1. تنعقد العقود بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل، فكل ما عده الناس بيعا أو إجارة فهو بيع أو إجارة، وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال انعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه بينهم من الصيغ والأفعال، وليس لذلك حد مستمر في شرع ولا في لغة.
2. الأصل في العبادات التوقيف، والأصل في العادات والمعاملات الإباحة. والبيوع من باب العادات والمعاملات.
3. قول الله - تعالى- {وأحل الله البيع وحرم الربا} أصل في حل كل بيع، ما لم يقم على تحريمه دليل. فاجتمع في حل البيوع أصلان: هذه الآية، والقاعدة قبلها.
4. أكل المال بالباطل حرام في الإسلام.
وأكل المال بالباطل في المعاملات نوعان ذكرهما الله - تعالى -في كتابه هما: الربا والميسر.
وفصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جمعه الله - تعالى- في كتابه فنهى عن بيع الغرر، والغرر هو المجهول العاقبة.
5. الغرر أصل في فساد البيوع، وهو ثلاثة أنواع:
أ. بيع المعدوم كحبل الحبلة.
ب. المعجوز عن تسليمه كبيع الآبق والشارد.
ت. بيع المجهول
6. حرم الله - تعالى- على عباده المحرمات من الأعيان كالميتة والدم، ومن التصرفات كالميسر والربا وبيوع الغرر: لما في ذلك من المفاسد.
6. العقود ثلاثة أقسام:
الأول: عقود لازمة من الطرفين، وهي نوعان:
أ. لازمة بمجرد العقد ولا يثبت فيها خيار كالوقف والنكاح.
ب. لازمة لكن يثبت فيها الخيار، ويحصل اللزوم بانقطاع الخيار كالبيوع.
الثاني: عقود جائزة من الطرفين لكل منهما فسخه كالوكالة والشركة.
الثالث: عقود لازمة من أحد الطرفين، جازة في حق الآخر كالرهن والكفالة.
هذا من حيث الجملة.
تعريف البيع:
البيع مقابلة مال بمال تمليكاً.
حكمه: جائز مشروع دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
قال الله تعالى {وأحل الله البيع}.
وقال - عليه السلام - (البيعان بالخيار).
وأجمع المسلمون على جوازه في الجملة.
والعقل يدل عليه: إذ الإنسان يحتاج إلى سلعة تكون عند غيره، والناس لا يملكون حقوقهم غيرهم إلا بمقابل، فلو لم يشرع البيع لانسد باب المعاش على الناس.
صور البيع
لا يخلو البيع من ثلاث أحوال:
أ: ثمن بثمن. ب: مثمن بمثمن. ج: ثمن بمثمن.
الأول يسمى صرفاً. والثاني يسمى مقايضة. والثالث يسمى بيعا مطلقاً.
أركان البيع:
أركانه ثلاثة: أ: العاقدان. ب: المعقود عليه. ج: الصيغة.
العاقدان هما البائع والمشتري. فلا يتم بيع بغيرهما، أو بأحدهما منفرداًº أصالة أو وكالة.
والمعقود عليه لا يتصور حصول بيع بدونه.
أما الصيغة فهي ما يعبر عنها بالإيجاب والقبول.
والإيجاب والقبول إما أن يقعا لفظا أو حكما، وفي الأخير خلاف وهو المعروف ببيع المعاطاة. والمراد به أن يدفع المشتري الثمن ويعطيه البائع السلعة، ولا يتلفظ أحدهما بشيء.
ومذهب جمهور أهل العلم جواز ذلك، وهو الحق، ومنعه الشافعية.
ويدل للمذهب الصواب أن الله - عز وجل - أحل البيع، ولم يثبت في الشرع لفظ لا يقع إلا به، فوجب الرجوع إلى العرف، فكلما عده الناس بيعا كان بيعا.
ولفظة البيع مشهورة، وقد اشتهرت الأحاديث بالبيع من النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابهº في زمنه وبعده، ولم يثبت في شيء منها مع كثرتها اشتراط الإيجاب والقبول لفظا.
ولقوة هذا المذهب اختاره المحققون من الشافعية أنفسهم كالبغوي والنووي.
تنبيه
صور المعاطاة ثلاثة:
أ: أن يقول البائع للمشتري خذ هذا بكذا، فيأخذه بغير جواب. وهذه معاطاة من المشتري.
ب: أن يقول المشتري بعني هذا بكذا، فيدفعه إليه البائع دون جواب. وهذه معاطاة من البائع.
ج: أن يأخذ المشتري السلعة ويدفع الثمن للبائع دون كلام منهما. وهذه معاطاة من الجانبين.
قال النووي:
أما إذا أخذ منه شيئا (سلعة)، ولم يعطه شيئا (نقود)، ولم يتلفظا بشيء، بل نويا أخذه بثمنه المعتاد كما يفعله كثير من الناسº فهذا باطل، لأنه ليس ببيع لفظي، ولا معاطاة، ولا يعد بيعا، فهو باطل فلنعلم هذا، ولنحذر منه، ولا نغتر بكثرة من يفعله.
شروط البيع
الشرط الأول: التراضي بين الطرفين.
لقول الله تبارك وتعالى{لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -، في معرض النهي عن بيع الملامسة: (فيكون ذلك بينهما عن غير تراض) رواه البخاري.
فلا يصح بيع المكره بغير حق. أم إن أكره بحق: كمن يحتكر طعام الناس فيكرهه الحاكم على بيعه، وكبيع المرهون، ومال المفلس، فذلك جائز.
الشرط الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف.
وهو الحر البالغ الرشيد.
فلا يصح تصرف صبي، أو مجنون، أو عبد مملوك، أو سفيه بغير إذن وليه.
الشرط الثالث أن يكون العاقد مالكا للعين.
ويصح ممن يقوم مقام المالك: كالوكيل والولي والوصي والناظر.
الشرط الرابع أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة:
الأعيان المبيعة نوعان: طاهر، ونجس.
أما الطاهر فمباح بيعه بشرط النفع، فلا يصح بيع ما لا نفع فيه وإن كان طاهرا.
وأما النجس فنوعان: نجس بعينه، ونجس بملاقاة النجس. ويدخل تحت هذا الوصف أنواع بعضها مجمع على تحريم بيعه، وبعضها مختلف فيه.
فمن المجمع عليه: الخمر والميتة والدم والخنزير والأصنام.
ومن مسائل هذا الشرط: بيع الكلب والصواب من الأقوال منعه لدلالة السنة الصحيحة عليه.
الشرط الخامس أن يكون العقد صادرا من مالك أو من يقوم مقامه
فإن باع ملك غيره، أو اشترى بماله بلا إذن لم يصح البيع. وهذا ما يعرف بتصرف الفضولي، وصوره:
أ: أن يبيع ملك الغير.
ب: أن يشتري للغير بعين ماله.
ج: أن يشتري للغير بالذمة.
وفي كل هذه الصور تصرفه باطل لا ينعقد إلا إذا أجازه الغير فيصح.
الشرط السادس أن يكون مقدورا على تسليمه
لعموم النهي عن بيع الغرر، وقوله عبيه السلام: (لا تبع ما ليس عندك)، ولما فيه من الميسر.
فلا يصح بيع آبق أو شارد، أو مغصوب، ونحو ذلك.
الشرط السابع أن يكون المبيع معلوما برؤية أو وصف.
ويشترط في الرؤية أن تكون مقارنة للعقد، أو سابقة له بزمن لا يتغير في مثله المبيع عادة. ويشترط في الصفة أن تكون فيما يمكن ضبطه بالصفة.
فإن كان المبيع مجهولا لم يصح البيع.
ومثلوا له ببيع الحمل في بطن أمه، واللبن في الضرع، ونحو ذلك.
ودليله النهي عن بيع الغرر، وعن بيع حبل الحبلة.
الشرط الثامن أن يكون الثمن معلوما.
فإن قال: بعتك بما في جيبي، أو بما في جيبك، وجهلاه لم يصح البيع. وإن باع معلوما ومجهولا يتعذر علمه بيعة واحدة لم يصح البيع. مثاله بعتك هذه الشاة، وما في بطن الأخرى بكذا.
نماذج من البيوع الممنوعة
1. بيع الملامسة:
حقيقته أن يعتمد على اللمس بدل الرؤية: فيقول إذا لمست وجب البيع، أو بدل الخيار، فيقول: إذا لمست فلا خيار لك في الرد.
2. بيع المنابذة
حقيقته أن يجعل النبذ (وهو الطرح)، موجبا للبيع أو قاطعا للخيار.
3. بيع الحصاة
أن يجعل الحصاة التي ترمى تحدد المبيع، مثاله: ارم هذه الحصاة وما انتهت إليه من الأرض فهو لك بكذا. أو ارم الحصاة فما وقعت عليه فهو لك بكذا.
4. بيع حبل الحبلة
وهو بيع كان يبتاعه أهل الجاهلية: أن يبيعه حمل النتاج، أو يبيعه بيعا يجعل أجله حمل النتاج.
والنهي عنه ثابت في الصحيحين من حديث ابن عمر.
5. بيع النجش
أن يزيد في السلعة ولا يريد شراءها.
والنهي عنه ثابت في الصحيحين.
6. بيع الحاضر للباد
ورد النهي عنه في الصحيحين، وفسره ابن عباس بأن يكون له سمسارا.
وقال أهل العلم يشترط للمنع شروطا:
أ. أن يحضر البادي لبيع سلته، أما إن جاء ليخزنها أو ليأكلها أو يهديها فلا.
ب. أن يقصده الحاضر، فإن أتى هو للحاضر فلا.
ج. أن يكون البادي جاهلا السعر.
د. أن بالناس حاجة إلى سلعته.
7. تلقي الركبان:
والنهي عنه وارد في الصحيحين. والمراد نهي التجار أن يتلقوا الجلب، فيشترون منهم قبل ن يهبطوا إلى السوق. فإنهم إما أن يضروا بهم بغبنهم، أو يضروا أهل البلد بإغلاء السعر عليهم.
8. البيع على بيع أخيه:
النهي عنه ثابت في الصحيح.
وحقيقته أنيقع الاتفاق بين البائع والمشتري على البيع، فيأتي ثالث ليشتري فوق بيع الأول بزيادة في السعر. ومثله أن يعرض ثالث للمشتري سلعة مماثلة بأرخص مما اتفقا عليه. وكله حرام.
9. بيعتان في بيعة
ورد النهي عن ذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان وصححاه.
وله ثلاث صور:
أ أن يقول بعتك هذه السلعة بألف درهم أو بمائة دينار، ويفترقا على ذلك.
ب. أبيعك هذه السلعة بألف حاضرة، أو ألفين إلى أجل، ويفترقا قبل تعيين أحدهما.
ج. أبيعك هذه السلعة بكذا على أن تبيعني هذه بكذا.
10. بيع ما لم يملك
ثبت النهي عنه في حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - (ولا تبع ما ليس عندك)، ومن حديث عمرو بن شعيب مرفوعا: (لا يحل سلف وبيع...ولا بيع ما ليس عندك).
12. بيع العينة:
ورد النهي عنه ضمن حديث ابن عمر - رضي الله عنه - وعن أبيه مرفوعا: (إذا تبايعتم بالعينة.... سلط الله عليكم ذلا...) الحديث.
وصورة بيع العينة: أن يقول بعني هذه السلعة بألف مثلا نسيئة، ثم يبعها عليه في الحال نقدا بأقل.
الخيارات:
1. خيار المجلس
المراد بالمجلس ما داما مجتمعين، فو كانا قائمين أو ماشيين فالخيار باق ما لم يتفرقا.
وخيار المجلس ثابت من حديث ابن عمر المتفق عليه: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا، ما لم يخير أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر وتبايعا على ذلك فقد وجب البيع). الحديث.
وعليه جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومن المذاهب الشافعية والحنابلة.
وخالف الحنفية والمالكية وتأولوا الحديث بتأويلات مردودة.
2. خيار الشرط:
هو أن يشترط أحد العاقدين أو كلاهما في العقد مدة معلومة.
ودليله عموم قوله - سبحانه - {يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود}، وحديث (المسلمون على شروطهم).
فإن شرط مدة معلومة كأن يقول: اشتريت هذه السلعة ولي الخيار مدة ثلاثة أيام، وتراضيا على ذلكº صح وثبت الخيار.
3. خيار الغبن
إذا غبن المشتري غبنا فاحشا ثبت له الخيار.
وله ثلاث صور:
أ. أن يحصل الغبن بزيادة الناجش.
ب. أن يجهل القيمة ولا يحسن المماكسة.
ج. أن يحصل الغبن بسبب تلقي الركبان.
وقد يستدل له بحديث حبان بن منقذ - رضي الله عنه - أنه كان يخدع في البيوع فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا بعت فقل لا خلابة ولي الخيار). والحديث في الصحيحين.
4. خيار العيب.
وضابط العيب ما تنقص به قيمة المبيع.
دليله قوله - سبحانه - {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، وقد يستدل له بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في المصراة.
فإذا ظهر في المبيع عيب لم يكن يعلم المشتري حين البيع، وله أثر في قيمة المبيعº ثبت له الخيار بين الرد والإمساك مع أرش العيب. وقال شيخ الإسلام بل له الخيار بين الرد والإمساك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
شكر وتقدير
-أبو عمر الجزائري
22:20:51 2019-12-09