حمل اللفظ على الحقيقة لا المجاز


بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - تعالى -:

 قال الواسطي - رحمه الله -: \" واعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعث بأفصح اللغات، وأبين الألسنة والعبارات، وقد صرح ببيان صفات الله، مخبراً بها عن ربه، واصفاً له بها، وكان يحضر مجلسه الشريف العالم، والجاهل، والذكي والبليد، والأعرابي الجافي، وقد أوجب عليهم أن يتدبروا ذلك الكتاب، ويعتقدوا موجَـب ذلك الخطاب، ليزدادوا به معرفة مع الفطرة السليمـة. \"

فهل يتصور عاقل أن هناك دليلاً خفياً لا يستنبطه إلا أفراد الناس، ويدع الأمة في حيرة والتباس، ويترك تبليغه الأمة، ويدعهم في جهالة وضلالة وغُمة، حتى إذا انقرض عصر الصحابة والتابعين، ظفر ببيانه من أخذ عن اليونان والصابئين، كجَـهم وبِـشر وغيرهما من المبتدعين؟!

هذا والله نقيض البيان، وضد الهدى والبرهان، كيف يتكلم هو [1] وهم [2] بكلام يريدون به خلاف ظاهره المراد، المخالف لما يتوهمه أهل الفساد، ويندرجون على خلاف هذا الاعتقاد، وأن صرفه إلى التأويلات المحدثة هو المراد؟!

 

من لم يكن يكفيه ذانِ فلا كفاه الله شر حوادث الأزمان

بل السلف - رضوان الله عليهم - أنصح للأمة، وأبين للسنة، وقد فهموا أن بعض العلم جهالة، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من العلم جهلاً))، وقال في دعائه: ((أعوذ بالله من علم لا ينفع))، وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟

وقد عُلِم أن ما كان في الكتاب والسنة لا يخالف ظاهره باطنه، فقد عرفوا دليله، ووضَّحوا سبيله، إما بأن يكون عقلياً ظاهراً مثل قوله - تعالى -: (وأوتيت من كل شي) [3]، فإن كل أحد يعلم من عقله أن المراد: وأوتيت من جنس ما يؤتاه مثلها، وكذلك قوله - تعالى -: (خالق كل شيء)[4]، فإنه قد علم بالضرورة أن الخالق لا يدخل في هذا العموم، أو سمعياً ظاهراً مثل الدلالات في الكتاب والسنة التي تُصرف عن الظاهر، كالمعية الخاصة والعامة، فإن الإِجماع من الصحابة والتابعين انعقد على أن المراد به العلم، لأن الله بدأها بالعلم وختمها به.

وقد أجمع العقلاء أنه لا بد من دليل سمعي أو عقلي يوجب الصرف عن الحقيقة إلى المجاز وإن ادعى ظهور الدليل، فلا بد من دليل مرجِّح لحمله على ذلك، ومن الموانع [5] الاشتراك في اللفظ، ومن أراد هذا وجده في مظانه.

ومن جعل السنة معياره أدرك المأمول، وعرف جنايات المجازات والعقول على صريح المنقول، ومن تغذى بكلام المتأخرين من غير إشراف على كتب أهل السنة المشتهرين ككتاب ((السنة)) لعبد الله بن الإِمام أحمد، وكتاب ((السنة)) للخلال، وكتاب ((السنة)) للالكائي، والدارمي، وغيرهم، بقي في حيرة وضلال.

انتهى كلامه - رحمه الله -، نقلا من « الدرر السنية في الأجوبة النجدية » (3/336 338)

 

وقال الشيخ عبد الله أبا بطين - رحمه الله تعالى -: وأما وقوع المجاز في القرآن ففيه خلاف بين الفقهاء حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر أن أكثر الأئمة لم يقولوا: إن في القرآن مجازاً، وردَّ القول بوجود ذلك في القرآن، واستدل بأدلة كثيرة، وعلى تقدير جواز وجوده في القرآن فمن المعلوم أنه لا يجوز صرف الكلام عن حقيقته حتى تُجمع الأمة على أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى إتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل أحد ما ثبت شيء من العبادات، ولبطلت العقود كلها كالأنكحة والطلاق والأقارير وغيرها، وجلّ الله أن يخاطب الأمة إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين.

وأيضاً فالكلام إذا قام الدليل على أن المـُتكلم به عالم ناصح مرشد، قصده البيان والهدى والدلالة والإيضاح بكل طريق، وحسم مواد اللبس ومواقع الخطأ وأن هذا هو المعروف المألوف من خطابه، وأنه اللائق بحكمتهº لم يشك السامع في أن مراده هو ما دل عليه ظاهر كلامه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أثناء كلام له: ومعلوم باتفاق العقلاء أن المخاطب المبِـين إذا تكلم بمجاز فلا بد أن يقرِن بخطابه ما يدل على إرادة المعنى المجازي، فإذا كان الرسول المبلغ المبِـين الذي بيّن للناس ما أنزل إليهم يعلم أن المراد بالكلام خلاف مفهومه أو مـقتضاهº كان عليه أن يقرِن بخطابه ما يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يُرده، لاسيما إذا كان لا يجوز اعتقاده في الله، فإنه عليه أن ينهاهم عن أن يعتقدوا في الله ما لا يجوز اعتقاده، وإذا كان ذلك مخُـوفاً عليهم [6]، ولو لم يخاطبهم بما يدل على ذلك، فكيف إذا كان خطابه هو الذي يدلهم على ذلك الاعتقاد الذي تقول النفاة هو اعتقاد باطل - إلى أن قال: - وهذا كلام بيِّـن لا مخلص لأحد عنه. انتهى.

 انتهى كلامه - رحمه الله - « الدرر السنية في الأجوبة النجدية » (3/ 233- 234).

 

------------------

[1] أي النبي - صلى الله عليه وسلم -.

[2] أي الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم -.

[3] النمل: 23

[4] الأنعام: 102

[5] أي من موانع صرف المعنى من الحقيقة إلى المجاز.

[6] هذه الجملة معطوفة على قوله:لاسيما إذا كان لا يجوز اعتقاده في الله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply