثر السجود، وترى وجوههم مسهمة من السهر، يكثر فيهم الورع على غير فقه، والزهد، مع التشدد والتنطع في الدين.



2. كثرة أتباعهم من حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام وجهلة القراء، والأعراب، مع ضعف الفقه في الدين، وقلة الحصيلة من العلم الشرعي لدى رؤوسهم.



3. الغرور والتعالم والتعالي على العلماء، والوقوع فيهم بالطعن واللمز والتكفير، والتعجل في إطلاق الأحكام الجائرة على المخالفين بدون تثبت أو خوف أو حياء.



4. القوة والخشونة والجلد والجفاء والغلظة في الأحكام والتعامل والقتال والجدال، مع قصر النظر وضيق العطن وقلة الصبر، واستعجال النتائج.



5. سرعة التقلب واختلاف الرأي وتغيره تأثراً بالعواطف، لذلك يكثر تنازعهم وافتراقهم فيما بينهم، وإذا اختلفوا تفاصلوا وتقاتلوا.



6. استهانتهم ببعض أصول التوحيد: كعدم البراءة من أهل البدع والمخالفات وموالاتهم، والعيش بين ظهراني المشركين والنصارى والاحتماء بهم، والدعوة إلى الإجتماع البدعي الذي يجمع أهل السنة والجماعة والقبوريين والأشاعرة تحت شعار التجميع وعدم التفريق، مع المبالغة في الأخذ بأحكام الولاء والبراء من غير فقه ولا بصيرة بل حسب الهوى والرغبةº وذلك عندما يريدون تأييد باطلهم أو تكفير مخالفهم.



7. اللجوء إلى التقية والإمعان في السرية، لأن أفكارهم تصادم ما عليه أهل العلم وسائر المسلمين، مع رفع شعارات الالتزام بالسنة والجماعة والتبعية لأئمة ومشاهير السلف كابن تيمية وتلاميذه والشاطبي ومشايخ الدعوة النجدية.



8. الحكم على المجتمعات الإسلامية بأنها مجتمعات جاهلية، وإطلاق التكفير على كل من حكم بغير ما أنزل الله دون تفصيل، وتكفير من لم يكفر مثلهم.



9. منهم من أوجب الهجرة والعزلة، ومن ذلك هجر مساجد المسلمين وترك الصلاة بها، وترك الجمعة بحجة عدم وجود إمام مسلم.



10. استحلال الدماء والاغتيالات والعمليات الإرهابية للمخالفين لهم، أو ممن كانوا معهم وأرادوا تركهم فهؤلاء يعتبرونهم مرتدين يحل قتلهم.



11. سرعة الاستجابة للفتن والتصرفات الغوغائية، والجمهرة والتداعي عند كل صيحة، دون الرجوع لأهل العلم والحلم والفقه والرأي.



12. سوء الأدب والجفاء - تديناً مع من يجب احترامهم وتوقيرهم كالعلماء والوالدين والأخوة وكبار السن والمعلمين والجيران والزملاء، وأهل الاعتبار من الأمراء والولاة وذوي الهيئات والمسؤولين.



13. إدمان الكلام والثرثرة في مالا شأن للعامة فيه من السياسة والمظالم والأثرة، ونحو ذلك مما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالصبر عليه، وعدم التدخل فيهº مما لا يمكن معالجته إلا مع ذوي الشأن وأهل الحل والعقد في الأمة من العلماء والولاة، وأهل الرأي والمشورة.



14. الوقوع في الكثير من المخالفات من التشبه بأعداء الدين في المظهر واستخدام الوسائل البدعية للدعوة، ومساويء الأخلاق من الغش والكذب والسب والمكر، وخلف المواعيد وغير ذلك من المنكرات بل وإستحلالها تحت غطاء مصلحة الدعوة.

وفي الجملة هذه بعض السمات التي قد توجد في طائفة أو جماعة أو فرد، وتقل في آخرين، ولو تتبعناها بصورة أدق وأكثر لصعب حصرها.



ـــــــــــــــــــ

الهوامش:

1. الفتاوى 3/349.

2. العقل / الخوارج مناهجهم وسماتهم ـ ص 99 107 باختصار وتصرف كبير.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply