التصوف في ميزان الوحي والفقه (1)


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

قال الله - تعالى -: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ولوجود كثير من التنازع رددنا أمر التصوف إلى الله -في كتابه- وإلى الرسول -في سنته- فلم نجد لهذه الكلمة أثراً في الكتاب ولا في السنة، ولا في فقه الخلفاء الراشدين للدين وهم خير من فقههº ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضو عليها بالنواجذ) -رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وابن حبان وصححه-.

 

وفي هذا الحديث: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) -رواه البخاري ومسلم-، فكل من تقرب إلى الله بشرع لم يأذن به الله بعد قول الله - تعالى -: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، وبعد انقطاع الوحي بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكأنما يستدرك على الله ورسوله، وكأنما يزعم نقص الدين وعدم كمال النعمة والتبليغ، وكأنما يدعي خيانة فقهاء الأمة في القرون المفضلة من الصحابة والتابعين، وتابعيهم ومنهم الأئمة الأربعة - رضي الله عنهم - أجمعين - بترك الجميع شيئاً من الدين وعدم تبليغه والدعوة إليه، أو بجهله، وقد فضلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على بقية الأمة، فقال: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤمنون) -متفق عليه-.

 

هذا من حيث العموم، وفيما يلي يحاول الكاتب أن يوفي التصوف حقه بشيء من التفصيل والله الهادي إلى سواء الصراط.

أولاً: منشأ التصوف:

1 - يرى المؤرخ الرياضي والفيلسوف محمد بن أحمد البيروني -د/440- أن مرد التصوف في بلاد المسلمين إلى تصوف الهندوس في الهند، وقد نشأت وثنيتهم قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - بألفي سنة، وأخذها منهم البوذيون منذ انفصالهم عنهم بعد ألف سنة من نشأة الهندوسية، وأن كلمة المتصوف جاءت من كلمة فيلسوف أي محب الحكمة.

 

والبيروني حري بأن يشهد بما علم لطول مكثه في الهند يدرس أحوال أهلها عدداً من السنين، ولذهنه الرياضي ودقته في البحث ثم في تسجيل نتائج بحثه، ولسعة اطلاعه وطول باعه في المعرفة، يدل على ذلك ما ذكره ياقوت عنه -من أن سجل مؤلفاته بلغ ستين ورقة- وكثرة نقله عنه -أعلام الزركلي-.

 

ويدل على صحة استنتاجه أن الله ذكر في كتابه الكريم أن النصارى -قبل المسلمين- نزعوا إلى شيء من المنهج الصوفي، وأنه مما ابتدعه البشر وليس مما شرعه الله، فقال - تعالى -: -ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم-، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع) -متفق عليه-.

 

ويدل على صحة استنتاجه أن كثيراً من معتقدات متصوفة الهند وأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم موجودة في متصوفة المسلمين منذ انتهت القرون المفضلة حتى هذا العصر، وأكبرها تعظيم المزارات والمقامات، ووحدة الوجود والفناء في ذات الإله، وأهونها المسبحة والرهبنة وضرب الشيش والرقص والطبل.

 

 

2 - وظن بعض العلماء أن منشأ التصوف من لبس الصوف، وأنكروا على المتصوفة التقرب إلى الله بلبس الصوف والله لم يشرعه قربة إليه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس الكتان وغيره وهو الذي جعله الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً.

 

ولكن لبس الصوف والتقشف بما يخالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر شكلي تركه متصوفة العصر وأقبلوا على شهوات البطن والفرج حتى قال بعض منتقديهم:

أقال الله حين عشقتموه*** كلوا أكل البهائم وارقصوا لي

 

ولكن أسوأ ما تصف به المتصوفة تعلقهم بالشبهات حتى اليوم كما يتبين بالرجوع إلى شيء من كتبهم ومقالاتهم قريباً إن شاء الله.

 

3 - وظن بعض المتصوفة أن كلمة الصوفي جاءت من كلمة الصفة التي كان يأوي إليها بعض فقراء المسلمين في المدينة النبوية، وهذا لا يصح لغةº لأن النسبة إلى الصفة -صفي- ولا يصح شرعاًº لأن الصفة -ومن سكنها- لم يتميز بفضل المكان، فالمسجد أفضل منها ولم يتميز أهلها بالفضل على غيرهم من الصحابة، فلاشك أن الخلفاء الراشدين وكبار فقهاء الصحابة ممن لم يسكن الصفة أفضل منهم ولم يأوِ إليها فقراء المهاجرين تقرباً إلى الله بسكناها خاصة، بل لأنهم لا يجدون غيرها.

 

- ثانياً: حكم التصوف:

1 - يرى بعض المتصوفة أن التصوف من الدين لأنه الإحسان الذي ورد ذكره في حديث جبريل - عليه السلام - (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ولاشك أن الإحسان من الدين، ولكن لم يعرفه الملك ولا النبي ولا الصحابي ولا التابعي ولا أحد من علماء المسلمين في القرون المفضلة بالتصوف ولا ربطه أحد منهم به، وهم جميعاً يوافقون المتصوفة على فضل الإحسان ولا يوافقونهم على فضل التصوف الذي جاء اسمه ومعناه ومبناه بعد القرون المفضلة وما لم يكن ديناً في القرون المفضلة فلن يكون ديناً بعدها.

 

2 - ويرى بعض المتصوفة أن التصوف من الدينº لأنه التزكية التي ورد ذكرها في كتاب الله، قال الله - تعالى -: ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم) وما يقوله فقهاء الأمة المعتد بهم عن الإحسان يقولونه عن التزكية، فهي لاشك من الدين وهي التطهير من الشرك فما دونه من المبتدعات ومن المعاصي كبائرها وصغائرها، ولم يعرفها المفسرون المعتَدُّ بهم بأنها التصوف، ولن يقول عاقل ممن بعدهم: إن معنى -يزكيهم- في سورة الجمعة -يصوّفهم- ولن يقول عاقل ممن بعدهم: إن معنى -ولا يزكيهم- في سورة البقرة -ولا يصوفهم-..وللحديث صلة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply