قيام رمضان


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

قيام رمضان أو صلاة التراويح، وهي جمع ترويحة، وهي في الأصل اسم للجلسة، وقد سميت بالترويحة لاستراحة المصلين بعد أربع ركعات بالجلسة، ثم سميت بعد ذلك مجازًا، وهي عبادة عظيمة، وسنة مستحبة، سنها رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ورغب فيها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كانَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَغِّبُ في قيامِ رمضَانَ من غَيرِ أَنْ يَأمُرَهُم فيه بعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). رواه البخاري (2009)، ومسلم (759).

وهي سنة بإجماع العلماء، بينما عند الحنفية والحنابلة وبعض المالكية سنة مؤكدة، وإطلاق شهر رمضان يتناول جميع لياليه، فالظاهر أن الأجر المذكور متعلق بقيام جميع لياليه. قال ابن عثيمين رحمه الله: (قال من قام رمضان؛ ويعني شهر رمضان، وهو يشمل كل الشهر من أوله إلى آخره). شرح بلوغ المرام (3/290). أما من تخلف عن قيام بعض لياليه لعذر أو مرض فإنه يُرجى له الفضل المذكور في الحديث لحديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا)، رواه البخاري (2996). بينما من ترك قيام هذه الليالي المباركة فظاهر الحديث أنه لا ينال الأجر المذكور.

وأفضل لياليه ليلة القدر، وهي ليلة السابع والعشرين على الأرجح وعليه أكثر الأحاديث ومنها حديث زر بن حبيش قال: سمعت أبي كعب يقول: -وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر!- فقال أُبي رضي الله عنه: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس، والذي لا إله إلا هو إنها في رمضان -يحلف وما يستثني- والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها وهي ليلة صبيحة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها، ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم وغيره.

وتؤدى من بعد صلاة العشاء إلى الفجر وقبل الوتر، ركعتين ركعتين، والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك، وإذا خُيّر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة أو الصلاة منفردًا آخر الليل، فالصلاة مع الجماعة أولى وأفضل، لأنه يحسب له قيام ليلة كاملة، وقد ذهب إلى ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- وأصحابه، فقد سئل: يؤخر -يعني التراويح- إلى آخر الليل؟ فقال:" لا، سنَّة المسلمين أحبُّ إلي". رواه أبو داود في "مسائله" (ص/ 62).

ولا يشترط في التراويح أن تقوم وراء الإمام حتى ينتهي مثلُا، بل يمكنك الإتيان بما يحصل به قيام الليل منفردًا, أو نحو ذلك.

ويشرع للنساء حضورها، ويجوز أن يجعل لهن إمام خاص غير إمام الرجال، فقد ثبت أنَّ عمرَ رضي الله عنه لما جمع النَّاس على القيام، جعل على الرِّجال: أُبيَّ بن كعب، وعلى النِّساء: سُليمان بن أبي حَثْمة؛ فعن عَرْفَجَة الثَّقَفيّ، قال: (كان عليُّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- يأمرُ النَّاس بقيام شهر رمضان، ويجعلُ للرجال إمامًا و للنساء إمامًا، قال: فكنتُ أنا إِمام النِّساء). وقد قال الألباني رحمه الله كتاب قيام رمضان ص22: وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعًا لئلا يشوش أحدهما على الآخر.

وركعاتها إحدى عشر ركعة، ونختار عدم الزيادة عليها اتباعًا لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يزد عليها حتى وفاته، فعن عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن صلاته في رمضان: (مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً). رواه البخاري (4/ 54)، ومسلم (737)، وغيرهما.

وللمُصلي أن يُنقِصَ منها، حتى لو اقتصرَ على ركعةِ الوتر فقط، لقوله صلى الله عليه وسلم: (الوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِخَمْسٍ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِثَلَاثٍ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ). أخرجه ابن ماجة (1190)، والحاكم (1123)، وغيرهما، وصحَّحه الحاكم، والذَّهبي، وجمع من الأئمّة، ومنهم الألباني.

وقد اختلف الفقهاء في عدد الركعات التي يقوم بما النَّاس في رمضان، فاختار الجمهور -من الحنفيّة والشافعية والمالكية- القيام بعشرين ركعة سوى الوتر، وذهب غيرهم إلى غير ذلك، والسبب في اختلافهم، اختلاف النقل في المسألة؛ ولم يَرِدْ تحديد العدد في رمضان، ولا في غيره بمقدار معين، وغاية ما يُسْتَفاد من البحث في هذه المسألة: جواز العشرين، وغيرها، مع القطع بأنَّ ما فعله النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواظبَ عليه، هو الأفضل والأحبّ والأكمل، فإنَّ الثابت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى عشرةَ ركعة، ولم يصحّ عنه شيءٌ غير ذلك، و خير الهَدْي هدي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وليس في القراءة في قيام رمضان شيء مسنون عن النبي ولم يحد النبي صلى الله عليه وسلم حدًا لا يتعداه بزيادة أو نقص، فاختلفت قراءته قصرًا وطولًا، فإذا صلى القائم لنفسه فله أن يطيل ما يشاء وكذلك إن كان معه من يوافقه في ذلك وكان إمامًا، وأما إذا كان إمامًا والجمع كثير فعليه ألا يطيل بما يشق على من وراءه.

والله تعالى أعلى وأعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply