بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
حيث أن الصوفية انقسمت إلى طرق كثيرة، فقد آثرنا أن نتناولها بشيء من التفصيل، ذلك أن كل واحدة من الطرق أو المشيخات الصوفية صار لها أذكار وأوراد وطريقة في الحضرة مستقلة عن الطرق الأخرى، رغم اتفاقها في أصول التصوف، وإيمانهم جميعاً بعقائد ومبادئ التصوف.
وتتناول هذه السلسلة أهم الطرق التي ما زال لها وجود في الوقت الحاضر، بحيث سيتم تجاهل الطرق الصوفية التي ظهرت في وقت ما ثم اندثرت، وسنتبع في سردنا لهذه الطرق التسلسل التاريخي، حسب مولد ووفاة مؤسس كل طريقة، أو الشخص الذي تنسب إليه.
وفي البدء نعرض توضيحاً موجزاً لما تدل عليه \"الطريقة الصوفية\":
مفهوم الطريقة:
في اللغة تطلق الطريقة على مذهب الشخص وحاله. و\"طريقة الرجل مذهبه. يقال: ما زال فلان على طريقة واحدة أي حالة واحدة\" ([1]).
أما \"الطرق الصوفية\" ـ موضوع بحثنا ـ فقد اعتبرها المتصوفة أنها \"الطريق التي توصلهم إلى الله\" أو \"السيرة المختصة بالسالكين إلى الله\"([2]). لكن التعريفين السابقين يجانبان الحقيقة، ذلك أن الطرق الصوفية التي تعتبر مرتعاً للبدع لا يمكن أن تكون طريقاً موصلاً إلى الله - سبحانه وتعالى -. إنما الطريق الموصلة إلى الله - سبحانه - التي تلتزم بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - على فهم سلف الأمة، وهو ما تفتقده الطرق الصوفية.
وقد ورد بموازاة ذلك عدد من التعريفات للطرق الصوفية نذكر منها:
1ـ \"الطريقة أصلاً مجموعة من الرسوم والقواعد يضعها مشايخ كل طريقة بحيث تختلف عن غيرها من رسوم وقواعد الطرق الأخرى، وبذلك تتمايز فيما بينها بحسب غاياتها ومقاصدها وفلسفاتها\"، \"وتتفق جميعها في أن هناك فيما بينها أصولاً مرعية، وزياً يأخذون به بحسب الطريقة، وأذكاراً يرددونها، وقد يصاحبونها بالإيقاعات بالصفقة، أو حركات البدن، أو الدق على النحاس، والموسيقى عموماً، وضرورة تلقي المريد من أحد المشايخ\"([3]).
2ـ يذهب الأستاذ البحاثة محمود عبد الرؤوف القاسم في كتابه القيم \" الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ \" إلى أن الطرق الصوفية لا يصلح أن يطلق عليها اسم طرق \"وإنما هي مشيخات أخذت أسماءها من أسماء مشايخها الذين كان وما يزالون حولهم المريدين والسالكين ليحصلوا بذلك على المدد، أي: الأموال التي تنهمر عليهم، إما من المريدين مباشرة، أو بسبب هؤلاء المريدين\"([4]).
3ـ ويبين الدكتور عبد الله السهلي أن تعريف الطريقة يختلف بحسب العصر الذي وجدت فيه، ففي القرنين الثالث والرابع الهجريين كان معنى الطريقة: (\"شيخ له طريقة معينة يلتف حوله المريدون\")...إلاّ أن هذا المعنى للطريقة اختلف عبر القرون لتطور تطبيق الصوفية له، \"فقد أصبحت الطريقة بعد القرن السادس لها بيعة معينة وأوراد، وزي خاص، وموالد معينة، وأضرحة تعبد من دون الله، وزوايا يجتمعون فيها، وكل شيخ طريقة له خلفاء، وغالباً ما تكون مشيخة الطريقة وراثية، إلى غير ذلك من البدع المحدثة في الدين\"([5]).
ولعل التعريفات السابقة تبين أن الطرق الصوفية تشترك في مجموعة عقائد وأصول ـ سيأتي بيانها ـ مثل تعظيم القبور والأضرحة، وتقديس الشيخ، ووحدة الوجود، لكن الاختلاف في طريقة الأذكار وعددها والزي الذي يرتديه أتباع كل طريقة، كما يذهب البعض إلى أن أعظم الفوارق بينها قائم في أشخاص شيوخها.
وتنتشر في العالم اليوم مئات الطرق، إضافة إلى طرق كثيرة اندثرت، وقد أحصى مؤلف \"الموسوعة الصوفية\" أسماء 300 طريقة صوفية في عدد بسيط من الدول الإسلامية([6])، ناهيك عن الدول الأخرى.
ويذهب مؤلف الموسوعة عبد المنعم الحفني وغيره إلى أن عبد القادر الجيلاني، صاحب الطريقة القادرية، (471ـ 561هـ)، هو أول من نادى بالطرق الصوفية وأسسها([7]) وكانت الرفاعية هي ثاني طريقة، وتلت هذه الطريقة، المولوية المنسوبة إلى الشاعر الفارسي جلال الدين الروسي... ([8]).
\"ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها، حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية... كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي (ت 540هـ)... وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن (549ـ 587هـ) صاحب مدرسة الإشراق الفلسفية\"([9]).
وهذا القرن المشار إليه (السادس الهجري) والذي يمثل بداية الطرق الصوفية، يعتبر مرحلة من المراحل التي مرّ بها التصوف، ذلك أن التصوف مرّ بمراحل عديدة، كان من أخطرها: اختلاط التصوف بالفلسفة اليونانية، ونظريات الفيض والإشراف([10]). وتعد تلك المرحلة من أخطر المراحل التي مرّ بها التصوف([11]).
وفي تلك المرحلة، وفي مراحل أخرى برز عدد كبير من رموز الصوفية من ذوي الأصول الفارسية مثل الحلاج والبسطامي والسهروردي والغزالي وغيرهم الكثير ممن اعتبروا مرجعاً ورمزاً لجميع المتصوفة حتى يومنا هذا. كما أن كتب وأفكار شيوخ الصوفية القدامى هي التي تسير عليها الطرق الصوفية اليوم.
أسباب نشأة الطرق الصوفية:
لانتشار الفرق عموماً أسباب كثيرة منها: كثرة البدع وانتشارها، والجدال والمراء والخصومة في الدين، ومجالسة أهل الأهواء والبدع ومخالطتهم، والجهل بمذهب السلف ومقاصد الشريعة([12]).
وفيما يتعلق بالطرق الصوفية، فقد أدت عوامل أخرى لانتشارها أبرزها:
1ـ حب الشهره والجاه واتباع الهوى، فقد أصبح المريدون أتباعاً أذلة لشيوخ الطرق الصوفية، وأصبح لشيوخ الطرق في معظم البلدان منزلة كبيرة.
2ـ الطمع المادي، حيث أصبحت رئاسة الطريقة مصدراً للثراء، والحصول على مخصصات النذور والأوقاف، وأصبح لمشايخ الطرق رواتب تصرف لهم من الدول المتعاقبة منذ أيام الدولة العثمانية، وتبقى هذه المخصصات الورثة بعد وفاة شيخ الطريقة([13]).
أوجه الشبه بين الطرق الصوفية:
سبق القول أن الطرق الصوفية تتفق في العقائد والأفكار التي أصّـلها شيوخ الصوفية القدامى كالحلاج وابن عربي وغيرهما، وتختلف في طريقة الأذكار والزي، وغير ذلك.
وإضافة إلى العقائد والأفكار، تتشابه الطرق في بعض الطقوس والمظاهر وغير ذلك.
1ـ الاحتفال بدخول المريد إلى الطريقة بطقوس دقيقة مرسومة، واجتياز عدد من الرياضات.
2ـ ارتداء زي خاص، واتخاذ علم خاص كذلك.
3ـ الإكثار من الذكر مع الاستغاثة بالموسيقى والحركات البدنية المختلفة.
4ـ تقديس شيخ الطريقة([14]).
أبرز الطرق الصوفية المعاصرة:
تنتشر الطرق الصوفية في أنحاء كثيرة من العالم، منها ما يزال موجوداً، ومنها ما اندثر في فترات سابقة، وقد تفرعت الطرق من بعضها البعض، وأصبح كثير من أتباع الطريقة يستقل بطريقة فرعية داخل الطريقة الأم.
وأهم الطرق التي ما يزال لها انتشار قوي وأتباع كثيرون إلى اليوم والتي سنستعرضها هي:
1 ـ القادرية: في العراق ومصر وشرق أفريقيا وغيرها.
2 ـ الرفاعية: في العراق ومصر وغرب آسيا وغيرها.
3 - النقشبندية: في آسيا الوسطى وسوريا وغيرها.
4 ـ التيجانية: في المغرب والسنغال وغرب أفريقيا وغيرها.
5 ـ البدوية: في مصر خاصة.
6 ـ الدسوقية: في مصر خاصة.
7 ـ الشاذلية: في مصر والمغرب العربي واليمن وغيرها.
8 ـ الخلوتية: في مصر وتركيا وخراسان وغيرها([15])
9 ـ المولوية: في تركيا وحلب وغيرها.
10ـ الختمية: في السودان وغيرها.
وقد سبق التعريف بالطرق الصوفية التالية:
1- فرق صوفية هندية(البريلوية ـ الديوبندية)
2- المهدية، النورسية.
3- البكتاشية.
4- القبيسيات التنظيم النسائي الصوفي.
----------------------------------------
[1] ـ مختار الصحاح للرازي ص 391.
[2] ـ الموسوعة الصوفية للحفني ص 853، والطرق الصوفية في مصر للنجار ص 53.
[3] ـ الموسوعة الصوفية ص 363، وص 853.
[4] ـ الكشف عن حقيقة الصوفية ص 353.
[5] ـ الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها ص 10ـ11.
[6] الموسوعة الصوفية ص 263ـ 364.
[7] ـ المصدر السابق ص 137و ص 907.
[8] ـ المصدر السابق ص 852.
[9] ـ الموسوعة الميسرة، إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي المجلد الأول ص 262.
[10] ـ يمكن الرجوع إلى الكتب التي تتناول التصوف لمعرفة هذه العقائد والأفكار.
[11] ـ الموسوعة الميسرة المجلد الأول ص 260.
[12] ـ الطرق الصوفية للسهلي ص 15.
[13] ـ المصدر السابق ص 19.
[14] ـ الطرق الصوفية في مصر ص 154.
[15] ـ الموسوعة الميسرة ص 269ـ 271، والموسوعة الصوفية ص 364ـ 369، والكشف عن حقيقة الصوفية ص 353 ـ 375.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد