بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
1- لا يحل له السفر بإحداهن إلا بقرعة
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه\". رواه: البخاري (9/387) مسلم (15/209).
أ- قال ابن القيم - رحمه الله -: إذا أراد السفر لم يجز أن يسافر بإحداهن إلا بقرعة. أ. هـ \"الزاد\" (5/151)
ب- قال البغوي - رحمه الله -: إذا أراد الرجل أن يسافر سفر حاجة، ويحمل بعض نسائه مع نفسه: فليس له إلا أن يقرع بينهن. أ. هـ. \"شرح السنة\" (9/154).
ج- قال ابن حزم - رحمه الله -: ولا يجوز له أن يخص امرأة من نسائه بأن تسافر معه إلا بقرعة. أ. هـ. \"المحلى \" (9/212).
د- قال الشافعي - رحمه الله -: وبهذا أقول: إذا حضر سفر المرء وله نسوة فأراد إخراج واحدة للتخفيف من مؤنة الجميع والاستغناء بها: فحقهن في الخروج معه سواء، فيقرع بينهن، فأيتهن خرج سهمها للخروج خرج بها. أ. هـ. \"الأم\" (5/160)
قلت: وكذا قال الشوكاني \" السيل الجرار\" (2/304). وابن قدامة \"المغني\" (8/155) وابن عبد البر \"التمهيد\" (19/266).
وخالف في ذلك: الأحناف والمالكية فقالوا: يخرج بغير قرعة \"الفتح\" (9/388) \"عمدة القاري\" (20/197) و \"المبسوط\" (5/219) \"والتمهيد\" (19/265).
قال ابن حزم: وهذا باطل لأن العدل بين الزوجات فرض، كما أوردنا، فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك إلا ما خصه نص. ولم يخص النص إلا السفر بالقرعة فقط، فما عدا ذلك فهو ظلم. وبالله - تعالى - التوفيق.
فإن قيل: إن له أن لا يسافر بواحدة منهن. [قلت: جعل \"الصنعاني\" هذا تعليلاً لعدم الوجوب - تبعا للأحناف - \"سبل السلام \" (3/316)].
قلنا: نعم. وهو عدل بينهن في المنع. فليس بذلك مائلا إلى إحداهن، وأما إذا سافر بغير قرعة بواحدة منهن، فقد مال إليها. وهذا ظلم لا يحل. أ. هـ.
\"المحلى \"(9/217) وانظر \"المغني\" و \"الأم\" في الرد على ما ذهب إليه الأحناف والمالكية.
2- القرعة بين النساء للسفر إنما تجب في حال تساوي أحوالهن
وهذا هو أصلا معنى القرعة، فإنها لا تكون إلا عند تساوي الأحوال. أما إذا كان السفر بواحدة لا يمكن أن يكون مثل أن تكون مقعدة أو مريضة أو عندها أولاد كثر، أو أن القانون لا يسمح لمثلها بدخول البلد المسافَر إليه..الخ، فإنه في هذه الحالة لا قرعة.وهل يجب عليه أن يقضي لها إذا رجع؟
الظاهر: أنه يجب، إذ لا ذنب للمعذورة في فوات الأيام عليها، مع استفادة زوجها وضرتها منها.وعليه، فإنه يقضي لها إذا رجع، كذا قال لي شيخنا الألباني كما سيأتي بعد قليل إن شاء الله.
(1) قال القرطبي - رحمه الله -: تختص مشروعية القرعة بما إذا اتفقت أحوالهن، لئلا يخص واحدة فيكون ترجيحاً بلا مرجح. أ. هـ
من \"الجامع لأحكام النساء\" للعدوي (3/526).
(2) وبعد أن نقل عن المالكية والحنفية عدم وجوب القرعة في حال عدم تساوي أحوال الزوجات، قال الدكتور أحمد الريان: إذا تساوت ظروف الزوجات في كل النواحي التي يحرص على حفظها ورعايتها سفراً وحضراً، فالاقتراع هو المتعين، أما إذا تفاوتت الزوجات في ذلك، فلا بأس من الاختيار مع مراعاة شرطي عدم الميل وعدم قصد الإضرار. أ. هـ
\"تعدد الزوجات\" (ص 71).
(3) وقد سألتُ الشيخ عبد الله البسَّام - حفظه الله - في الأول من شوال 1417هـ في بيته عن هذه المسألة فأفتى بعدم وجوب القرعة في حال عدم تساوي أحوالهن. والحمد لله.
(4) وكذا هو قول شيخنا الألباني - حفظه الله - عندما سألته عن هذه المسألة في السابع عشر من محرم عام 1418هـ في بيته. وأضاف بوجوب قضاء هذه الأيام لمن تركها في بلدها.
3- إذا سافر بأكثر من واحدة، فعماد القسم في حقه: وقت نزوله
أ- قال أبو إسحاق الشيرازي: وإن سافر بامرأتين بالقرعة سوّى بينهما في القسم كما يسوي بينهما في الحضر. أ. هـ.
\"المهذب\" (18/126 من تكملة المجموع).
ب- قال العيني - رحمه الله -: وعماد القسم في حق المسافر: وقت نزوله. وحالة السير ليست منه ليلاً كان أو نهاراً. ا. هـ
\"عمدة القارئ\" (20/197).
ج- وقال الحافظ ابن حجر: ولا يتجه القسم في حالة السير إلا إذا كانت الخلوة لا تحصل إلا فيه بأن يركب معها في الهودج، وعند النزول يجتمع الكل في الخيمة، فيكون حينئذ عماد القسم السير، أما المسايرة فلا. أ. هـ.
\"الفتح\" (9/389).
وقال: عماد القسم الليل في الحضر وأما في السفر فعماد القسم فيه النزول، وأما حالة السير فليست منه لا ليلا ولا نهارا. أ. هـ..
د- وقال البغوي - رحمه الله -: وعماد القسم … وفي حق المسافر ما دام سائراً فمن وقت الحلول إلى الارتحال، قل أم كثر ليلا كان أو نهارا. أ. هـ.
\"شرح السنة\" (9/154).
4- مدة السفر مع واحدة لا تحسب عليها، وليس عليه القضاء - إذا خرج بقرعة -
أ- قال الشافعي - رحمه الله -: فإذا خرج بامرأة بالقرعة كان لها السفر خالصا دون نسائه، لا يحتسب عليها ولا لهن من مغيبها معه في السفر منفردة شيء، وسواء قصر السفر أو طال. أ. هžـ \"الأم\" (5/284).
ب- وقال ابن حزم: فإن خرج بها - كما ذكرنا بقرعة - لم يحاسبهن بلياليهن معه في السفر، لأنه خرج بحق لا بميل ولا بحيف …. وهذا قول الشافعي وأبى سليمان. أ. هـ. \"المحلى\" (9/217).
ج- وقال البغوي: ثم إذا حمل مع نفسه واحدة بالقرعة لا يجب عليه أن يقضي للباقيات مدة سفره وإن طالت، ولا مدة مكثه في بلد إذا لم يزد على مقام المسافرين. فإن زاد مكثه في موضع على مدة المسافرين فعليه قضاء ما زاد للباقيات. هذا قول أكثر أهل العلم. وذهب بعضهم إلى أن يقضي للبواقي مدة غيبته بكل حال. والأول قول عامة أهل العلم وهو الأصح. لأن المسافرة وإن حظيت بصحبة الزوج، فقد تعبت بمشقة السفر، والتسوية بينها وبين من هي في راحة الإقامة والسكون عدول عن الإنصاف. أ. هـ. \"شرح السنة\" (9/154).
د- وقال ابن عبد البر - رحمه الله -: فإذا رجع من سفره: استأنف القسمة بينهن، ولم يحاسب التي خرجت معه بأيام سفره معها، وكانت مشقتها في سفرها ونصبها فيه بازاء نصيبها منه وكونها معه. أ. هـ. \"التمهيد\" (19/266).
هـ - وقال الخطابي - رحمه الله -: واتفق أكثر أهل العلم على أن المرأة التي يخرج بها في السفر، لا يحتسب عليها بتلك المدة للبواقي، ولا تُقاصّ بما فاتهن في أيام الغيبة، إذا كان خروجها بقرعة. وزعم بعض أهل العلم أن عليه أن يوفي للبواقي ما فاتهن أيام غيبته حتى يساوينها في الحظ. والقول الأول أولى لاجتماع عامة أهل العلم عليه. ولأنها إنما أرفقت بزيادة الحظ بما يلحقها من مشقة السفر وتعب السير، والقواعد خليات من ذلك. فلو سوى بينها وبينهن لكان في ذلك العدول عن الإنصاف. أ. هـ. \"معالم السنن/ هامش المنذري \" (3/65).
قلت: ولو كان للمقيمة حق القضاء، لما كان للقرعة التي كان يجريها النبي - صلى الله عليه وسلم - فائدة، ولنقل لنا قضاؤه - صلى الله عليه وسلم - لهن حقهن. فكان قول عامة أهل العلم أولى بالأخذ به.
والله أعلم.
و- قال ابن القيم - في فوائد حديث عائشة \" كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا …. \" -: \" أنه لا يقضي للبواقي إذا قدم، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقضي للبواقي. وفي هذا ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه يقضي سواء أقرع أو لم يقرع. وبه قال أبو حنيفة ومالك.
والثاني: أنه لا يقضي للبواقي أقرع أو لم يقرع. وهذا مذهب أهل الظاهر.
والثالث: أنه إن اقرع لم يقض، وان لم يقرع قضى. وهذا قول أحمد والشافعي. أ. هـ.
\"زاد المعاد\" (5/152).
قلت: أما ابن حزم فليس هذا مذهبه - كما سبق - لكن لعله مذهب \"داود الظاهري \" وبعض أتباعه. والله أعلم.
5- إذا سافر بواحدة بغير قرعة أثم ولزمه القضاء للبواقي، مدة مبيته لا مدة سيره.
أ- قال الحافظ ابن حجر: فلو سافر بمن شاء بغير قرعة، فقدم بعضهن في القسم: للزم منه إذا رجع أن يوفي من تخلفت حقها. أ. هـ \"الفتح\" (9/389).
ب- وقال ابن قدامة - رحمه الله -: لكن إن سافر بإحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يقضي لأن قسم الحضر ليس بمثل قسم السفر فيتعذر القضاء.
ولنا: أنه خص بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه، فلزمه القضاء، كما لو كان حاضراً. إذا ثبت هذا فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة. وإنما يقضي منها ما أقام منها معها بمبيت ونحوه فأما زمان السير فلم يحصل لها منه إلا التعب والمشقة، فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتا عندها واستمتاعا بها: لمال كل الميل. أ. هـ. \"المغني\" (8/156).
قلت: فإذا سافر شهراً - ظلماً لواحدة منهما - قضى شهراً، وإن سافر أسبوعاً قضى أسبوعاً وهكذا. والله أعلم.
6- إذا رجع من سفره، بات عند التي خرج من ليلتها
وهو مقتضى العدل، وليس لها ذنب بسفره في ليلتها، وليس له أن يحسب الأيام بين نسائه، فإذا رجع وبات عند التي جاءت ليلتها - على حساب الحَضَر - فإن هذا ظلم بَيِّن وهو يفتح الباب للضغينة بين النساء، والغش من الرجل. فقد يبيت متعمدا آخر ليلة سفره ليصيب - إذا رجع - ليلة من يريد. فتنبه.
وهذا يشبه تماما ما إذا تزوج الرجل بكرا فأقام عندها سبعا، أو ثيباً فأقام ثلاثا، فإنه إن انتهى من القسم لها: يرجع إلى صاحبة النوبة قبل أن يتزوج ويبيت معها إذ هي صاحبة الحق، وهذا مقتضى العدل. وقد سألت الشيخ عبد الله البسَّام - حفظه الله - في 1 شوال 1417هـ في بيته عن هذا فأفتاني بمثل هذا الذي ذكرتُ، والحمد لله.
وإذا أراد أن يسافر مرة أخرى فإنه لا يُدخل التي خرجت لها القرعة أولاً مرة أخرىº لأن القصد من القرعة حصل، وبقي للأخريات الحق في السفر معه وهذا إذا كان له سفرٌ منظَّم معلوم، فإن القرعة هنا إنما هي لترتيب نسائه في سفرهن معه، كمن يعتمر كل عام أو يحج ويرغب باصطحاب إحدى نسائه معه. أو كالذي له سفرة كل عام لمدة أربع سنوات -مثلاً- وعنده أربع نساء، فإن القرعة هنا إنما تكون لمعرفة صاحبة الأولوية ثم التي تليها وهكذا.
أما إن لم يكن الأمر كذلك، وكان سفره غير منظم، فإنهن يستوين في الحق فيقرع بينهن في كل مرة ويدخل التي خرجت لها القرعة مرة ثانية. هذا الذي ظهر لي وأظنه مقتضى العدل. والله أعلم.
7- إذا سافرت المرأة في حاجتها بإذن زوجها: فلا قسم لها
أ- قال الشافعي: وإذا سافرت الحرة بإذنه - أو بغير إذنه - فلا قسم لها ولا نفقة. أ. هـ. \"الأم\" (5/281)
ب- وقال ابن قدامة: وجملة الأمر أنها إذا سافرت في حاجتها بإذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة: لم يبق لها حق في نفقة ولا قسم. هكذا ذكر الخرقي والقاضي.
وقال أبو الخطاب: في ذلك وجهان. وللشافعي فيه قولان. أحدهما لا يسقط حقها لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه.
ولنا: أن القسم للأنس. والنفقة للتمكين من الاستمتاع. وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فسقط كما لو تعذر ذلك قبل دخوله بها. أ. هـ. \"المغني\" (8/155).
8- لا يلزم الزوج إذا سافر بواحدة إلى أهلها أن يسافر بالأخرى
ذلك أن السفر مما لا يلزم الزوج بوجوب العدل فيه، ولمن تركها في بلده أن يسافر بها أو يذرها. ويجب أن نفرق بين ما إذا كان السفر لحاجة له فأراد أن يصطحب معه واحدة منهن وبين أن يكون السفر لواحدة منهن ويذهب هو محرما، فهنا عليه القضاء لمن ترك، ويجوز أن يبقى عندها أكثر من المسافرة، لأن المسافرة لحاجتها لا قسم ولا قضاء لها - وهو مذهب الحنابلة والشافعي في الجديد وظاهر مذهب المالكية -، ولا يجب عليه أن يسافر بالأخرى - وهذا إذا كان سفرها لضرورة أو حاجة ماسة، فإن كان سفر نزهة، فالظاهر وجوب العدل - مثل ما سافر بالأولى. والله أعلم.
9- فإن سافرت بإذنه لحاجته هو: لم يسقط حقها من القسم
أ- قال الشافعي - رحمه الله -: وإذا سافرت الحرة - بإذنه أو بغير إذنه - فلا قسم لها ولا نفقة، إلا أن يكون هو الذي أشخصها، فلا يسقط عنه نفقتها ولا قسمها. وهي إذا أشخصها مخالفة لها إذا شخص هو وهي مقيمة، لأن إشخاصه إياها كنقلها إلى منزل فليس له تركها فيه بلا نفقة ولا قسم، وشخوصه هو شخوص بنفسه، وهو الذي عليه القسم لا له. أ. هـ. \"الأم\" (5/281).
ب- وقال ابن قدامة - رحمه الله -: فأما إن أشخصها، وهو أن يبعثها لحاجته، أو يأمرها بالنقلة من بلدها: لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم لأنها لم تفوت عليه التمكين، ولا فات من جهتها، وإنما حصل بتفويته فلم يسقط حقها كما لو أتلف المشتري المبيع: لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه. فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها. وإن سافرت معه فهي على حقها منهما جميعا. أ. هـ. \"المغني\" (8/155).
قلت: أما إذا سافرت لحاجتها بلا إذنه فلا حق لها باتفاق العلماء.
10- ماذا يصنع من تزوج ثم سافر؟
قال ابن قدامة - رحمه الله -: إذا كانت له امرأة، فتزوج أخرى، وأراد السفر بهما جميعا: قسم للجديدة سبعا إن كانت بكرا، وثلاثا إن كانت ثيبا، ثم يقسم بعد ذلك بينها وبين القديمة. وإن أراد السفر بإحداهما: أقرع بينهما. فإن خرجت قرعة الجديدة: سافر بها معه، ودخل حق العقد في قسم السفر، لأنه نوع قسم. وإن وقعت القرعة للأخرى: سافر بها. فإن حضر: قضى للجديدة حق العقد لأنه سافر بعد وجوبه عليه.
وإن تزوج اثنتين وعزم على السفر أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة … ويستأنف قضاء حق العقد لكل واحدة منهما، ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد. وهذا أقرب إلى الصواب من إسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط. أ. هـ. \"المغني\" (8/158-159).
والحمد لله أولاً وأخيراً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد