تيسير أحكام الحج والعمرة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فإن حج بيت الله الحرام، ركن من أركان الإسلام، من جحده كفر، ومن تركه عمداً متهاوناً فهو -إن لم يتداركه الله برحمته- لاشك هالك، ومن أخّره بغيـــر عذر ـ إذ هو واجب على الفور في أصح قولي العلماء فقد اقتحم المهالك.

وقد عظم النبي -صلى الله عليه سلم- شأنه، فجعله من الجهاد في سبيل الله -تعالى-، وذلك ذروة سنام الإسلام، وبشر الحاج أن يرجعه الله نقياً من الذنوب، وهو إجابة دعوة إبراهيم -عليه السلام-، قال الحق –سبحانه- : (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق...) الآية.

وهذا مختصر في تيسر أحكام الحج، يصحبك أيها الحاج من انطلاق نيتك الصالحة لحج بيت الله العتيق، إلى أن ترجع -إن اتقيت ربك- كيوم ولدتك أمك، فأنت من نار جهنم إن شاء الله عتيق.

وهو مقسم إلى مسائل، مدعم بالدلائل، موضح مفصل، وعسى الله أن يتقبل، وصلى الله على نبينا محمد النبي المبجل، وعلى آله وصحبه القرن المكمل، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وارزقنا بفضلك إدامة الحج والعمرة، وثبتنا على صراطك المستقيم آميـن.

 

ابدأ بالإخلاص وإنما الأعمال بالنيات:

يبدأ الحاج أولاً بإخلاص النية لله -تعالى-، امتثالاً لأمره -سبحانه- بأداء الحج، قال -تعالى-: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}، إذ هو من أركان الإسلام، وطمعاً في ثوابه العظيم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)[متفق عليه[.

وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال: (العمرة إلى العمرة، كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)[متفق عليه[.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد، فقال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور)[رواه البخاري[.

وعنها -رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة)[رواه مسلم[.

 فتوجه إلى بيت الله الحرام، تعظيماً لشعائر الله -تعالى-، امتثالاً لطاعة الله -تعالى-، رغبة في ثوابه، خوفاً من عقابه، واجتنب الرياء والسمعة، واحذر من طلب المكانة والمنزلة في قلوب المخلوقين، قال -تعالى-: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى} وقال: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً}.

 

النفقة الحلال:

ثم أنفق على رحلة الحج من طيب المال، والكسب الحلال، ذلك أن الله -تعالى- طيب لا يقبل إلا طيباً، ومن حج من مال حرام لم يقبل الله -تعالى- حجه.

 

اشتراط المحرم للمرأة:

وعلى المرأة أن تجد لها محرماً يرافقها، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)[متفق عليه]، ويجب أن يكون بالغاً عاقلاً، والمحرم: الزوج أو من يحرم على المرأة على التأبيد، بنسب أو رضاع أو مصاهرة وهم أربعة بالمصاهرة: أبو زوجها، وابنه، وزوج أمها، وزوج ابنتها.

 

في الميقات:

عند الوصول إلى الميقات، تغتسل و تتطيب في جسدك دون ثياب الإحرام، وتزيل عنك الأظفار والشعر الذي ترغب بإزالته وكل ذلك مستحب غير واجب، ثم تحرم قبل تجاوز الميقات.

ومعنى الإحرام: هو نية الدخول في النسك، وليس المقصود به هو التجرد من المخيط (والمخيط كل ثوب مفصل على قدر أعضاء الجسد مثل القميص والفانيلة والبنطلون ونحو ذلك مما فصل على قدر الأعضاء، وليس المقصود بالمخيط ما فيه خيط)، بل لبس المخيط من محظورات الإحرام، ولهذا يجب على الحاج أن لا ينوي الإحرام ـ الدخول في النسك ـ إلا بعد أن يتجرد من الثياب، ولو نوى الحاج الدخول في النسك ناسياً أن يتجرد من كل الثياب، (مثلاً نسي سروايله ولم ينزعها) ولبس الإزار والرداء، ثم نوى الدخول في النسك، فإنه يصح دخوله في النسك، ثم عليه أن ينزع عنه ما نسي أن يزيله، ولا شيء عليه إن كان ناسياً، والمقصود أنه يجب التفريق بين الإحرام وهو نية الدخول في النسك والتجرد من المخيط.

 

أنواع الأنساك:

ثم تقول عند نية النسك: لبيك اللهم بعمرة، أو بحج، أو بعمرة وحج، وفق النسك الذي تختاره، وهي ثلاثة أنواع:

أحدها: التمتع وهو أفضلها، وهو الذي تقول فيه: "لبيك اللهم بعمرة"، وصفته أنك تأتي بعمرة كاملة وتتحلل منها، تماماً كما لو ذهبت إلى عمرة في غير أشهر الحج، ثم تبقى غير محرم، حتى إذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة، تحرم بالحج وتذهب إلى منى، وعلى المتمتع ـ إن كان من غير حاضري المسجد الحرام أي من غير ساكني مكة أو حدود الحرم ـ أن يذبح هدياً كما سيأتي بيانه.

والثاني: الإفراد، وهو الذي تقول فيه: "لبيك اللهم بحج"، وهو أن تنوي الحج  مفرداً ليس معه عمرة، وفي هذه الحالة تبقى على إحرامك حتى تتحلل يوم النحر كما سيأتي بيانه.

والثالث القران: وهو الذي تقول فيه: "لبيك اللهم بعمرة وحج"، ولا فرق بين الإفراد والقران في أعمال الحج، وإنما يفترقان في أمرين:

أحدهما: النية، فالقارن ينوى الحج مع العمرة، إن طاف نوى أن يكون طوافه طواف حج وفي نفس الوقت هو طواف عمرة، وإن سعى نوى بسعيه سعي حج وهو في نفس الوقت سعي عمرة، كما ينوي داخل المسجد تحيته وركعتي الفجر في نفس الوقت على سبيل المثال.

الثاني: أن القارن عليه هدي، والمفرد لاهدي عليه.

فإن اخترت أحد هذه الأنساك، ولبيت به، فإن كنت مريضاً أو تخشى من حدوث طارئ يمنعك من إتمام الحج، فاشترط قائلاً: (لبيك اللهم بعمرة -أو حج أو عمرة وحج- ومحلي حيث حبستني) لقوله -صلى الله عليه وسلم-: لضباعة بنت الزبير:(حجي واشترطي وقولي: اللهم إن محلي حيث حبستني)[متفق عليه[.

وفائدة هذا الشرط أنك إذا حال بينك وبين إتمام الحج عذر شرعي خارج عن إرادتك، مثل: مرض أقعدك عن إتمام الحج، أو حادث سيارة على سبيل المثال، أو منعك مانع من إتمامه بعدما دخلت في الإحرام، فإنك تتحلل من إحرامك وتلبس ثيابك ولاشيء عليك، وترجع إلى بلدك، حتى يتيسر لك الحج مرة أخرى.

والدليل على أن الحاج مخير بين الأنساك الثلاثة قول عائشة -رضي الله عنها-: (فمنا من أهَـلَّ بعمرة ومنا من أهل بحج ومنا من أهل بهما)[متفق عليه[.

والدليل على أفضلية التمتع أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه بذلك، وقوله: (لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل ما آمرُكم به)[متفق عليه من حديث جابر رضي الله عنهما[.

وكان -صلى الله عليه وسلم- قارناً، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:(أتاني آت من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجة)[رواه أحمد والبخاري وغيرهما]. وذلك أنه كان قد ساق الهدي معه ــ أي جاء به معه من خارج الحرم، والهدي هي الأنعام التي تجلب للحرم، سميت بذلك لأنها تُـهدى إلى الحرم لفقرائه ــ فمنعه ذلك من أن يكون متمتعاً، وكذلك يستحب لمن جاء بهديه من خارج الحرم أن يكون قارناً.

والأفضل لمن حج مفرداً أو قارناً أن يتحلل بعد طواف القدوم والسعي وينوي أن ما فعله عمرة، ويتحول إلى التمتع لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه بذلك [متفق عليه[.

 

هل للإحرام صلاة مخصوصة؟:

ولم يرد دليل على استحباب ركعتين للإحرام بخصوصه، إلا أن يصلى المحرم نافلة أخرى وافقته بعد إحرامه أو قبله، أو يحرم بعد صلاة الفريضة إن أدركته كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك حسن.

 

محظورات الإحرام:

وعليك أن تتجنب محظورات الإحرام، حتى تتحلل من إحرامك.

وهي تسعة محظورات يجب على المحرم بحج أو عمرة أن يتجنبها:

أولاً: تعمد لبس المخيط بالنسبة للرجل ــ وقلنا إن المخيط هو كل ما فصل على قدر أعضاء الجسد من الثياب، وليس هو ما فيه خيط - لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة، ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران)[متفق عليه]، ويدخل في المخيط، لبس الخفين أو الجوربين فلا يجوز ذلك للمحرم، إلا إن لا يجد نعلين، فيجوز له أن يلبس الخفين، لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب بعرفات: (من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين)[متفق عليه[.

ولا بأس أن يلبس المحرم النظارة والساعة والحزام الذي يشد به إزاره ويحفظ فيه نفقته ولو كان فيه خيوط، ولا بأس أن يلبس نعلين فيهما خيوط، أو يكون طرف ردائه أو إزاره مخيط، كل ذلك جائز.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply