بسم الله الرحمن الرحيم
- ثانياً: الخلوة والعزلة
من معالم منهج التزكية عند الصوفية -الخلوة والعزلة-، وذلك أن المريد الصوفي يسلك السبيل إلى الله عز وجل، والطريق لا يخلو عادة من معوقات ومكدرات، فانتهج الصوفية سبيل الخلوة والعزلة لتخليص المريد من الآفات القلبية والسلوكية ليرتقي في درجات الوصول إلى الله تعالى - بزعمهم، ولندعهم يوضحون لنا ما هي الخلوة وما حكمها وما أهميتها للمريد وما هي الآثار المترتبة عليها؟
1- تعريف الخلوة:
جاء في تهذيب خالصة الحقائق 1/387: في الخلوة: الحد: قال حكيم: الخلوة ترك اختلاط الناس وإن كان بينهم، وقال عالم: الخلوة الخلو عن جميع الأذكار إلا عن ذكر الله تعالى، وقيل: الخلوة محافظة الحواس وترك الاستئناس بالناس، وقيل: الخلوة المفارقة عن النظر والأقران قلباً وقالباً، وقال حكيم: الخلوة الأنس بالذكر والاشتغال بالفكر.
وحيث إن هذه التعريفات لا توضح المراد بالخلوة بشكل دقيق، فلندع أحد معاصري الصوفية يوضح لنا حقيقتها، قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص242: >فالخلوة إذن انقطاع عن البشر لفترة محدودة، وترك للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التي لا تنقطع، ثم ذكر لله تعالى بقلب حاضر خاشع وتفكر في آلائه تعالى آناء الليل وأطراف النهار، وذلك بإرشاد شيخ عارف بالله، يعلمه إذا جهل ويذكره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع الوساوس وهواجس النفس.
فالخلوة بناء على هذا التعريف تتناول ثلاثة أمور:
الأول: انقطاع عن الناس.
الثاني: ملازمة الذكر، وخاصة الذكر باللفظ المفرد وهو: : >الله، الله<.
الثالث: إرشاد شيخ عارف بالله تعالى، كما قال زروق في قواعده ص77 ولكنها بلا شيخ مخطرة!!
فهي طريق للتزكية والتربية مهم عند الصوفية له شروط وضوابط، وليس كما يتبادر إلى الذهن أنها مجرد اجتناب الرذائل والخواطر السيئة وإنما الأمر أبعد من ذلك.
وقد فرق البعض بين العزلة والخلوة كما جاء في دائرة المعارف 7/457 : الخلوة عند بعض الصوفية هي العزلة، وعند بعضهم غير العزلة، فالخلوة من الأغيار والعزلة من النفس وما تدعو إليه ويشغل عن الله، فالخلوة كثيرة الوجود، والعزلة قليلة الوجود، فعلى هذا العزلة أعلى من الخلوة.
وقال أحمد زروق في قواعد التصوف ص77 القاعدة -114-: الخلوة أخص من العزلة، وهي بوجودها وصورتها نوع الاعتكاف ولكن لا في المسجد وربما كانت فيه، وأكثرها عند القوم لا حد لها، ولكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى عليه السلام؟!! والقصد في الحقيقة الثلاثون، إذ هي أصل المواعدة وجاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهرا.
والخلوة عند الصوفية نوعان:
خلوة عامة: ينفرد بها المريد ليتفرغ لذكر الله تعالى بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن الكريم أو محاسبة نفسه أو ليتفكر في خلق السموات والأرض.
وخلوة خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشد مأذون يلقن المريد ذكراً معيناً ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المكون!! -حقائق عن التصوف 268-.
2- أهمية الخلوة:
يقول القشيري في رسالته المشهورة في علم التصوف 101: إن الخلوة صفة أهل الصفوة، والعزلة من أمارات الوصلة، ولابد للمريد في ابتداء حاله من العزلة عن أبناء جنسه، ثم في نهايته من الخلوة لتحقق بأنسه.
ويقول ابن أبي جمرة: الأولى بأهل البادية الخلوة والاعتزال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره يخلو بنفسه.
والخلوة عند الصوفية طريق للتلقي عن الله تعالى وحصول الفتوحات الربانية والفيوض الإلهية، إذ إن الإلهام والكشف عن مصادر التلقي المعتبرة عند الصوفية التي خالفوا فيها منهج أهل السنة والجماعة وأصول الفقه الإسلامي التي تستمد منها الأحكام العقدية والعملية.
جاء في حقائق عن التصوف ص 261 وفي إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص85: >قال أبوالحسن الشاذلي: ثمار العزلة الظفر بمواهب المنهج، وهي أربعة: كشف الغطاء!! وتنزل الرحمة، وتحقيق المحبة، ولسان صدق في الكلمة.
وقال زروق في قواعده عن الخلوة ص77: >والقصد بها تطهير القلب من أدناس الملابسة، وإفراد القلب لذكر واحد وحقيقة واحدة ولكنها بلا شيخ مخطرة وله فتوح عظيمة!! وقد لا تصلح لأقوام فليعتبر كل أحد بها حاله .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد