بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله - سبحانه وتعالى - خلق الإنسان في أحسن تقويم، فجعله في أفضل هيئة، وأكمل صورة، معتدل القامة، كامل الخلقة، وأودع فيه غريزة حب التزين والتجمل، ودعا إليه عن طريق رسله وأنبيائه، فقال: -{يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون}-.
وإذا كان الإسلام قد شرع التزين والتجمل، فإنه لم يطلق العنان لتلك الغرائز والرغبات، بل دعا الإنسان إلى ضبطها بمقتضى الهدى الرباني، فحدد له حدوداً ينبغي عدم تعديها، وحرم عليه أشياء يجب عليه عدم انتهاكها، ليس تحكماً في البشر ولا تسلطاً عليهم، وإنما حرصاً على إنسانية الإنسان، وكرماً منه في أن يرعى مصلحة البشر.
وهذا البحث يهدف إلى تسليط الضوء من منظور إسلامي على قضية مهمة من القضايا المعاصرة التي تتعلق بجانب التزيين والتجميل من حياة البشر، ألا وهي جراحة التجميل، وذلك تلبية لرغبة كثير من المسلمين في التعرف على الأحكام الشرعية حولها باعتبارها من الأمور المستجدة في أشكالها المتنوعة التي أصبح يتزايد إقبال الناس عليها يوما بعد يوم.
وقد اعتمدت في ذلك على المصادر الفقهية الأصيلة في المذاهب الفقهية الأربعة ومذهب الظاهرية وغيرها، بالإضافة إلى كتب التفسير وكتب السنة النبوية وشروحها، وما توفر لدي من البحوث الحديثة عنها.
- المبحث الأول: تجميل الشعر بالوصل والإزالة والجراحة:
ويشتمل هذا المبحث على الأحكام المتعلقة بتجميل شعر الرأس وشعر الوجه، وذلك من مطالب ثلاثة:
عرف الناس وصفات عدة لتجميل شعر الرأس، ومن تلك الوصفات: الوصل، وحلق شعر الرأس، ونتف الشيب واستعجاله.
أولاً: وصل الشعر:
اتفق الفقهاء على تحريم وصل الشعر في الجملة، واستدلوا على ذلك بالأحاديث الآتية:
- ما روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت، فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم -، قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة).
- وجه الاستدلال: الواصلة هي التي تصل شعر امرأة بشعر أخرى، لتكثر به شعر المرأة.
والمستوصلة: هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك، وقد لعنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعد ذلك من الزور، واللعن لا يكون على أمر غير محرم، ودلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات، بل تعد عند البعض علامة من علامات الكبيرة.
وقال النووي: وفي الحديث أن وصل الشعر من المعاصي الكبائر للعن فاعله.
- حكم الوصل بشعر الآدمي:
اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية على تحريم وصل شعر المرأة بشعر آدمي، بقصد التجميل والتحسين، سواء أكان الشعر الذي تصل به شعرها أم شعر زوجها أم شعر محرمها أم أخرى غيرهاº لعموم الأحاديث الواردة في النهي عن الوصلº ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه.
- حكم وصل الشعر بغير شعر الآدمي:
اختلف الفقهاء في حكم وصل شعر المرأة بغير شعر الآدمي على النحو التالي:
1 - ذهب الحنفية إلى أن الوصل بغير شعر الآدمي، كالصوف والوبر وشعر الماعز والخرق - مباح، لعدم التزوير ولعدم استعمال جزء من الآدمي، وهما علة التحريم عندهم.
2 - وذهب المالكية والظاهرية إلى أن الوصل بشعر غير الآدمي من صوف وشعر حيوان ووبر - حرام، وقال مالك: لا ينبغي أن تصل المرأة شعرها بشعر ولا غيره.
واستدلوا على ذلك بعموم الأحاديث السابقة، ولأن فيه تدليساً وإبهاماً بكثرة الشعر وتغييراً لخلق الله - تعالى -.
وقد استثنى المالكية من ذلك ربط الشعر بالخرق وخيوط الحرير الملونة، مما لا يشبه الشعر، فليس بمنهي عنه لأنه ليس بوصل ولا في مقصود الوصل.
3 - وذهب الشافعية إلى تفصيل القول في الوصل بغير شعر الآدمي، فقالوا: إن وصلت المرأة شعرها بشعر غير آدمي، فإما أن يكون طاهراً أو نجساً، فإن كان نجساً كشعر ميتة وشعر مالا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته، فهو حرام، لحرمة استعمال النجس في الصلاة وخارجها وإن كان طاهراً فينظر:
إن كانت الواصلة ليست متزوجة فهو حرام أيضاً، وبه قطع الدارمي والطيب والبغوي واليعقوبي.
وإن كانت متزوجة ففيه ثلاثة أقوال:
الأول: يجوز الوصل بإذن الزوج فقط.
الثاني: يحرم الوصل مطلقاً، أي ولو أذن الزوج.
والثالث: يجوز الوصل مطلقاً، أي ولو لم يأذن الزوج.
والقول الأول هو الصحيح لدى الشافعية، وبه قطع جماعة منهم.
هذا بالنسبة لما يشبه شعر الآدمي من الوبر والصوف، أما خيوط الحرير الملونة ونحوها فليس بمنهي عنه لعدم وجود التدليس.
4 - وذهب الحنابلة إلى أن الوصل بغير شعر الآدمي إما أن يكون بشعر أو بغير شعر، فإن كان بشعر كشعر الماعز فيحرم، كما يحرم بشعر الآدمي، لعموم الأحاديث السابقة، ولما فيه من التدليس، فإذا وصلت المرأة شعرها بشعر البهيمة لا يصح الوصل، ولا تصح صلاتها إن كان الشعر نجساً، لحملها النجاسة مع قدرتها على اجتنابها، وتصح إن كان طاهراً.
وإن كان الوصل بغير شعر، فإن كان لحاجة شد الشعر وربطه فلا بأسº لأن الحاجة دعت إليه، ولا يمكن التحرز منه.
- الرأي الراجح:
من خلال الاستعراض لآراء الفقهاء في المسألة المطروحة وأدلتهم - تبين لنا: أن هناك قدراً مشتركاً بين هذه الآراء في تحديد المعنى الذي من أجله حرم الوصل، ألا وهو ما يشتمل عليه الوصل من التدليس بالعيب والغش والخداع والتزوير، وإذا كان الأمر كذلك فإنه ينبغي أن يكون الرأي الراجح في وصل المرأة بغير شعر الآدمي على النحو التالي:
1- إذا كان الموصول بشعر المرأة يشبه الشعر الطبيعي، حتى يظن الناظر إليه أنه شعر طبيعي، يحرم الوصل سواء أكان شعراً أم صوفا أم وبرا أم خيوطا، صناعية أم غير ذلكº لأن علة التحريم قد تحققت فيه.
2 - أما إذا كان الموصول به لا يشبه الشعر الطبيعي، بحيث يدرك الناظر إليه لأول وهلة أنه غير طبيعي، فلا يحرم الوصل، سواء أكان شعراً أم صوفاً أم وبراً أم قرامل، وذلك لعدم تضمنه علة التحريم، وهي التدليس.
3 - ضفر شعر المرأة بالخرق الملونة وغيرها هو ظاهر في أنه ليس من شعرها لا يعد وصلاً ولا يدخل في النهي.
- ثانياً: حلق المرأة شعر رأسها:
أجمع العلماء على أنه: لا حلق على المرأة في الحج، ويتعين عليها التقصير.
وقد كره جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة الحلق لغير ضرورة، كمرض، لأنه بدعة في حقها، وفيه تغيير جمال الخلقة، فيؤدي إلى المثلة وتشويه جمال المنظر، وحرموه إذا تشبهت المرأة بالرجال.
- واستدلوا لذلك بما يأتي:
1 - روى الإمام مسلم عن أبي موسى أنه قال: أنا بريئ مما برئ منه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - برئ من الصالقة والحالقة والشاقة.
2 - وروى الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم - نهى أن تحلق المرأة رأسها.
وذهب المالكية والظاهرية إلى تحريم الحلق مطلقا، سواء أكان لتغيير جمال الخلقة أم للتشبه بالرجال، لعموم الأحاديث السابقة.
والراجح: ما ذهب إليه المالكية والظاهرية من تحريم الحلق للمرأةº لأن المثلة بتغيير جمال الخلقة منهي عنها، كما أن التشبه بالرجال منهي عنه، فيحرم على المرأة حلق شعر رأسها لغير ضرورة، سواء قصدت المثلة، أم التشبه بالرجال، أم التشبه بالكافرات عند نزول المصائب.
- ثالثاً: نتف الشيب واستعجاله:
اتفق الفقهاء على جواز خضاب الشيب بغير سواد من الحناء والكتم والصفرة للرجال والنساء.
كما اتفقوا على كراهية نتف الشيب من المحل الذي لا يطلب منه إزالة شعره، كالرأس واللحية.
واستثنى الحنفية من ذلك جواز نتفه لإرهاب العدو.
وقال المالكية: يكره نتف الشيب وإن قصد به التلبيس على النساء، فهو أشد في المنع.
وقال الشربيني: يكره نتف الشيب، وإن نقل ابن الرفعة تحريمه، نص عليه في الأم، وقال في المجموع: ولو قيل بتحريمه لم يبعد.
واستدلوا لكراهية نتف الشيب بما يلي:
1 - روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (لا تنتفوا الشيب، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نوراً يوم القيامة).
2 - وفي لفظ لأحمد: (إلا رفعه الله بها درجة، ومحيت عنه سيئة، وكتب الله بها حسنة).
- المعنى الذي من أجله نهى عن النتف:
نهي عن نتف الشيب لأن فيه تغيير الخلقة من أصله بخلاف الخضب، فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه، ولما فيه من التدليس والغش والخداع.
وأما استعجال الشيب بالمعالجة بأن يضع كبريتا أو غير ذلك، فقد كرهه الشافعيةº لما فيه من التدليس، ولما يترتب عليه من الضرر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد