بسم الله الرحمن الرحيم
وهؤلاء قد جمعوا بين أمرين العقد والحل، والمراد: عقد نظام جماعة المسلمين في شؤونهم العامة، السياسية، والإدارية، والتشريعية، والقضائية، ونحوها، ولهم صفات ذكرها الإمام النووي - رحمه الله تعالى - وهي كالتالي:
أن يستشير من يثق بدينه، وخبرته، وحزمه، ونصيحته، وورعه، وفيها مجالات يمكن حصرها في مجالين:
الأول: أمور الدنيا، وهي نوعان:
أ - أمور الدنيا المحضة، كالزراعة، والصناعة ووسائل الاتصال والمواصلات ونحوها.
ب - الإجراءات التنفيذية لبعض العبادات، كالجهاد، والحج، فتتخذ الإجراءات والأساليب المناسبة لتفيذها.
الثاني: أمور الدين التي لا نص فيها: قال الجصاص - رحمه الله - ولما لم يخص الله - تعالى -أمر الدين من أمور الدنيا في أمره- صلى الله عليه وسلم - بالمشاورة وجب أن يكون ذلك فيهما جميعاً.
فأول مهمة لهم هي الشورى في أمر الدنيا والدين.
ثانياً: مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. قال الشيخ محمد رشيد رضا - رحمه الله - يجب أن تكون قوة المسلمين تابعة لهذه الأمة التي تقوم بفريضة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثاً: النصح للمسلمين والاهتمام بأمرهم: قال جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: بايعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم -متفق عليه-
رابعاً: مسؤولية العلماء ومرجعيتهم ودورهم الذي هو: دعوة الخلق إلى الحق وإرشادهم إلى الدين القويم والصراط المستقيم، قال - تعالى -: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}.
خامساً: المسؤولية الجماعية والنيابية: إن المسؤولية مقسمة على الناس كل بحسبه، ولكن عظائم الأمور كالإمامة والقضاء والحسبة وتدبير أمور الناس والبت في أصولها عقداً وحلاً، لابد أن تتخذ فيها المسؤوليات، وألا تترك للعامة فتحل الفوضى وينتشر الفساد، ومن هنا كان ثمة ما يعرف بالنيابة أو الوكالة.
الفرق بين أهل الحل والعقد وأهل الشورى
- أهل الشورى يستشارون، أي يطلب منهم الرأي ولا يقدمونه ابتداء في الغالب.
- أهل الشورى من ذوي الاختصاصات العلمية، أما أهل الحل والعقد فلا يلزم الاختصاص منهم، ولكن من ذوي القدرة والشوكة.
- أهل الشورى تلازمهم صفة العلم، أما أهل الحل ففيهم القوة والشوكة.
- أهل الشورى مهمتهم مستمرة ومنتظمة وربما لها مجالس محددة، أما مهمة أهل الحل والعقد فربما تكون طارئة، لاسيما عند حصول الفتن والاضطرابات.
- صفاتهم:
ذكر الماوردي وأبو يعلي ثلاثة شروط لأهل الحل والعقد بصفتهم أهل الاختيار والبيعة، وهي:
- العدالة الجامعة لشروطها.
- العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة.
- الرأي والحكمة المؤديان إلى معرفة الأصلح للإمامة.
وهناك شروط أساسية: مثل العقل والبلوغ، والإسلام، والعدالة، -ويقصد بها الاستقامة على الطريق الحق وتجنب الكبائر، والاعتدال في أقواله وأفعاله وأن يكون ذا مروءة-، العلم والرأي والحكمة، فلابد أن تكون عنده بصيرة وحذق بالأمور، الشوكة وهي القوة والبأس، الذكورية ويستدلون على ذلك من قوله - تعالى -: -الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم-.
وهناك شروط تكميلية: مثل الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، والخبرة والتجربة، المواطنة، الورع، أي ترك الأمور المشتبه فيها، وهذا غاية التقوى.
قال عز الدين بن عبد السلام - رحمه الله - وأجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات، فإن الولاة المقسطين أعظم أجراً وأجل قدراً من غيرهم، لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل.
واجب الأمة: النصح لهم والدعاء لهم ومساءلتهم إذا قصروا وتسديد الرأي لهم، وإذا حدث نزاع بينهم أن يرجعوه إلى الكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصالح - فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا-.
نماذج مشرفة
وهناك نماذج متعددة في المشورة: فلقد استشار خالد بن الوليد عمر الفاروق - رضي الله عنهم - فقال خالد: إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا الحد والعقوبة، قال هم عندك فسلهم، وعنده المهاجرون الأولون فأجمعوا على أن يضرب شارب الخمر ثمانين.
كما استشار عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في جمع الناس على مصحف واحد.
وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم -رواه الترمذي-، وسأل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - النبي- صلى الله عليه وسلم - قائلاً: إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرني؟ قال: >شاوروا فيه الفقهاء ولا تمضوا فيه رأي خاصة< -رواه الطبراني-.
- عددهم:
اختلف الفقهاء حول عدد أهل الحل والعقد، فمنهم من قال: خمسة، ودللوا على ذلك بأن بيعة أبي بكر - رضي الله عنه - انعقدت بهذا العدد، ثم تابعهم الناس فيها، ومنهم من قال ستة لأن عمر - رضي الله عنه - جعل الشورى بهذا العدد، ومنهم من قال اثنا عشر لقوله- صلى الله عليه وسلم - لأهل بيعة العقبة: >أخرجوا منكم أثني عشر نقيباً< -رواه أحمد- ومنهم من قال تنعقد بأربعين رجلاً قياساً على صلاة الجمعة عند من يشترط ذلك.
- والراجح: مدى الحاجة الحقيقية لما تسير وتقوم به أعمال البلاد من اتساع ونشاط وإنتاجية وهمة عالية.
وأخيراً ندعوا الله - عز وجل - أن يصلح أحوال المسلمين وأن يوفق أهل الحل والعقد لأن يكونوا سواعد متينة في حكوماتهم ويشدوا من أزرهم وينهضوا بعزيمتهم لإصلاح أحوال البلاد والعباد والدفاع عن قضاياهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد