المصطلحات ذات العلاقة:
المصلحة:
مصدر ميمي من صلح يصلح بفتح عين الفعل وضمّها في الماضي والمضارع، وهي ضد المفسدة والصلاح ضد الفساد وأصلها جلب منفعة أو دفع مضرة. قال الشوكاني: \" قال الخوارزمي: والمراد بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق\". (إرشاد الفحول: ص 242)
وبين المصلحة والحاجة عموم وجهي، فقد تُطلق المصلحة على الحاجة وغيرها، وكذلك الحاجة قد تكون في محل المصالح واستعملت المصلحة بمعنى الحاجة العامة في قول العز بن عبد السلام: لأن المصلحة العامة كالضرورة الخاصة. (قواعد الأحكام: ص 326)
وقول ابن قدامة في السفتجة بعد أن ذكر الخلاف فيها حيث قال: \" وقد نصّ أحمد على أن من شرط أن يكتب بها سفتجة لم يجز ومعناه اشتراط القضاء في بلد آخر. وروي عنه جوازها كونها مصلحة لهما جميعاً\".
وبعد أن ذكر أقوال المجيزين والمانعين قال: \" والصحيح جوازه لأنه مصلحة لهما من غير ضرر لواحد منهما.
والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرّة فيها بل بمشروعيتها ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة (المغني: 6/436-437)
عموم البلوى:
وهو الحالة أو الحادثة التي تشمل كثيراً من الناس ويتعذّر الاحتراز منها. (ابن عابدين: الحاشية 1/310)
أو ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال. (كشف الأسرار: 3/16) كنجاسة النعل والخف تطهر بالدلك وإن كان رطباً على قول أبي يوسف وهو الأصح المفتى به لعموم البلوى. (ابن عابدين: 1/309-310).
وعموم البلوى كالحاجة لا يرفع نصاً. قال ابن نجيم: لا اعتبار عند أبي حنيفة بالبلوى في موضع النص كما في بول الآدمي فإن البلوى فيه أعم. (الأشباه والنظائر ص 84)
الغلبة:
الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة. ألا ترى أن أسواق المسلمين لا تخلو عن المحرّم. (البدائع: 6/30)
عسر الاحتراز:
ومعناها صعوبة التحفظ عن أمر وهي في العبادات وغيرها. قال الكاساني: كل فضل مشروط في البيع ربا سواء كان الفضل من حيث الذات أو من حيث الأوصاف إلاّ ما لا يمكن التحرز عنه دفعاً للحرج. (بدائع الصنائع: 5/187).
وعبّر عنه القرافي بالتعذر حيث قال: \" المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف \" (الفروق: 3/198)
وأما خليل فقد قال: \" لا إن عسر الاحتراز منه \" (الزرقاني: 1/17)
وعفى عما يعسر كحدث مستنكح: \"أي عما يعسر الانفكاك عنه بعد وجود سببه وهو المشقة\". (الزرقاني وبحاشيته البناني1/41)
كل ما لا يمكن الاحتراز منه معفو عنه. (ابن تيمية الفتاوى: 1/592) وعسر الاحتراز هو عبارة عن المشقة اللاحقة في العبادة أو المعاملة.
المشقة:
التي تكون بمعنى الحاجة هي الواقعة في مرتبة متوسطة. ولإيضاح ذلك ننقل كلام القرافي في الفروق على أقسام المشقة حيث يقول ممزوجاً بابن الشاط باختصار محمد بن علي بن حسين المالكي في تهذيب الفروق ما يلي: \"الفرق الرابع عشر بين قاعدتي المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها\":
اعلم أن التكليف إلزام الكلفة على المخاطب يمنعه من الاسترسال مع دواعي نفسه هو أمر نسبي موجود في جميع أحكامه حتى الإباحة.
ثم يختص غير الإباحة بمشاق بدنية بعضها أعظم من بعض. فالتكليف به إن وقع ما يلزمه من المشاق عادة أو في الغالب أو في النادر كالوضوء والغسل في البرد والصوم في النهار الطويل والمخاطرة بالنفس في الجهاد ونحو ذلك، لم يؤثر ما يلزمه في العبادة لا بإسقاط ولا بتخفيف لأن في ذلك نقص التكليف إن لم يقع التكليف بما يلزمه من المشاق كان التكليف على ثلاثة أقسام:
الأول: متفق على اعتباره في الإسقاط أو التخفيف كالخوف على النفوس أو الأعضاء والمنافع لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة فلو حصلنا هذه العبادة مع الخوف على ما ذكر لثوابها لأدى لذهاب أمثالها.
الثاني: متفق على عدم اعتباره في ذلك كأدنى وجع في أصبع لأن تحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة لشرف العبادة وخفة المشقة.
الثالث: مختلف فيه فبعضهم يعتبر في التخفيف ما اشتدت مشقته وإن بسبب التكرار لا ما خفت مشقته وهو الظاهر من مذهب مالك.
فيسقط التطهير من الخبث في الصلاة عن ثوب المرضع كل ما يعسر التحرز منه كدم البراغيث ويسقط الوضوء فيها بالتيمم لكثرة عدم الماء والحاجة إليه والعجز عن استعماله.
وبعضهم يعتبر في التخفيف شديدة المشقة وخفيفها.
هذه الأقسام الثلاثة تطرد في جميع أبواب الفقه فكما وجدت المشاق الثلاثة في الوضوء، كذلك نجدها في العمرة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوقان الجائع للطعام عند حضور الصلاة والتأذي بالرياح الباردة في الليلة الظلماء والمشي في الوحل وغضب الحكام وجوعهم المانعين من استيفاء الفكر وغير ذلك. وكذلك الغرر في البيع ثلاثة أقسام وهكذا في كل أبواب الفقه. (1/131-132)
وبين أن لكل عبادة مرتبة. قلت: وكذلك منهيات المعاملات لكل منها مرتبة.
مجالات تدخل فيها الحاجة:
الحاجة والغرر:
من أهم المجالات التي تدخلها الحاجة عقود الغرر وتقدمت بعض النصوص التي تدل على اغتفار يسير الغرر للحاجة.
ونريد أن نذكر الآن ما هو الغرر؟ وأصل النهي عنه ومدى تأثير الحاجة في إلغاء حكمه.
والغرر عرّفه القرافي بأنه: الشيء الذي لا يدري هل يحصل أو لا. وعرّف الجهالة بأنها: ما عُلم وجوده وجهُلت صفته.
وعرّف الجرجاني الغرر بأنه: ما يكون مجهول العاقبة لا يدري أيكون أو لا (التعريفات).
وقيل: ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول. قال الأزهري: ويدخل في بيع الغرر البيوع المجهولة التي لا يحيط بكنهها المتبايعان. (التاج: 3/443)
وبيع الغرر ممنوع شرعاً بعموم الكتاب لقوله - تعالى -: \"وَلاَ تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِـالبَاطِلِ\"[البقرة2/88].
ومحرّم بنصوص السنّة. ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلّى اله عليه وسلّم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر (شرح مسلم للنووي11/156). وأخرجه مالك في الموطأ مرسلاً عن أبي حازم بن دينار عن سعيد بن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَن بَعِ الغَرَرِ(المنتقى للباجي: 5/41).
علّق عليه الباجي بقوله \" نهيه صلّى اله عليه وسلّم عن بيع الغرر يقتضي فساده ومعنى بيع الغرر والله أعلم ما كثر فيه الغرر وغلب عليه حتى صار البيع يوصف ببيع الغرر فهذا الذي لا خلاف في المنع منه \".
وأما يسير الغرر فإنه لا يؤثر في فساد عقد بيع فإنه لا يكاد يخلو منه عقد. وإنما يختلف العلماء في فساد أعيان العقود لاختلافهم فيما فيها من الغرر هل هو من حيز الكثير الذي يمنع الصحة أو من حيز القليل الذي لا يمنعها، فالغرر يتعلق بالمبيع من ثلاثة أوجه: من جهة العقد، والعوض، والأجل (المنتقى: 5/41).
قلت: وجه ما ذكره الباجي وغيره أن مجرد وجود الغرر ليس مبطلاً للعقد حتى يكون غالباً ناشئاً عن كون إضافة البيع إلى الغرر هي من إضافة الموصوف إلى الصفة. ووصف ابن مالك في التسهيل هذا النوع من الإضافة بأنه من شبه المحضة ومثل له بمسجد الجامع لأن المسجد هو الجامع وذلك صفته ومعنى هذا أن النهي وارد على بيع غرر وليس عن بيع فيه غرر والفرق يدركه البصير بموارد الألفاظ.
وقال القرافي: \" قاعدة: الغرر ثلاثة أقسام: متفق على منعه في البيع كالطير في الهواء ومتفق على جوازه كأساس الدار ومختلف فيه هل يلحق بالقسم الأول لعظمه أو بالقسم الثاني لخفته أو للضرورة إليه كبيع الغائب على الصفة والبرنامج ونحوهما؟
ويقول النووي: \"(فرع) الأصل أن بيع الغرر باطل لهذا الحديث والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز منه فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر وذكر أو أنثى وكامل الأعضاء أو ناقصها وكشراء الشاة في ضرعها لبن ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالإجماع.
قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلاّ بمشقة أو كان الغرر حقيراً جاز البيع وإلاّ فلا.
أما الشيخ تقي الدين بن تيمية فإنه قيّد الحاجة بالشدّة عندما قال في حديثه عن الجوائح: \" والحاجة الشديدة يندفع بها الغرر اليسير والشريعة مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرّم فكيف إذا كانت المفسدة منفية\". (الفتاوى الكبرى4/32)
الغرر المضاف:
واعتبر المالكية أن الغرر إذا كان مضافاً لأصل جائز يغتفر للحاجة بخلاف ما لو كان الغرر أصلاً في العقد فيبطل العقد.
وهذا الكلام واضح في أمرين أحدهما أن الغرر قد يجوز تبعاً للحاجة ويجوز منه اليسير وأن الربا لا يجوز منه قليل ولا كثير.
وهذه نصوص تبين حدود تأثير الحاجة في المنهيات وذلك بحسب مرتبة النهي فما كان في مرتبة وسطى كالغرر تؤثر فيه بشروط وما كان في مرتبة عليا لا يتأثر بها.
ومن هذا القبيل تأثير الحاجة معتمدة على اشتمال العقد على معنى الرفق والمعروف فقد يكون العقد في أصله حراماً ولكنه يباح للحاجة بناءً على ما علم من التفات الشارع للمعروف والرفق.
ومن ذلك أنهم أجازوا إجارة لا تعرف فيها طبيعة المنافع المستأجر عليها ولا الذات المستأجرة وذلك في صيغة عرفت عند المالكية بـ\"أعني بغلامك لأعينك بغلامي\".
وتصور هذه المسألة من مختصر خليل ممزوجاً بشارحه الزرقاني: \" وجاز أعني بغلامك على حرثي ونحوه لأعينك بغلامي. أراد أو نفسي على حرثك أو غيره. ولذا حذف متعلق حا
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد