باب لا يتزوج أكثر من أربع


 بسم الله الرحمن الرحيم

قال البخاري - رحمه الله تعالى -: باب لا يتزوج أكثر من أربع لقوله - تعالى -: مَثنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وقال علي بن الحسين - عليهما السلام -: يعني مثنى أو ثلاث أو رباع.

وقوله جل ذكره: أُولِي أَجنِحَةٍ, مَثنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ º يعني مثنى أو ثلاث أو رباع.

قال: أبو عبد الله حدثنا محمد أخبرنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة -رضي الله - تعالى -عنها- وَإِن خِفتُم أَلَّا تُقسِطُوا فِي اليَتَامَى قالت: هي اليتيمة تكون عند الرجل وهو وليهاº فيتزوجها على مالها ويسيء صحبتها ولا يعدل في مالهاº فليتزوج ما طاب له من النساء سواها مثنى وثلاث ورباع.

 

أحل الله - تعالى -للرجل أن يتزوج واحدة، وإن شاء تزوج اثنتين، وإن شاء تزوج ثلاثا، وإن شاء أربعة، ولا يزيد على الأربعº وذلك لأنه قد يشق عليه العدل والتسوية فيما زاد على الأربع، فجعل له هذا الحد.

دليل ذلك هذه الآية وهي قوله - تعالى -: وَإِن خِفتُم أَلَّا تُقسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ المعنى: ثنتين أو ثلاث أو أربع، وتكون الواو بمعنى أو أي: لا تنكحوا أكثر من أربعº فإن خفتم أن لا تعدلوا بين الثنتين فاقتصروا على واحدة: فَإِن خِفتُم أَلَّا تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً.

إنما يباح له الزيادة على الواحدة إذا وثق بأنه سوف يعدل بينهنº يعدل في القسم، ويعدل في النفقة، ويعدل في المبيت وفي الجلوس عندهن ونحو ذلك من الأشياء الظاهرة، وأما القلب فلا يستطيع العدل فيهº فإن القلوب بيدي علام الغيوب.

استثني من ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأحل الله له أكثر حيث جمع بين تسع، وهذا من خصائصهº ولذلك قال الله - تعالى -: خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ قَد عَلِمنَا مَا فَرَضنَا عَلَيهِم فِي أَزوَاجِهِم أي: قد أعلمناهم وأخبرناهم بما فرضنا، حيث حددنا لهم أربعة.

ودليل أن هذه الآية تدل على الأربع قوله - تعالى -: جَاعِلِ المَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجنِحَةٍ, مَثنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ أي: أن الملائكة لهم أجنحة فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، وليس المعنى: أن هذا للحصر، وقد ورد أن جبريل له ستمائة جناحº ولكن هكذا أخبر الله أن منهم من أُولِي أَجنِحَةٍ, مَثنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ أي: اثنين وثلاثة وأربعة.

فالحاصل أن الله - تعالى -أباح للرجال أن يتزوجوا الأربع أو أقل بشرط العدلº وذلك لأن الواحدة قد لا تعف الرجلº فإنه بحاجة إلى من يعفهº الواحدة قد يعتريها مرض، ويعتريها سفر ويعتريها حيض ونفاس وما أشبه ذلكº فأبيح له أن يتزوج اثنتين، وقد لا تعفه اثنتان فيتزوج ثلاثا، وقد لا تعفه ويحتاج إلى أربع.

وقد يكون قصده من الزوجتين أو الثلاث أن يعف الزوجتين، فقد يكون هناك زوجة متأيمة أو مترملة ليس لها زوجº فيحسن إليها ويضمها إليه ويتزوجها، فكونها مع ضرة واحدة أو اثنتين خير لها من أن تبقى أيما ليس لها من يضمها ولا من يعفهاº فيحسن إلى نفسه وكذلك إلى تلك المرأة أو أولئك النساء.

كذلك أيضا قد يرغب في الأولادº قد لا تنجب زوجته الأولى أو يكون أولادها إناثا فيحب أن يتزوج، قد يحب كثرة الأولاد الذين ينفعونه في حياته وبعد مماتهº فله أن يتزوج إلى هذا العدد.

كانوا في الجاهلية يتزوجون بغير عدد، فذكروا أن غيلان أسلم وعنده عشرº فقال له - صلى الله عليه وسلم - اختر أربعا وفارق سائرهن فاختار منهن أربعة، فجاء الإسلام بالاقتصار على أربع.

وذلك لا شك من محاسن الإسلامº فالناس الآن -يعني- الجاهليون يبيحون عددا كثيرا، وفي ذلك ضرر على الزوج حيث لا يستطيع العدل، وفيه أيضا ضرر على النساء حيث إنه لا يعدل بينهن، بل يبقى كثير منهن يلاقين من صعوبة ويلاقين غبنا إذا رأته هذه يميل مع الأخرى أو لا يأتيها إلا بعد مدة طويلة، وأما الجاهلية فإنهم يأخذون بلا عدد فنهى الله - تعالى -عن ذلك.

جاء في هذه الأزمنة هؤلاء المقلدون، المغرمون بما يقوله الكفار وأعداء الله، فقالوا: لا يجوز للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة، وقاسوه على المرأةº قالوا: كما أن المرأة لا يكون لها زوجان، فالرجل لا يكون له زوجتان، وصاروا يعاقبون من يتزوج زوجة أخرىº فيخالفون الشرع الذي أباح الله فيه الزواج بالأربع، ويمنعون ما أحل اللهº فيحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله.

دليل ذلك من السنة الحديث الذي قد تقدم، قالت عائشة في قول الله - تعالى -: وَإِن خِفتُم أَلَّا تُقسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ تقول: هو الرجل تكون عنده اليتيمة فيرغب في مالها وجمالها ولا يقسط لها لا يعطيها حقها ولا يعدل معها احتقارا لهاº فنهوا عن ذلك، وقيل لهم: إذا خفتم من الميل ومن الجور ومن الظلم في اليتامى فاعدلوا عنهم وانكحوا غيرهن انكحوا اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، ولا تظلموا هذه اليتيمة، فذكرت عائشة أن للرجل أن يتزوج إلى أربع أخذا من هذه الآية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply