بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الجهاد ذروةَ سنام الإسلام، وصلى الله على محمد القائل: \"وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصَّغار على من خالف أمري\"، ورضي الله عن صحابته والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين الذين جاهدوا لنصرة هذا الدين
وبعد..
هذه خواطر، ووقفات، وإزالة لبعض الشبهات عن مشروعية الجهاد، وحكمه، وأنواعه، وما يتعلق به، كتبتها نصحاً لله ولرسوله، ونصرة للمجاهدينن راجياً ثوابها يوم الدين، حيث تطيش الموازين، ولا يفلح إلا من أتلى الله بقلب سليم، فأقول وبالله التوفيق:
حكم جهاد الكفار والمنافقين
لقد أوجب الله - عز وجل - على الأمة الإسلامية وتعبدها في شخص رسولها - صلى الله عليه وسلم - بجهاد الكفار والمنافقين والإغلاظ عليهم، فقال: \"يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم\"1.
وبشر أمته بأن الجهاد ماض وباقٍ,، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"الجهاد ماضٍ, منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل\"2، ولهذا بوب البخاري في كتاب الجهاد \"باب الجهاد ماضٍ, مع البر والفاجر\"3، إذ بقاء الإسلام والمسلمين رهين ببقاء الجهاد واستمراره.
قال ابن حجر: (وفيه أيضاً بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة، لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين، وهم المسلمون). 4
وترك الجهاد نذير شؤم بضياع الإسلام وذهاب المسلمين وذلهم، كما بشر كذلك أن هذه الأمة لن تجتمع على ضلالة، إذ لا تزال طائفة منا تقاتل على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم.
أنواع الجهاد
جهاد الكفار والمنافقين يكون بالنفس، والمال، واللسان، والبنان، والجنان، وهو على قدر الطاقة، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله -: (والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين، إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع). 5
الجهاد في سبيل الله من وظائف العمر
الجهاد في سبييل الله من وظائف العمر التي لا تنفك عن المسلم إلى أن يلقى الله، نحو:
1. الاستقامة: \"فاستقم كما أمرت\"6، \"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين\"7، وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"قل آمنتُ بالله ثم استقم\". 8
2. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: \"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك مثقال حبة من خردل من إيمان\"9، ولو ساعةا لاحتضار، كما قال عمر - رضي الله عنه - وهو يحتضر للشاب الأنصاري الذي كان مسبلاً: \"قصِّر ثوبك، فإنه أنقى للثوب وأرضى للرب\".
3. طلب العلم، كما قال أحمد - رحمه الله -: \"من المحبرة إلى المقبرة\".
4. الذكر باللسان: \"لا يزال لسانُك رَطباً من ذكر الله\". 10
5. التوبة النصوح: \"وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون\". 11
مما يدل على أن الجهاد والرباط والغزو والنفر في سبيل الله وظيفة العمر قوله - عز وجل -: \"انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون\". 12
قال القرطبي - رحمه الله - مجملاً ما ورد في تفسيرها13: (والصحيح في معنى الآية أن الناس أمِرُوا جملة، أي انفروا خفت عليكم الحركة أم ثقلت).
ثم دلل على ذلك راداً على القائلين بأنها منسوخة بالآتي:
1. رُوي أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له: أعليَّ أن أنفر؟ فقال: \"نعم\"، حتى أنزل الله - تعالى -: \"ليس على الأعمى حرج\".
2. وأنه في غزوة أحد قال: أنا رجل أعمى، فسلموا لي اللواء، فإنه إذا انهزم حامل اللواء انهزم الجيش، وأنا ما أدري من يقصدني بسيفه فما أبرح، لكن أعطي اللواءَ مصعبُ بن عمير - رضي الله عنه -.
3. وروى ابن عباس عن أبي طلحة في قوله - تعالى -: \"انفروا خفافاً وثقالاً\" قال: \"شباباً وكهولاً، فما سمع الله عذر أحد\"، فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات - رضي الله عنه -.
4. وروي أنس عن أبي طلحة كذلك أنه قرأ سورة \"براءة\" فأتى على هذه الآية: \"انفروا خفافاً وثقالاً\"، فقال: جهزوني جهزونيº فقال بنوه: يرحمك الله! لقد غزوتَ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنكº قال: جهزونيº فغزا في البحر فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه فيها، ولم يتغير - رضي الله عنه -.
5. وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن الأسود بحمص على تابوت صَرَّاف، وقد فضل على التابوت من سمنه، وهو يتجهز للغزو، فقيل له: لقد عذرك اللهº فقال: أتت علينا سورة البعوث: \"انفروا خفافاً وثقالاً\".
6. وقال الزهري: خرج سعيد بن المسيِّب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل له: إنك عليل، فقال: استنفر اللهُ الخفيفَ والثقيلَ، فإن لم يمكني الحرب كثرتُ السَّوادَ، وحفظتُ المتاع.
7. روي أن بعض الناس رأى في غزوات الشام رجلاً سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له: يا عمّ، إن الله قد عذركº فقال: يا ابن أخي قد أمرنا بالنفر خفافاً وثقالاً.
جهاد الطلب هو أصل الجهاد وأسه :
عندما يطلق الجهاد يراد به جهاد الطلب لا غير، وهو أن تخرج طائفة من المسلمين بإمرة إمامهم أومن ينوب عنه طالبة من الكفار الدخول في الإسلام دين الحق، والتخلي عما كانوا عليه من الأديان، فإن قبلوا الإسلام فبها ونعمت، وإن رفضوا الإسلام طولبوا بدفع الجزية عن يد وهم صاغرون إن كانوا أهل كتاب، وإن لم يكونوا أهل كتاب قوتلوا أوقوتل من حال دون قبولهم للإسلام، فمن قتل فهو في النار، ومن أسر فأمره إلى الأمير إن رأى المصلحة في قتله قتل، وإن رأى المصلحة في استرقاقه استرق، وإن رأى المصلحة في قبول الفداء منه فعل.
أما غير أهل الكتاب فلا يقبل منهم غير الإسلام في أرجح قولي العلماء.
قال العبدري في \"الكفاية\": (اليهود والنصارى يقرون على دينهم ببذل الجزية إجماعاً، ومن لهم شبهة كتاب، وهم المجوس، يقرون على دينهم ببذل الجزية، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد اتفاقاً، ومن ليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب وهم عبدة الأوثان، ومن عبد ما استحسن من الحيوان والجمادات لا يقرون على دينهم بالجزية، سواء كانوا عرباً أو عجماً، و به قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة في العجم نقبل منهم الجزية). 14
هذا ما يرجح نسخ قوله - تعالى -: \"لا إكراه في الدين\" بآيات القتال والجهاد.
والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
1. قوله - تعالى -: \"كتب عليكم القتالُ وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون\". 15
2. وقوله: \"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد\". 16
3. قوله: \"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون\". 17
4. وقوله: \"يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين\". 18
5. وقوله: \"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله\". 19
6. وقوله: \"وأعدٌّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم\". 20
7. وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم\". 21
متى شرع جهاد الدفع الجهاد الهجري؟
شرع جهاد الدفع بعد هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمدينة في حال ضعف المسلمين وعدم استطاعتهم على جهاد الطلب، فأضعف الإيمان أن يدفعوا عن دينهم، وعن وجودهم، وحريمهم، وأعراضهم، وأموالهم، وأن يقاتلوا من قاتلهم.
يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله -: (فلما استقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وأيده الله بنصره وبعباده المؤمنين الأنصار.. فاذن لهم حينئذ في القتال، ولم يفرضه عليهم، فقال - تعالى -: \"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير\". 22
إلى أن قال: ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم، فقال: \"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم\"23، ثم فرض عليهم قتال الم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد