تعدد الزوجات 2 - 3


بسم الله الرحمن الرحيم 

قضى الله - تعالى -وقدر أن يظل الصراع بين الحق والباطل قائماً، وأن الكفار لا يزالون يكيدون لأهل الإسلام ((نَّهُم يَكِيدُونَ كَيداً)) (الطارق: 15) ((وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللّهُ)) (الأنفال: 30).

وهذه الحقيقة يجب أن يعتقدها المسلم وأن ترسخ في ذهنه ليعلم حينئذ حجم الصراع وحقيقة المواجهة.

وقد سلك هؤلاء الأعداء من كفار ومنافقين شتى الطرق واتخذوا كل أسلوب ووسيلة من أجل التشكيك في هذا الدين، والطعن في تشريعاته وأحكامه، وفي هذا العصر خصوصا اتسعت دائرة الطعن والتشكيك فصار الإعلام يقذف كل آونة بشبهة حول التشريع الإسلامي ليتلقفها الجاهل والمنافق ويبثها في المجالس والمنتديات.

ومن تلك التشريعات التي بثت حولها الشبهات والطعون:

\"مشروعية التعدد\" وسألقي على أسماعكم بعض هذه الشبه مع الجواب عليها لتستبين سبيل المجرمين: فمن هذه الشبه:

* شبهة أن في التعدد ظلما للمرأة وهضما لحقوقها:

وهذه التهمة الباطلة نسمعها ونقرؤها بين الفينة والأخرى وهي حلقة من سلسلة طويلة من دعاوى تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها.

وللجواب على هذه الشبهة نقول: أولاً: إن هذه المقولة كفر بالخالق الحكيم جل جلاله، وطعن في الشرع.

وقد قال الله - تعالى -: ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيماً)) (النساء: 65).

وقال - تعالى -: ((وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ, وَلَا مُؤمِنَةٍ, إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم)) (الأحزاب: 36).

ومن أحسن من الله حكماً؟ وإذا تقرر هذا فإن الظلم إن وجد فليس في أصل التشريع - تعالى -الله عن ذلك [1].

وإنما هو في خطأ الناس في تطبيقه، وإلا فهو مقيد في الشرع بالعدل وغيره من الشروط.

ثم إنك لتعجب حين ترى أمم الكفر- التي تخرج منها تلك الشبهات.

قد تنادى فيها العقلاء إلى الأخذ بشريعة التعدد.

وأقوالهم في ذلك بل وأقوالهن كثيرة أكتفي منها بشهادة أحدهم وهو الدكتور غوستان لوبون صاحب الكتاب المشهور\" حضارة العرب\" يقول: (لا أريد أن أبين هنا الأسباب التي جعلت الشرقيين يقولون بتعدد الزوجات، وأن أذكر أن تعدد الزوجات الشرعي عند الشرقيين خير من تعدد الزوجات الخبيث المؤدي إلى زيادة اللقطاء في أوربا) [2]

وقد تنادى أهالي \"بون\" عاصمة ألمانيا عام 1949م وخرجوا يطالبون أن ينص الدستور على إباحة تعدد الزوجات [3]

وخرجت إحدى الغربيات بعد أن أظهر تألمها وحسرتها من حال البنات المشردات في أوربا صرخت تقول: (البلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوربي على الاكتفاء بامرأة واحدة) [4].

وهل الأفضل التعدد أم 70% نسبة الخيانة في أمريكا.

هذه بعض شهاداتهم..والأول يقول:

ومحاسن شهد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء.

* شبهة أن القرآن جاء بمنع التعدد:

وهذه الدعوى تنطلق بها حناجر بعض المتعالمين والمثقفين، ويحتجون على ذلك بقوله - تعالى -: ((وَلَن تَستَطِيعُوا أَن تَعدِلُوا بَينَ النِّسَاء وَلَو حَرَصتُم)) (النساء: 126).

قالوا: إذا جمعنا هذه الآية إلى الآية الأخرى: ((فَإِن خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً)) (النساء: 3).

ظهر من ذلك أن التعدد ممنوع بنص القرآن لأنه متعذر فيه العدل.

هكذا نطقت ألسنتهم كذباً على الله - تعالى -وقولا عليه بغير علم وخرقاً لإجماع المسلمين على مر العصور.

ولتوضيح هذا الأمر نقول: إن العدل المنفي في الآية الأولى: هو العدل من جميع الوجوه وهذا لا يمكن، وليس بمقدور الإنسان أن يعدل في محبته وما لا يملك العدل فيه، ولذلك قال الله - تعالى -في الآية نفسها: ((فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيلِ)) (النساء: 129).

وأما العدل في الآية الأخرى وهو قوله - تعالى -: ((فَإِن خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم)) (النساء: 3).

فالمراد به: العدل الذي يقدر عليه الإنسان من الأمور الظاهرة وسيأتي بيانها إن شاء الله - تعالى -.

هذا الذي ذكره المفسرون بل حكى الأمام النووي الإجماع عليه [5]، وهو الذي فهمه الصحابة والتابعون ومن بعدهم إلى يومنا هذا، فهم لا يزالون يعددون بناء على هذا الفهم.

نقتصر على هاتين الشبهتين لأنهما أبرز الشبه، وإلا فالشبه كثيرة، والأمر كما قال الشاعر:

لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - مبينا شيئا من واقع أولئك المنادين بمنع التعدد: (إن هؤلاء القوم الذين يدعونكم إلى منع تعدد الزوجات لا يتورع أكثرهم عن اتخاذ العدد الحجم من العشيقات والأخدان، وأمرهم معروف مشهور بل إن بعضهم لا يستحي من إذاعة مباذلته وقاذوراته في الصحف والكتب، ثم يرفع علم الاجتهاد في الشريعة والدين ويزري بالإسلام والمسلمين) [6].

 

----------------------------------------

[1] عن حقوق النساء في الإسلام \"للشيخ محمد رشيد رضا (ص/82).

[2] عن حقوق النساء في الإسلام \"للشيخ محمد رشيد رضا (ص/82).

[3] فقه السنة (ص/253/2).

[4] المرأة بين الفقه القانون (ص/82)، وانظر للأهمية (تعدد الزوجات إعجاز تشريعي) د. محمد شتا أبو سعد.

[5] شرح مسلم (15/205).

[6] (عمدة التفسير) للشيخ أحمد شاكر (3/108). وانظر حول بعض الشبة والجواب عنها:

(المرأة بين الفقه والقانون) (ص/99 - 102)، تعدد الزوجات للعطار (ص/48)، فقه تعدد الزوجات لمصطفى العدوى (ص/125)، وإتحاف الخلان (ص/323)، عقبات في طريق المرأة المسلمة للجلالي، تعدد الزوجات للظبيعي (ص/69)، وغيرها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply