بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبعدº
قبل الجواب لابد لنا من الوقوف على فضائل أمهات المؤمنين من خلال نصوص الكتاب العزيز:
2 إيثار أمهات المؤمنين الله والرسول الدار الآخرة:
قال - تعالى -: \" يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لِأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدٌّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجرًا عَظِيمًا \" [الأحزاب: 28، 29].
عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: إن الله جل ثناؤه قال: \" يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لِأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدٌّنيَا وَزِينَتَهَا إلى أَجرًا عَظِيمًا \" قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما فعلت. رواه البخاري (4785).
3 الأجر لأمهات المؤمنين مضاعف:
قال - تعالى -: \"وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعمَل صَالِحًا نُؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعتَدنَا لَهَا رِزقًا كَرِيمًا \" [الأحزاب: 31].
4 أنهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف وعلو المنزلة:
قال - تعالى -: \" يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ, مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلَا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولًا مَعرُوفًا \" [الأحزاب: 32]
5 أن الله شرفهن بتلاوة آياته والحكمة في بيوتهن:
قال - تعالى -: \" وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا \" [الأحزاب: 34]
وبعد هذه الفضائل والمناقب لزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتي كانت بمثابة التمهيد للجواب على سؤالك، إليك الجواب:
أ هل زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - من آل بيته؟
ذكر الإمام ابن القيم في كتاب \" جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام \" الخلاف في مسألة من هم آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإليك ملخص الأقوال:
1 هم الذين حرمت عليه الصدقة، وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنهم بنو هاشم وبنو المطلب، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه.
والثاني: أنهم بنو هاشم خاصة، وهذا مذهب أبي حنيفة، والرواية الثانية عن أحمد، واختيار ابن القاسم صاحب مالك.
والثالث: أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، فيدخل فيهم بنو المطلب وبنو أمية وبنو نوفل ومن فوقهم إلى بني غالب. وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك حكاه صاحب الجواهر عنه وحكاه اللخمي في التبصرة عن أصبغ ولم يحكه عن أشهب.
وهذا القول في الآل أعني أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة هو منصوص الشافعي وأحمد والأكثرين وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي.
2 - أن آل النبي هم ذريته وأزواجه خاصة، حكاه ابن عبد البر في التمهيد.
3 - أن آله اتباعه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - ذكره البيهقي عنه ورواه عنه سفيان الثوري وغيره واختاره بعض أصحاب الشافعي حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقه ورجحه الشيخ محيي الدين النواوي في شرح مسلم واختاره الأزهري.
4 - أن آله هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة. ا. هـ.
وبعد أن ذكر الإمام ابن القيم الأربعة أقوال مع ذكر دليل كل قول، ومناقشة كل دليل رجح بقوله (ص337): فهذا ما احتج به أصحاب كل قول من هذه الأقوال.
والصحيح هو القول الأول، ويليه القول الثاني، وأما الثالث والرابع فضعيفان. ا. هـ.
وقال ابن كثير في تفسيره (6410) لقوله - تعالى -: \" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا \" [الأحزاب: 33]:
وهذا نص في دخول أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل البيت ههناº لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح. ا. هـ.
وذكر ابن كثير جملة من الأحاديث والآثار في إثبات دخول زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - في آل بيته، ثم قال بعد ذلك (6/415):
ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - داخلات في قوله - تعالى -: \" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا \" [الأحزاب: 33]، فإن سياق الكلام معهنº ولهذا قال - تعالى -بعد هذا كله: \" وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ \" [الأحزاب: 34]. ا. هـ.
ب تحريم الصدقة عليهن:
أما تحريم الصدقة على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد نقل ابن بطال اتفاق الفقهاء على أن أزواجه - صلى الله عليه وسلم - لا يدخلن في آله الذين حرمت عليهم الصدقة، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/416): وقد نقل ابن بطال أنهن أي الأزواج لا يدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء. ا. هـ.
وتعقبه الحافظ بقوله: وفيه نظر فقد ذكر ابن قدامة أن الخلال أخرج من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت \" إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة \" قال وهذا يدل على تحريمها. قلت: وإسناده إلى عائشة حسن، أخرجه ابن أبي شيبة أيضا. ا. هـ.
ونص كلام ابن قدامة موجود في المغني (2/520).
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (22/460 461):
وعلى هذا ففي تحريم الصدقة على أزواجه وكونهم من أهل بيته روايتان عن أحمد:
إحداهما: لسن من أهل بيته وهو قول زيد بن أرقم الذي رواه مسلم في صحيحه عنه.
والثانية: هن من أهل بيته. لهذا الحديث فإنه قال: وعلى أزواجه وذريته. وقوله: \" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا \" [الأحزاب: 33]، وقوله في قصة إبراهيم: \" رَحمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ \" [هود: 73]. وقد دخلت سارة، ولأنه إستثنى امرأة لوط من آله فدل على دخولها في الآل، وحديث الكسا يدل على أن عليا، وفاطمة، وحسنا، وحسينا أحق بالدخول في أهل البيت من غيرهم، كما أن قوله في المسجد المؤسس على التقوى هو مسجدي هذا يدل على أنه أحق بذلك وأن مسجد قباء أيضا مؤسس على التقوى، كما دل عليه نزول الآية وسياقها، وكما أن أزواجه داخلات في آله وأهل بيته كما دل عليه نزول الآية وسياقها وقد تبين أن دخول أزواجه في آل بيته أصح وإن كان مواليهن لا يدخلون في موالى آله بدليل الصدقة على بريرة مولاة عائشة. ا. هـ.
فشيخ الإسلام رجح دخول زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - في آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جانب أنهن ممن يحرم عليهن الصدقة.
والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد