بسم الله الرحمن الرحيم
هل من الأفضل أن تستثمر أموال الزكاة حتى يتولد منها أموال تدعم مصارفها؟ أم لا يجوز تأخيرها لأن هدفها إشباع حاجات ناجزة؟
الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، وإن كان الفقهاء يرون أن مساحة الاجتهاد الفقهي تكاد تكون منعدمة في العبادات، فإن الزكاة ربما تجعل هذه النظرة تحتاج إلى مراجعة، فصور الزكاة الحديثة تطل علينا كل يوم بجديد، ليعمل الفقهاء فيها آلة الاجتهاد الفقهي.
ومن هذه المسائل استثمار أموال الزكاة، فبدلاً من الإعطاء الآني للزكاة لمستحقيها، ألا يكون الأفضل أن تستثمر حتى يتولد منها أموال تدعم مصارفها؟
العلامة القرضاوي يجيب بأن \"فرض الزكاة لإشباع حاجات ناجزة، وتحقيق أهداف عاجلة، ولهذا أوجب الشرع صرفها في الحال، ولم يجز تأخيرها لغير عذر..ولهذا..أجمع العلماء على أن صرف الزكاة فوري، ولا يجوز تأخيره عمدًا، بغير عذر ولا سبب\".
ويرفض العلامة القرضاوي استثمار الزكاة لسببين: الأول: أنه تأخير حق عن مستحقيه، وأنه تعطيل لما حقه التعجيل، كما أن فيه إقلالاً للنسبة الخارجة لمستحقي الزكاة. ولكن الشيخ يستثني حالة واحدة، وذلك حين تجتمع ملايين من أموال الزكاة في بعض الدول، فيمكن استثمارها استثماراً قصير الأجل لا يزيد على سنة، وألا تكون فيه مخاطرة بالمال. كما يجوز استثمار الصدقات التطوعية والجارية، من أموال الوقف والوصايا.
ويذهب الدكتور عجيل النشمي عميد كلية الشريعة سابقاً بالكويت إلى أن الأصل حرمة استثمار أموال الزكاة، إلا إذا توافرت ضوابط معينة، من أهمها: عدم وجود وجوه صرف عاجلة، وأن تكون في استثمار مشروع، و أن تتخذ الإجراءات الكفيلة ببقاء الأصول المستثمرة على أصل حكم الزكاة، وكذلك ريع تلك الأصول، والإسراع بتسييل الأصول المستثمرة إذا اقتضت حاجة مستحقي الزكاة لها، وأن يكون المأذون له في الاستثمار برعاية ولي الأمر، من باب النيابة الشرعية كبيت المال والجمعيات الخيرية وغيرها ممن يأذن له ولي الأمر بذلك.
وخلاصة ما ذهب إليه مجمع الفقه بالهند في دورته الثالثة عشرة أنه لا يجوز للقائمين على الزكاة استثمارها وتوزيع الأرباح على مستحقي الزكاة، ولكن يجوز أن يستثمر مستحق الزكاة زكاته، سواء أكان عن طريقه أو بمعاونة القائمين، كما يجوز للقائمين شراء بيوت أو دكاكين وتمليكها للمستحقين، لأن انتقال الملكية يعني تسلم مستحقي الزكاة حقه فيها، ولو لم تكن نقداً.
وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي بجدة جواز استثمار أموال الزكاة من حيث المبدأ، فقد جاء في القرار ما يلي: يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع مال الزكاة وتوزيعها على أن تكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر.
وتبقى عملية الاستثمار يتجاذبها طرفان على أرض الواقع: الحاجة الماسة للناس، وطغيان الفقر على كثير من المسلمين الذين يحتاجون لسد ضروراتهم وحاجاتهم الأساسية، وبين إنفاق أموال الزكاة في حاجات تنتهي دون أن تسد للفقر، وتكون الحاجة ملحة لاستثمار الزكاة، وبين أن المسألة تدور بين فقه العاجل وقضاء الفريضة وبين فقه المقاصد، والانتقال من النظرة الفردية إلى النظرة الجماعية والمقاصدية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد