بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد حرص الإسلام على إنشاء مجتمع نظيف خال من دواعي الفتنة ووسائل الإغراء، وذلك بتضييق فرص الغواية، وإبعاد أسباب الإثارة، وأخذ الطريق على أسباب التهييج، مع تيسير الأمور المتعلقة بتصريف الدافع الفطري بين الرجل والمرأة، في موضعه المأمون النظيف الذي يحقق الثمرة المرجوة.
وما من منفذ يمكن أن يكون وسيلة الإثارة كوامن الفتنة في صدور الجنسين، أو إطلاق النظرات الجائعة، أو إيقاظ المشاعر النائمة، إلا سده الإسلام بما يكفل السعادة ويحقق الخير للرجال والنساء على حد سواء.
ومن المعلوم أن دور المرأة في إثارة الشهوة أوفر من دور الرجل فلذا خصها الإسلام ونوَّاه أكثر من الرجل، وقد تظهر المرأة زينتها بطريق مباشر.
وقد تظهرها بطريق غير مباشر، والإسلام حال دون وجود النوعين.
وقد عرفنا أنه لا يجوز للمرأة المسلمة إظهار شيءٍ, من زينتها الباطنة إلا لمن ذكر الله -تعالى- في الآية السابقة وهي آية سورة النور ولم يكتف الإسلام بذلك، بل نهى المرأة عن إظهار صوت الزينة الخفية، فقال -تعالى-: ((وَلَا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ))(سورة النور:31).
قال القرطبي في تفسيره: أي لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت لتسمع صوت خلخالها فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشد، والغرض التستر ا هـ(1).
فالصوت له تأثير كبير في تحريك الفتنة، ومن الناس من يحرك شهوته ويهيج أعصابه خيال المرأة، أو وسوسة حليها، أو رؤية ثيابها، أو شم شذا عطرها، ونحو ذلك فالتلذذ كما يكون بالنظر يكون بغيره كالسمع والشم(2).
وهذه الآية كما يقول المودودي يؤخذ منها قاعدة كلية، وهي: أن كل فعل من أفعال المرأة، إذا كان يثير حواس الرجال ومشاعرهم لا بصرهم وسمعهم فقط فإنه ينافي الغاية التي لأجلها نهى النساء عن إظهار زينتهن ا ه(3).
وقد كانت المرأة في الجاهلية تلبس الخلخال في رجلها، وعندما تمر على مجلس من مجالس الرجال تضرب برجلها، فيسمع صوت الخلخال، فينتبه إليها الرجال فنهيت المرأة المسلمة عن ذلك(4).
وعلى ما تقدم فكل ما تصنعه المرأة في سيرها، مما يثير حواس الرجال نحوها، فهو ممنوع شرعاً، ولهذا شدّد الإسلام في موضوع الطيب وخروج المرأة متطيبة كما تقدم.
وكذلك نهى الإسلام المرأة أن ترفع صوتها بحيث يسمعه الرجال الأجانب، ما لم يكن حاجة إلى ذلك، حتى في العبادات أمرت بخفض صوتها خشية الافتتان بها لأنَّ صوت المرأة له تأثير في تحريك الغرائز وإثارة الشهوات.
ففي الصلاة إذا سها الإمام يكون التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء، كما دل على ذلك الحديث الصحيح: ((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء))(5).
وفي التلبية يرفع الرجل صوته بالتلبية لحديث خلاد بن السائب عن أبيه، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال))(6).
وأما المرأة فتخفض صوتها.
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن السّنة في المرأة ألا ترفع صوتها بالتلبية، وإنما عليها أن تسمع نفسها فخرجت من جملة ظاهر الحديث في الرجال، وأسعدهم به من ساعده ظاهره وبالله التوفيق. ا هـ(7).
وهكذا يقال في قراءة القرآن والتكبير ونحو ذلك.
يقول أبو بكر الجصاص في تفسير قوله -تعالى-: ((وَلَا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)): وفيه دلالة على أنَّ المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب، إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها، ولذلك كره أصحابنا (أي الأحناف) أذان النساء لأنَّهُ يحتاج فيه إلى رفع الصوت، والمرأة منهية عن ذلك، وهو يدل أيضاً على حظر النظر إلى وجهها للشهوة، إذا كان ذلك أقرب إلى الريبة وأولى بالفتنة(8).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1]تفسير القرطبي (12/237).
[2]انظر: (في ظلال القرآن) لسيد قطب (6/97)، ط السابعة. دار إحياء التراث العربي بيروت.
[3] تفسير سورة النور ص171.
[4] تفسير ابن كثير (6/52).
[5] أخرجه البخاري (3/77)، ومسلم (4/388)، وأبو داود (3/216)، والترمذي (2/366)، والنسائي (3/11، 12).
[6] أخرجه ابن ماجة (2/975)، وأحمد (5/192)، والحاكم (1/450) وقال: صحيح الإسناد. انظر: (الصحيحة) للألباني رقم (830).
[7] التمهيد (17/242).
[8] أحكام القرآن للجصاص (5/177).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد