بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أولاً: مما يجب على الزوج المعدّد:
القسم (1) على الدوام "المبيت، النفقة والكسوة، السكن":
لا شك ولا ريب أن الله -تعالى-لم يترك الزوج -ولا سيما المعدد- حبله على غاربه، بل أوجب عليه واجبات لإصلاح نفسه وإصلاح بيته، فبتركها تحصل الفوضى مع الإثم وتنقطع أواصر المحبة بين الزوج ونسائه، وقد تخرب من جرائه البيوت التي سعى الإسلام لإقامتها بتشريع التعدد.
وهذه الواجبات هي: النفقة والمبيت والإيواء. وسنذكرها إن شاء الله مع أدلتها ومسائلها واللهَ أسأل أن يكون ذلك رادعا لمن قصر أو أهمل فيها، ومثبتا لمن أعطاها حقها.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت في قوله -تعالى-{وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا}[النساء/128] أنزلت في المرأة تكون عند الرجل، فتطول صحبتها فيريد طلاقها، فتقول، لا تطلقني وأمسكني وأنت في حل من النفقة علي والقسم لي، فذلك قوله {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير}[النساء/128]. رواه البخاري (9/380) مسلم (18/157).
قال مجاهد: لا تتعمدوا الإساءة. بل الزموا التسوية في القسم والنفقة، لأن هذا مما يستطاع. أ. هـ. "تفسير القرطبي" (5/407).
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وأما العدل في النفقة والكسوة فهو السنة أيضا إقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة كما كان يعدل في القسمة …أ. هـ. "مجموع الفتاوى"(32/269).
وقال ابن القيم -رحمه الله-: وكان يقسم -صلى الله عليه وسلم- بينهن في المبيت والإيواء والنفقة…. ولا تجب التسوية في ذلك -أي الحب والجماع- لأنه مما لا يملك. أ. هـ. "زاد المعاد"(1/151).
قال الحافظ: فإذا وفّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها: لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة … أ. هـ. "الفتح"(9/391).
وجوب القسم على الدوام:
أ - المبيت
وجوبه:
أ- قال البغوي -رحمه الله-: إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر، سواء كن مسلمات أو كتابيات..فإن ترك التسوية في فعل القسم: عصى الله -سبحانه وتعالى-، وعليه القضاء للمظلومة.وروي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل" وفي إسناده نظر.(2).
وأراد بهذا الميل: الميل بالفعل، ولا يؤاخذ بميل القلب إذا سوى بينهن في فعل القسم. قال الله -سبحانه وتعالى- {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل} معناه: لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب، فلا تميلوا كل الميل، أي: لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم... أ. هـ. "شرح السنة" (9/150-151).
ب- وقال ابن حزم -رحمه الله-: والعدل بين الزوجات فرض، وأكثر ذلك في قسمة الليالي. أ. هـ. "المحلى"(9/175).
ج- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "من كانت له امرأتان.." فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا: بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم. أ. هـ "مجموع الفتاوى"(32/269).
د- وقال الشافعي -رحمه الله-: ودلت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجوز فيه. "الأم"(5/158). وقال: ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن. أ. هـ. "الأم" (5/280).
هـ- قال العيني - شارحا حديث "من كانت له امرأتان.." -: قيل: المراد سقوط شقه حقيقة. أو المراد سقوط حجته بالنسبة إلى إحدى امرأتيه التي مال عليها مع الأخرى. والظاهر: الحقيقة، تدل عليها رواية أبي داود "شقه مائل" والجزاء من جنس العمل، ولما لم يعدل، أو حاد عن الحق، والجور والميل: كان عذابه أن يجيء يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل. أ. هـ. "عمدة القارئ" (20/199) وانظر "المبسوط"(5/217) وبه استدل الشوكاني على الوجوب، انظر "السيل الجرار"(2/301)، و"نيل الأوطار"(6/216).
و- وقال ابن قدامة المقدسي -رحمه الله-: لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله -تعالى-{وعاشروهن بالمعروف}، وليس مع الميل معروف. أ. هـ. "المغني" (8/138).
ب - السكنى
وجوب السكن على الزوج وحدٌّه
أ- قال ابن حزم -رحمه الله-: ويلزمه إسكانها على قدر طاقته لقول الله -تعالى-{أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم}[الطلاق /6]. أ. هـ. "المحلى"(9/253).
ب- وقال ابن قدامة -رحمه الله-: ويجب لها مسكن بدليل قوله -سبحانه وتعالى- {أسكنوهن…} فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى. قال الله -تعالى-{وعاشروهن بالمعروف} ومن المعروف أن يسكنها في مسكن. ولأنها تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع. أ. هـ. "المغني"(9/237).
ج- وقال ابن قدامة: والأولى أن يكون لكل واحدة منهن مسكن يأتيها فيه، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقسم هكذا، ولأنه أصون لهن وأستر، حتى لا يخرجن من بيوتهن. أ. هـ. "المغني" (8/147).
د- وقال أيضا: ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما، لقول الله -تعالى-{مِن وُجدِكم (3)} ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجرى مجرى النفقة والكسوة. أ. هـ. "المغني" (9/237).
هـ- قال الكاساني -رحمه الله-: ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه، فأبت ذلك عليه: فإن عليه أن يسكنها في منزل منفرد…. ولكن لو أسكنها في بيت من الدار -(قلت: يعني في غرفة)- وجعل لهذا البيت غلقا على حدة كفاها ذلك، وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر، لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال. أ. هـ. "بدائع الصنائع"(4/23).
و- قال ابن قدامة أيضاً: وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد (يعني: في غرفة واحدة)- بغير رضاهما صغيرا كان أو كبيرا، لأن عليهما ضررا لما بينهما من العداوة والغيرة، واجتماعهما يثير المخاصمة وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى الأخرى (أي: جامعها) أو ترى ذلك. فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه. أ. هـ. "المغني"(8/137).
قلت: وليس مراده -رحمه الله- أن يعاشر الواحدة بنظر وسمع الأخرى، إنما إن أجازتا أن يكون لهما مسكن واحد يأتي كل واحدة منهما في ليلتها فله ذلك، وأما الجماع برؤيتها وسمعها فقد سبق عنه -رحمه الله- عدم الجواز.
تنبيه:
ما ذكره الفقهاء من أنه يكفي أن يجعل الزوج للمرأة مسكن -أي غرفة- وليس لها أن تطالبه بأكثر من ذلك: هو الحق لكن ينبغي أن نتنبه إلى أمر مهم، وهو أنه لا بد أن يكون فيه بقية مرافقه وأعني به: بيت الخلاء والمطبخ، ذلك هو الحال الذي يجب أن يكون، وحجرات النبي -صلى الله عليه وسلم- كان فيها النوم والطبخ، وقضاء الحاجة يكون خارجها في الخلاء. أما الآن فليس الأمر كذلك، لذلك فالمسكن الشرعي لكل واحدة من المرأتين هو: غرفة مع مطبخ وبيت خلاء، فإن جمعت غرفة واحدة هذه الأمور فلا حرج.
قال الحصكفي -رحمه الله- من الأحناف-: وكذا تجب لها السكنى في بيت خال عن أهله وأهلها بقدر حالهما كطعام وكسوة، وبيت منفرد من دار له غلق ومرافق، ومراده لزوم كنيف (أي: بيت خلاء) ومطبخ كفاها لحصول المقصود. أ. هـ.
وعلق ابن عابدين فقال: والمراد من الكنيف والمطبخ، أي بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت (أي: الغرفة) أو في الدار لا يشاركها فيهما أحد من أهل الدار. أ. هـ. "الدر المختار"(3/599-600).
قلت: ومما يدل على أن المراد بالبيت "الغرفة" قول الكاساني -رحمه الله-: ولو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا وجعل لبيتها غلقا على حدة، قالوا: إنها ليس لها أن تطالبه ببيت آخر. أ. هـ. "بدائع الصنائع"(4/34).
ج- النفقة والكسوة:
أوجب الشرع المطهر على الزوج النفقة والكسوة بالمعروف، ولا شك أن أحكام النفقة والكسوة تختلف من شخص لآخر، من حيث وُجده وعدمه أو قلته، لذا كان لا بد للنساء أن يعقلن أن أمر النفقة والكسوة ليس له ضابط شرعي إلا أنه "بالمعروف"، فليس على الزوج إلا النفقة التي تقوم بها حياة نسائه من طعام وشراب، فما زاد على ذلك من تحفة أو هدية أو فاكهة أو حلي أو غيره فهو له إن شاء أعطى، وإن شاء منع.
ومثله يقال في "الكسوة" التي أوجبها الشرع عليه وهي كسوة الصيف وأخرى للشتاء، وما زاد على ذلك من لباس وما شابهه فهو له إن شاء أعطى وإن شاء منع.
وليس عليه - أي: الزوج -أن يأتي بالأصناف المتشابهة والألوان الموحدة طالما أنه أعطى كل ذي حق حقها، وعليه، فقوله -تعالى-{وعاشروهن بالمعروف}. يدل على هذا الذي قلناه، وليس على الذي تريده النساء ويطلبنه فإنه أشبه شيء بالمستحيل، وبمثل هذا لا تأتي الشريعة المطهرة.
وجوب النفقة والكسوة:
أولا: عن معاوية بن حيدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: سأله رجل: ما حق المرأة على زوجها؟ قال "تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت"(4).
قال الخطابي: في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها، وليس في ذلك حد معلوم، وإنما هو على المعروف، وعلى قدر وسع الزوج وَجِدَتِه وإذا جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً لها فهو لازم للزوج، حضر أو غاب وإن لم يجده كان دينا عليه إلى أن يؤديه إليها كسائر الحقوق الزوجية. أ. هـ. "معالم السنن هامش المنذري"(3/67-68).
ثانيا: عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"رواه مسلم(8/183).
أ - قال النووي -رحمه الله-: فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها. وذلك ثابت بالإجماع أ. هـ. "شرح مسلم"(8/184).
ب- وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وأما العدل في النفقة والكسوة فهو السنة أيضا، اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة، كما كان يعدل في القسمة، مع تنازع الناس في القسم، هل كان واجبا عليه؟ أو مستحباً له؟ وتنازعوا في العدل في النفقة هل هو واجب؟ أو مستحب؟ ووجوبه أقوى وأشبه بالكتاب والسنة. أ. هـ. "مجموع الفتاوى"(32/269).
ج- قال الشربيني -رحمه الله-: ويجب لها كسوة تكفيها. أ. هـ. "مغني المحتاج"(3/429).
د- وقال ابن قدامة: وتجب عليه كسوتها بإجماع أهل العلم. أ. هـ. "المغني"(9/236).
هـ- قال البخاري -رحمه الله-: وجوب النفقة على الأهل والعيال.
وروى حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول".
قال الحافظ: الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة… ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق الزوج، وانعقد الإجماع على الوجوب. أ. هـ. "الفتح"(9/625).
وقال الطبري: الانفاق على الأهل واجب، والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده. أ. هـ "الفتح"(9/623).
وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع. أ. هـ. "الفتح"(9/623).
و- وقد قال بالوجوب: العيني "عمدة القارئ"(21/15). ونقل عن ابن بطال قوله بـ"الإجماع"(21/23) وابن حزم "المحلى"(9/59). والشوكاني "السيل الجرار"(4/446) وقال إنه "إجماع".
ثانياً: ومما يجوز للمعدد فعله:
1. تخصيص بعض نسائه بهدية أو كسوة إذا كانت الأخرى في كفاية من كسوتها:
أ - وقد استنبط ذلك ابن المنير -رحمه الله- من تفضيل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه بالوليمة فقال: يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعض دون بعض بالإتحاف والإلطاف والهدايا. أ. هـ "الفتح"(9/296).
ب- وقال الإمام أحمد -رحمه الله- في الرجل له امرأتان: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسي إذا كانت الأخرى في كفاية، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه، وتكون تلك في كفاية. أ. هـ "المغني"(8/144).
ج- وعلق ابن قدامة -رحمه الله- على كلام الإمام أحمد فقال: وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج فيسقط وجوبه كالتسوية في الوطء. أ. هـ.
2. أن يطأ واحدة منهن أكثر من الأخرى
ذلك لأن الوطء تبع للمحبة القلبية والإيناس بالمرأة لدينها أو جمالها، وهذا مما لا يجب على الزوج العدل فيه، ذلك أنه غير مملوك له. هذا مع ملاحظة أنه لا ينبغي للزوج أن يتعمد ترك وطء واحدة من نسائه -من غير هجر- متذرعا بهذا، مع قصد الإضرار، فإن هذا مما لا ينبغي والله -تعالى-{يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}[غافر/19[.
أ - قال ابن قدامة المقدسي -رحمه الله-: والوطء واجب على الرجل إذا لم يكن له عذر. وبه قال مالك. وعلى قول القاضي: لا يجب إلا أن يتركه للإضرار. وقال الشافعي: لا يجب عليه، لأنه حق له فلا يجب عليه كسائر حقوقه - ثم رد -رحمه الله- على قول الشافعي - وقال: … وإذا ثبت وجوبه فهو مقدر بأربعة أشهر. نص عليه أحمد ووجهه أن الله -تعالى- قدره بأربعة أشهر في حق المولي (5) فكذلك في حق غيره.. أ. هـ. "المغني"(8/142).
ب- قال شيخ الإسلام: يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، وأعظم من إطعامها. والوطء الواجب: قيل إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة. وقيل: يقدر بحاجتها وقدرته كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته. وهذا أصح القولين. أ. هـ. "مجموع الفتاوى"(32/271).
قلت: وبه نقول، وإذا كان الزوج غائبا لسفر ونحوه فينبغي أن يسعى أن لا تطول مدة غيبته لئلا يضر بنسائه.
ج- قال النووي -رحمه الله-: قال أصحابنا: وإذا قسم لا يلزمه الوطء ولا التسوية فيه، بل له أن يبيت عندهن ولا يطأ واحدة منهن، وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض. لكن يستحب أن لا يعطلهن، وأن يسوي بينهن في ذلك. أ. هـ. "شرح مسلم"(10/46).
قلت: قوله: "يستحب" إن كان في عدم تعطيلهن فصواب، وإن كان في التسوية بينهن في الوطء فلا يبدو لي أنه صحيح. والله أعلم.
د- وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: … لكن إن كان يحبها أكثر ويطؤها أكثر: فهذا لا حرج عليه فيه. وفيه أنزل الله -تعالى-{ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} أي: في الحب والجماع…. أ. هـ."مجموع الفتاوى"(32/269).
هـ- وقال ابن قدامة المقدسي -رحمه الله-: لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع، وهو مذهب مالك والشافعي، وذلك لأن الجماع طريقه: الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك، فإن قلبه قد يميل إلى إحداهما دون الأخرى، قال الله -تعالى-{ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} قال عبيدة السلماني: في الحب والجماع. وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فإنه أبلغ في العدل… ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القُبَل واللمس ونحوها، لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى. أ. هـ. "المغني"(8/148).
و- وقال ابن القيم: وأُخذ من هذا أي: عدم وجوب التسوية في المحبة أنه لا تجب التسوية بينهن في الوطء لأنه موقوف على المحبة والميل، وهي بيد مقلب القلوب. وفي هذا تفصيل: وهو أنه إن تركه لعدم الداعي إليه وعدم الانتشار فهو معذور وإن تركه مع الداعي إليه، ولكن داعيه إلى الضرة أقوى فهذا مما يدخل تحت قدرته وملكه، فإن أدى الواجب عليه منه: لم يبق لها حق، ولم يلزمه التسوية، وإن ترك الواجب منها فلها المطالبة به. أ. هـ. "زاد المعاد"(5/151).
ز- وقال الإمام السرخسي: وهذه التسوية في البيتوتة عندها للصحبة والمؤانسة لا في المجامعة، لأن ذلك ينبني على النشاط ولا يقدر على اعتبار المساواة فيه، فهو نظير المحبة في القلب أ. هـ. "المبسوط"(5/218).
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
(1) القسم: الحصة والنصيب.
(2) رواه: أبو داود (2/242) الترمذي (3/447) النسائي (7/64) ابن ماجه (1/633) وصححه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (3/310) ط العلمية والألباني "إرواء الغليل" (7/80).
(3) الوجد (مثلة الواو): المقدرة والغنى. والمعنى: بقدر سعتكم. "تفسير غريب القرآن" إبن قتيبة (ص 474).
(4) رواه أحمد (4/447) أبو داود (2/244) ابن ماجه (1/593). وصححه شيخنا الألبانيفي "الإرواء"(7/98).
(5) المولي: هو الذي يحلف على عدم وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، فيمهل أربعة أشهر فإما أن يرجع عن يمينه فيكفر ويطأها، وإما أن يلزم بطلاقها. وإن حلف أن لا يطأها دون الأربعة أشهر فلا إمهال له، بل إما أن يفي بيمينه وإما أن يحنث وعليه الكفارة. ودليل هذا قوله تعالى{للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم}(البقرة 226-227).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد