عمرة رمضان بين فعل المستحب وإضاعة الواجب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كانوا ما يقرب من العشرين شخصاً قدموا من إحدى الدول الأوروبية لأداء عمرة رمضان نزلوا في إحدى الفنادق وأدوا مناسك العمرة وبعدها مكثوا في مكة لعدة أيام خلالها تعرفت على أحدهم وفي معرض الحديث أخبرني أنهم يريدون الوصول لعدد من المشايخ وأهل الخير.

كنت فضوليا فسألت عن السبب.

فأجابني بأن لديهم مشروع بناء مسجد ومركز إسلامي في مدينتهم وبقي على إتمامه ما يقارب المائة ألف،

فسألت صاحبي كم القادمون معك من هذه المدينة؟

أجاب: قرابة العشرين

استرسلت في فضولي وكم كلفت العمرة كل واحد منكم؟

أجاب: وعلى وجهه الاستغراب من هذه الأسئلة: ثلاثة آلاف دولار.

تماديت وقلت له أول مرة تقصدون بيت الله؟

زاد استغرابه وأجاب: لا، كلنا ولله الحمد أدى الحج والعمرة،

استمر التحقيق الأخوي مع صاحبي: ما ضرورة إقامة مسجد ومركز إسلامي بالمدينة؟

استرسل هو الآخر بذكر المبررات التي وصلت بضرورة إقامة المشروع إلى حد الوجوب.

سألته: ما هو أحب إلى الله التقرب إليه بالفرائض أم المستحبات؟

ج) الفرائض طبعاً

س) وإذا تعارض واجب ومستحب أيهما يقدم

ج) فعل الواجب

س) إذن لماذا أقدمتم على المستحب وتركتم الواجب

ج) بالحقيقة أن..أن..

قاطعته ولم أتركه يكمل، قلت له إن العمرة في رمضان ثبت بها الفضل بلا شك فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأم معقل الأنصارية -عندما احتبست عن الحج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرة في رمضان تعدل حجة وفي رواية تعدل حجة معي (كما في رواية ابن حبان)، ومع هذا فإن بعض أهل العلم ذهب إلى أن هذا الفضل خاص بصاحبة القصة كما يرى سعيد بن جبير لأن أم معقل قالت بعد رواية الحديث وقد قال هذا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أدري ألي خاصة، وكانت تقول الحج حج والعمرة عمرة)

قال: ولكن العبرة بعموم اللفظ

قلت نعم: ولكن العموم هنا ليس محل اتفاق لما سبق ذكره مما يدل على الخصوصية.

ثم على القول بعموم اللفظ فإن العمرة في رمضان تظل سنة، ولا يجب أن يضيع بفعلها واجب، فإذا تزاحم واجب ومسنون قُدِّم الواجب وهذا محل اتفاق بين الأئمة وهو مادل عليه الهدي النبوي في مواطن كثيرة وفي خصوص هذه المسألة بالذات، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رمضان أبداً وقال بعض أهل العلم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتغل في رمضان بما هو أهم من العمرة (انظر فتح الباري 3/605)، وكذا الخلفاء الراشدون وكبار الصحابة لم يؤثر عنهم الحرص على العمرة في رمضان، بل يفهم من هديهم أن العمرة أو ما هو أفضل منها وهو الحج لو تعارض مع واجب كفائي لقد ذلك الواجب عليه، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما- يقول: لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهرا أو جمعة أو ما شاء الله أحب إلي من حجة بعد حجة.

قال صاحبي: أنا أسلم بهذا، ولكن ما الواجب الذي أضعناه

قلت: لقد أنفقتم ما معدله ستون ألف دولار على أقل تقدير أكثر من نصف تكلفة المشروع الذي ترون أن إقامته من أهم الواجبات للحفاظ على هوية المسلمين وحفظ أبنائهم من الانزلاق، إن هذه النفقات صرفتموها في مستحب وأضعتم واجب.

قال صاحبي: صحيح.. صحيح، ولكن هذا ليس حالنا فقط، فكثير من الذين يقدمون لأداء العمرة في رمضان من الداخل والخارج ينفقون الكثير من الأموال التي لها مصارف تصل إلى الوجوب، فكم من جائع، وكم من مجاهد أمام العدو ينتظر العون، وكم من محاصر، وكم من أسير لا عائل لأهله، وكم من مناطق بحاجة إلى مسجد أو مدرسة وكم.. وكم. وكم، فلماذا العتب علينا وحدنا؟

قلت: لا.. ليس عليكم وحدكم ولكنها عموم البلوى بتقديم المستحبات على الواجبات، وعدم الفقه بترتيب الأوليات، فالعتب علينا جميعاً.

قال صاحبي: جزاك الله خيراً، وأعدك على تعميم مبدأ التقرب إلى الله بالواجبات قبل المستحبات.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply