بسم الله الرحمن الرحيم
تتجه حناجرنا في مثل هذا الوقت من كل عام بالدعاء إلى الله - تعالى -أن يبلغنا رمضان. ومن منّا ليس في حاجة إلى أن يُبلغه الله رمضان، وهو شهر فيه ليلة خير من ألف شهر..تتنزل فيه الرحمات..النافلة فيه بفريضة، والفريضة بسبعين فريضة والله يضاعف لمن يشاء؟!
من منا لا يريد أن يتعرض لنفحات الله في ذلك الشهر الكريم.. وقد صُفدت الشياطين.. وغُلقت أبواب النيران.. وفُتحت أبواب الجنان؟! من منا ليس في حاجة أن يُبلغه الله رمضان وقد قست القلوب.. وضعفت النفوس.. وفترت الهمم.. وخارت العزائم وضاعت الأوقات طيلة العام، فملئت الصحف بالسيئات والذنوب وأحاط بنا التقصير من كل جانب، وتكوّن الران على القلوب، إلا من رحم الله.. فلم تعد تشغلها الآخرة، فحُجب النور الإلهي عن القلوب والبصائر، فلم نعد نشعر بحلاوة الإيمان.. ولذة الطاعة!! فلماذا نهرب من الحقيقة؟ أو لسنا بمحاسبين؟ (قفُوهم إنَّهم مسؤلون) الصافات، فأين الزاد وماذا قدمنا؟
هذا هو واقعنا!
لو بدأنا في رفع واقعنا لنتعرف نقطة البداية لوجدنا أنفسنا - رغم علمنا بمكانة الصلاة - ربما نتكاسل عن أدائها ونصلي ولكن بلا خشوع ولا حضور قلب.. نبحث عن قلوبنا في كل صلاة فلا نجدها حاضرة.. فلقد امتلكتها الدنيا وسيطر عليها حب البقاء فيها.. كما أننا لا نحافظ عليها في جماعة دائماً. ومع علمنا بأن صلاتي العصر والفجر لا يشهدهما منافق، إلا أننا قد نضيعهما أو نؤخرهما. علاقتنا بالمساجد ضعيفة، فلا يكاد الإمام يُنهي الصلاة بالتسليم حتى نكون أول الخارجين من المسجد!
نصوم رمضان، ولكننا نتكاسل عن صلاة القيام.. لا نعرف شيئاً عن صلاة الليل ولا وقت السحر، ربما لم تدمع عيوننا يوماً قط.. وربما لا نعرف شيئاً عن صيام التطوع. أما عن علاقتنا بالصدقة التي هي ظل العبد يوم القيامة فربما لا نجد لأنفسنا منها نصيباً.. بل قد نرد السائلين.. ونمتنع عن المحتاجين، ربما لم نفرّج كربة عن أحد.. رغم أننا نستطيع أن نفعل. أما مجالس الغيبة والنميمة فحدّث ولا حرج.. وسماع الأغاني والموسيقى.. وسهرات الفن الماجنة ما أكثرها.. لا نشعر بالعالم من حولنا، فلا نعبأ باحتلال اليهود للأقصى.. ولا نتأثر لقتل الأطفال والشيوخ في فلسطين.. ولا نعبأ بقتل الأبرياء في أفغانستان.
ورغم عملنا بقوله - تعالى -: (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد، فعلاقتنا بالقرآن ضعيفة جداً، لا نذكر أننا ختمنا القرآن كاملاً، وعندما نقرؤه فهي قراءة بلا تدبر، فلا ندري كم قرأنا ولا أين توقفنا!
وهكذا حالنا مع الذكر.. فرغم علمنا بالثواب العظيم للأذكار إلا أننا لسنا من الذاكرين.. ورغم سهولته ويسره فمع ذلك لا نفعل، نسمع دائماً أن الخليفة الأول أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - كان يقول: لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنتُ مكرَ الله، ورغم علمنا بقوله - تعالى -: <وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى. وأنّ سعيه سوف يرى. ثمّ يجزاه الجزاء الأوفى> النجم، رغم ذلك كله فإن أملاً يراودنا بأننا من أهل الجنة، ونستبعد أن نكون من أهل النار، وكأن النار قد جُعلت لغيرنا أو أننا قد أخذنا من الله موثقاً بأن يدخلنا جنته!! ولست أدري إلى أي شيء نستند في أمالنا هذه، ونسينا أن ذلك قد يكون استدراجاً قد يتبعه الهلاك والعياذ بالله <سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ü وأملي لهم إنّ كيدي متين> القلم، فماذا لو قضي الأمر وفاضت أرواحنا إلى بارئها فسألنا عما ضيعنا؟ وحاسبنا على ما قصرنا، وجزانا بما قدمنا؟ \" والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلّة ما لهم من الله من عاصم \" يونس.
ولن تعطى الجنة لمتكاسل متواكل لا يعمل لها «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت... والعاجز من اتبع نفسه هواها».
رمضان.. والفرصة الأخيرة:
فلنعدّ العدة بالتعرض لنفحات الله ولنكن أكثر عملاً لا أكثر قولاً... ولنعتبر أن رمضان القادم آخر رمضان لنا!! فلنعد البرنامج العملي.. ولنحرص على الخروج من رمضان بشهادة ميلاد جديدة... وبقوة دفع نحو الطاعة أقوى... ولنشمر عن سواعد الجد، حتى نخرج فيه من الفائزين.
وحتى نكون قوماً عمليين سنضع برنامجنا في رمضان من الآن، ونحن عاقدو العزم على التنفيذ، وإليك بعض الأعمال التي يجب اغتنامه، وعليك تحديد الزمان والمكان المناسبين لك.
يقول د. مجدي الهلالي في كتابه «ماذا نريد من رمضان؟ » هناك عدة وسائل تسهم في تحقيق الثمرة المرجوة من رمضان، علينا أن نضع من خلالها برنامجاً لأنفسنا نسير عليه طيلة هذا الشهر المبارك ولنجعل في يومنا ثوابت لا نحيد عنها:
1- فلنخصص وقتاً ثابتاً للاعتكاف في المسجد، وليكن من الفجر حتى طلوع الشمس، فإن لم نستطع فمن بعد العصر إلى المغرب، نقرأ في هذا الوقت ورد القرآن بتدبر وحضور قلب.
2- ولنخصص صندوقاً في البيت نضع فيه الصدقة اليومية.
3- وليكن لنا وقت للتهجد قبل الفجر ولو بنصف ساعة بخلاف صلاة التراويح.
4- وعلينا كذلك تخصيص أوراد من الذكر المطلق كسبحان الله وبحمده مئة مرة، واستغفار 100 مرة، وصلاة على الرسول 100 مرة، وحوقلة مئة مرة، ويُقترح تقسيم هذه الأذكار لتكون بعد ختام كل صلاة.
5- وعلينا أن نستفيد من أوقات استجابة الدعاء، فنلح فيها على الله - عز وجل - وندعوه دعاء المضطر - المشرف على الغرق - لنا ولأهلنا ولإخواننا وللمسلمين أجمعين.
6- ولنتحين الفرصة المناسبة التي نخلو بأنفسنا لنحاسبها على ما مضى...
7- وأخيراً يجب ألا نعطي الشيطان الفرصة في أن يُثنينا عن طريقنا أو يفسد خطتنا، ولنعمل ليوم لا ينفع الإنسان فيه إلا ما قدم (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) غافر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد