بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ، نَحمَدُهُ وَنَستَعِينُهُ وَنَستَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، ومِن سيِّئاتِ أَعمالِنا، مِن يَهدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وحدَهُ لا شريكَ له، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وصَفِيٌّهُ مِن خلقِهِ وخليلُه، أَرسَلَهُ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ. مَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - فَقَد رَشَدَ، وَمَن يَعصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرٌّ إِلَّا نَفسَهُ، وَلَا يَضُرٌّ اللَّهَ شَيئًا. أما بعد: أيها المسلمون، يا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -: لقد فضلنا الله - عز وجل - على كثير من عباده، فجعلنا في جهاد ورباط إلى يوم القيامة، وفضل الله فلسطين على كثير من البلاد، فبارك فيها وبارك حولها، إلا أن بعض المارقين من المنافقين والخائنين، ضيعوا علينا فرحتنا، ونغصوا عيشتنا، وشوهوا سمعتنا. أولئك الذين شذوا عن جماعتهم، وخرجوا على صفهم، وخانوا قومهم، فتعاونوا مع اليهود الغزاة، يكشفون لهم العورات، ويدلونهم على أماكن رجال المقاومة، فيسهلون لهم اغتيالهم. ولكن جرت سنة الله في خلقه، أن يكون في كل شعب خونة، يبيعون آخرتهم بدنياهم، ويبيعون أمتهم بأعدائهم، حتى في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان هناك منافقون، (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشتَرَوا الضَّلَالَةَ بِالهُدَى فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهتَدِينَ) [البقرة: 16]. ولقد اجتهد الكيان الصهيوني منذ زمن طويل لتجنيد عدد غير قليل من أبناء فلسطين، ليعملوا لحسابه، وتنفيذ خططه، واستخدم في ذلك كل وسائل الإغراء والترغيب، وبذرهم في وسط أقوامهم، ليقوموا بدورهم الخائن، فيتجسسون على أهلهم لحساب عدوهم، ويدلونهم على مواطن رجال المقاومة، وما من رجل اغتيل على هذه الأرض المباركة إلا وكان بمساعدة هؤلاء الخونة، الذين يتعاونون مع أعداء أمتهم على الإثم والعدوان. فالجاسوسية -يا عباد الله- هي موالاة للعدو المحتل، وهي جريمة وخيانة عظمى، وكبيرة من الكبائر، وهي خيانة لله وللرسول وللمؤمنين، فهي حرام شرعا، حيث يصدق في الجواسيس قول الله - تعالى -\"يَاأَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ, وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللَّهَ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ\" [المائدة: 51]، وقوله - تعالى -\"يَاأَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِن الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدٌّوكُم بَعدَ إِيمَانِكُم كَافِرِينَ\" [آل عمران: 100]، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((لَا يَحِلٌّ دَمُ امرِئٍ, مُسلِمٍ, يَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحدَى ثَلَاثٍ,: النَّفسُ بِالنَّفسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلجَمَاعَةِ)) متفق عليه، والجاسوس تارك لدينه مفارق لجماعة المسلمين. وقد أفتى العلماء المتقدمون والمتأخرون بأن الجاسوس مرتد عن الإسلام، كافر يجب قتله، فقد روي عن الإمام مالك - رضي الله عنه - قوله: \"الجاسوس المسلم، الحكم الشرعي فيه القتل\". كما صدرت فتاوى عديدة في هذا العصر من كبار علماء المسلمين، الحكم الشرعي فيها قتل الجاسوس، فالجواسيس يساعدون العدو، ويشتركون معه في قتل وتصفية واغتيال المناضلين والمجاهدين من أبناء الشعب الفلسطيني بالدلالة عليهم. والجاسوس يُقتَلُ ولو لم يَقتُل بنفسهº كأن يخبر عن مخبأ المجاهد، أو عن مكان بيته، أو أي مساعدة كانت، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أَعَانَ عَلَى قَتلِ مُؤمِنٍ, بِشَطرِ كَلِمَةٍ, لَقِيَ اللَّهَ - عز وجل - مَكتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ آيِسٌ مِن رَحمَةِ اللَّهِ)) رواه ابن ماجة. وما كان العدو لينجح في قتل واغتيال واعتقال المئات من المجاهدين لولا مساعدة الجواسيس، وتسهيلهم لمهمة الأعداء. فهؤلاء حكمهم حكم اليهود المحتلينº لأن ولاءهم لهم، وعونهم لهم، والله - تعالى -يقول: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم) [المائدة: 51]. والذي يدل اليهود على عورات المسلمين، ويتسبب في قتل المجاهدين الأبطال يعد محاربا يجب قتلهº لأنه تسبب في قتل المسلمين، وسبب السبب يأخذ حكم السبب، ومن أعان على القتل ولم يباشره كان قاتلاً أيضاً، لأن تجسسه لصالح الأعداء يعد خيانة لله، وخيانة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وخيانة لهذا الدين، وخيانة للمسلمين، والله - عز وجل - يقول: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ} [الأنفال: 27]، وقد أفتى علماء المسلمين بقتل هذا الخائن الجاسوسº للضرر الذي يلحق بجماعة المسلمين منه، ويطبق عليه حد الحرابة. أيها المؤمنون، يا خير أمة أخرجت للناس: إن التجسس على المسلمين لصالح أعدائهم عمل يعرض مصالح المسلمين وبلادهم للضرر، وهو نوع من السعي بالفساد، وقد نزلت الآية الكريمة في عقاب من يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا، وهى قوله - تعالى -: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَو تُقَطَّعَ أَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم مِّن خِلاَفٍ, أَو يُنفَوا مِنَ الأَرضِ ذَلِكَ لَهُم خِزيٌ فِي الدٌّنيَا وَلَهُم فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]. أما الأدلة من السنة الشريفة فهي كثيرة أيضا، منها قصة حاطب بن أبي بلتعة، يرويها لنا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، حيث يقول: ((بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالزٌّبَيرَ وَأَبَا مَرثَدٍ,، وَكُلٌّنَا فَارِسٌ، قَالَ: ((انطَلِقُوا حَتَّى تَأتُوا رَوضَةَ حَاجٍ,، فَإِنَّ فِيهَا امرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِن حَاطِبِ بنِ أَبِي بَلتَعَةَ إِلَى المُشرِكِينَ، فَأتُونِي بِهَا)). فَانطَلَقنَا عَلَى أَفرَاسِنَا حَتَّى أَدرَكنَاهَا حَيثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ, لَهَا، وَقَد كَانَ كَتَبَ إِلَى أَهلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيهِم، فَقُلنَا: أَينَ الكِتَابُ الَّذِي مَعَكِ؟ قَالَت: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَأَنَخنَا بِهَا بَعِيرَهَا، فَابتَغَينَا فِي رَحلِهَا فَمَا وَجَدنَا شَيئًا. فَقَالَ صَاحِبَايَ: مَا نَرَى مَعَهَا كِتَابًا، فَقُلتُ: لَقَد عَلِمنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمَّ حَلَفَ عَلِيُّ: وَالَّذِي يُحلَفُ بِهِ لَتُخرِجِنَّ الكِتَابَ أَو لَأُجَرِّدَنَّكِ، فَأَهوَت إِلَى حُجزَتِهَا وَهِيَ مُحتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ, فَأَخرَجَتِ الصَّحِيفَةَ. فَأَتَوا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَد خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤمِنِينَ، دَعنِي فَأَضرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَا حَاطِبُ، مَا حَمَلكَ عَلَى مَا صَنَعتَ؟))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي أَن لَا أَكُونَ مُؤمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنِّي أَرَدتُ أَن يَكُونَ لِي عِندَ القَومِ يَدٌ يُدفَعُ بِهَا عَن أَهلِي وَمَالِي، وَلَيسَ مِن أَصحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ هُنَالِكَ مِن قَومِهِ مَن يَدفَعُ اللَّهُ بِهِ عَن أَهلِهِ وَمَالِهِ. قَالَ: ((صَدَقَ، لَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيرًا))، فَعَادَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَد خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤمِنِينَ، دَعنِي فَلِأَضرِب عُنُقَهُ، قَالَ: ((أَوَلَيسَ مِن أَهلِ بَدرٍ,، وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَيهِم فَقَالَ اعمَلُوا مَا شِئتُم فَقَد أَوجَبتُ لَكُمُ الجَنَّةَ))، فَاغرَورَقَت عَينَاهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ)) رواه البخاري. ونزلت فيه الآيات الأُول من سورة الأنفال.
وفي القصة جواز قتل الجاسوس وإن كان مسلماًº لأن الذي منع قتل حاطب هو أنه من أهل بدر، ولولا هذا المانع لَقُتل. كما أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نفقأ عين من نظر إلى بيت غيره من نافذة أو غيرها ليتعرف ما بداخله بغير إذنهم. وقال ((يَا مَعشَرَ مَن آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَم يَدخُلِ الإِيمَانُ قَلبَهُ، لَا تَغتَابُوا المُسلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهِم، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَورَاتِهِم يَتَّبِعُ اللَّهُ عَورَتَهُ، وَمَن يَتَّبِعِ اللَّهُ عَورَتَهُ يَفضَحهُ فِي بَيتِهِ)) رواه أحمد وأبو داود، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَنِ استَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَومٍ, وَهُم لَهُ كَارِهُونَ أَو يَفِرٌّونَ مِنهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَومَ القِيَامَةِ)) رواه البخاري. أيها المسلمون، يا أهل الجهاد والرباط: لقد بلغ الجواسيس مبلغا لم نكن نتوقعه، وخدموا العدو خِدمة لم يكن هو نفسه يحلم بها. فهل تعلم -أخي المسلم- أن أحد الجواسيس قتل طفلا فلسطينيا بأمر من جيش الاحتلال، فكوفئ بنصف شيكل. وهل تعلم أن جاسوسا طلب منه رجل المخابرات أن يحفظ القرآن الكريم، فحفظه عن ظهر قلب. وهل تعلم -أيها المسلم- أن أحد الجواسيس كان يقوم الليل كله في ركعتين بحجة العبادة، فانكشف أمره، وتبين أنه كان يراقب المجاهدين. وهل تعلم -أخي المسلم- أن بعض الجواسيس قتل بيده عشرات المجاهدين. وهل تعلم أن أكثر هؤلاء أول ما يُسقِط أخته وأمه. وهل تعلم -أخي المسلم- أن بعض بيوت الجواسيس يزني فيها الرجل ببنته، والولد بأمه، والأخ بأخته. بل وأكثر من ذلكº عندما طلب رجل المخابرات من أحد الجواسيس أن يحضر له زوجته الطاهرة الشريفة ليُسقطها، فلبى الجاسوس الطلب، وحاولت هي أن تدافع عن نفسها، إلا أن زوجها أمسك بها حتى انتهى رجل المخابرات من اغتصابها. بل وأكثر من ذلكº عندما يأتي الجاسوس بالشباب إلى بيته، فيصورهم فوق زوجته. فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عباد الله: أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد: أيها المسلمون، يا من ترابطون على أرض الجهاد والاستشهاد: اسمحوا لي أن أخاطب الذين خانوا دينهم ووطنهم وشعبهم. أقول لهؤلاء الجواسيس: يا من خنتم الله ورسوله، يا من خنتم وطنكم وشعبكم، يا أحقر من عرفته الأرض والسماء، أيتها الفئة الضالة المضلة، إنكم أذل وأحقر من أن أذكركم من على هذا المنبر الطاهر، إلا أن للضرورة أحكام. فيا من تسترقون السمع على الشرفاء، اعلموا أنكم ابتلاء لهذا الشعب المجاهد، وهذا قدر الله أن نُبتلى بأمثالكم، ليعلم الله المجاهدين منا والصابرين، فبأمثالكم يزداد الشرفاء شرفا، وبأفعالكم الخسيسة تزدادون أنتم حقارة وذلة ومهانة. قد تعيشون طويلا أيها المنافقون، قد تعيشون طويلا أيها الخائنون، لكنكم عبيد لأسيادكم، ضربت عليكم الذلة والمهانة في الدنيا والآخرة، تبيعون آخرتكم بدنيا غيركم، تسهرون على راحة إخوان القردة والخنازير، تحرسون قاتل آبائكم وإخوانكم، تتجسسون لمن انتهك عرض أخواتكم. اعلموا أنكم الأذلاء في الدنيا والآخرة، اعلموا أن التاريخ سيذكركم، لكن على صفحاته السوداء، على صفحات الذل والعار، ليلعنكم من يقرأ عن خيانتكم، وليسبكم من يسمع عن بطولات تجسسكم. افرحوا كما شئتم، واكتبوا ما بدا لكم، فما أنتم إلا حفنة من الحثالة التي غارت دماء الخجل في عروقهم، فلم يعد فيهم إحساس البشر. يرون أطفالا تُذبح، وشبابا تُسجن، وبيوتا تُهدم، وأشجارا تُقلع، ويستمرون في خيانتهم. فيا من تخربون بيوتنا، يا من تزرعون الموت في دربنا، يا من أرعبتم الأطفال والثكالى، يا من تاجرتم بأعراضكمº فكشفتم سوءات نسائكم وبناتكم لتُسقِطوا بها شباب بلدكم. أيها الجبناء في زمن البطولات، هل سلمتم بعد هذا أنكم كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، هل سلمتم بعد هذا أنكم كالحمار الذي يحمل على ظهره أسفارا. انظروا إلى أنفسكم، وراجعوا حساباتكم، واتقوا الله ربكم، استحيوا من الذي خلقكم، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة. ألا تخشون من بيده ملكوت السماوات والأرض، ألا تخافون الله الذي يقول للشيء كن فيكون، ألا تتقون الله في أولادكم وأزواجكم، ألا تتقون الله في أهلكم وصحتكم. ألستم في رعب دائم خوفا من أن يُفتضح أمركم، ألا يكفيكم أنكم تتلعثمون إذا تكلمتم، وتتلفتون حولكم أينما سرتم. لا تذوقون طعما للنوم إذا نمتم، ولا تهنؤون في جِلسة إذا جلستمº خوفا من أن تفلت من أحدكم كلمة تفضح خيانته. فإلى من يسمعني من الجواسيس أقول: اعتبروا بمن كان قبلكم. اعتبروا بأبي رغال الذي دل أبرهة الأشرم على مكان الكعبة، والذي أصبح قبره مكانا للناس يتغوطون فيه، وأصبح قبره يُرجم كما يُرجم إبليس. اعتبروا بأولئك الذين عُلّقوا على أعمدة الكهرباء، ولم يجدوا من يدفنهم. اعتبروا بالذين أُعدموا في أواسط المدن، وتلاعب الصبية بجثثهم، ثم أُلقوا على المزابل وكأنهم جيف كلاب. اعتبروا بالجواسيس الذين عُذِّبوا حتى نسوا أنهم من البشر. اعتبروا بالذي اغتال يحيى عياش، والذي كان يملك الملايين، كان يملك العمارات الضخمة، كان يملك النساء والأولاد، أضحى في ليلة واحدة: وحيدا، فقيرا، مطاردا، خائفا، عاريا، إلا من الخيانة والذلة والمسكنة. اعتبروا بمن تجسس على صلاح شحادة، والذي أُعدم في شوارع غزة، فلقي ربه بدم سبعة عشر مسلما، أكثرهم من الأطفال. اعتبروا بمن تجسس على عماد عقل، وقد كُشِفت خيانته، فيمكث في السجن من عشر سنين. اعتبروا بالذي تجسس على محمود المدني، وقد أصبح له في الخيانة خمس وعشرون سنة، فكان جزاؤه الإعدام في شوارع نابلس. اسأل نفسك أيها الجاسوس: ماذا جنيتَ من خيانتك؟ ماذا ينفعك المال إذا أُعدمت؟ ماذا ينفعك تسريح العمل إذا سُجنت؟ بماذا تنفعك السيارات والعمارات إذا انفضح أمرك، وكُشفت خيانتك، وأصبحتَ منبوذا في مجتمعك، لا تجد من يزوجك، ولا تجد من يتزوج منك، ولا تجد من يكلمك، أو يطرح عليك السلام، ولا تجد من يعودك إذا مرضت، ولن تجد من يدفنك أو يترحم عليك إذا مت، بل ستجد من يلعنك، ويلعن من يحبك، ويلعن من يغسلك، ويلعن من يمشي في جنازتك، وسيلعنون من يعزي بك، أو يستقبل التعازي بك، وسترفضك القبور كلها، وسيرفضك الأموات قبل الأحياء، فتدفن في مقابر اليهود، ولا عجب في ذلك، فالمرء على دين خليله، وما حصل أمام الجميع خير دليل على ذلك. وبعد ذلك -أيها الجاسوس- ستلقى ربك بخيانتك وغدرك لعباد الله الصالحين، فيشتعل القبر عليك نارا، وتكون في الدرك الأسفل من النار، وعند ذلك ستندم في يوم لا ينفع فيه الندم، قال - تعالى -: (وَيَومَ يَعَضٌّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيهِ يَقُولُ يٰلَيتَنِى ٱتَّخَذتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً، يٰوَيلَتَا لَيتَنِى لَم أَتَّخِذ فُلاَناً خَلِيلاً، لَّقَد أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذّكرِ بَعدَ إِذ جَاءنِى، وَكَانَ ٱلشَّيطَـٰنُ لِلإِنسَـٰنِ خَذُولاً) [الفرقان: 27-29]. وستكون ممن قال الله فيهم: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُم المَوتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ، لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ) [المؤمنون: 99-100]. تب إلى الله، فباب التوبة مفتوح لمن تورط في هذا الجرم ثم تبين له خطؤه وخطيئته، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. والله يحب التوابين ويحب المتطهرين. قال - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ ثُمَّ لَم يَتُوبُوا فَلَهُم عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم عَذَابُ الحَرِيقِ) [البروج: 10]. فهذه دعوة للتوبة، ولا بديل لك عنهاº فإما أن تتوب، وإما أن تلقى مصير من سبقك، لتكون عبرة لمن يسلك نفس الطريق. توبوا إلى ربكم، عودوا إلى أهلكم وبلدكم، اندموا على ما فعلتم، وترجموا هذا الندم على الأرض كما ترجمه بعض التائبين الصادقين من قبلكم، فطريق الجهاد واضح بيِّن، ومكان الأعداء لا يجهله إلا صغير أو مجنون. أيها المسلمون الكرام: إني داع فأمنوا. اللهم إنا نسألك يا الله أن تجعل كيد من كادنا في نحره. اللهم عليك بالصليبيين واليهود والجواسيس، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم. اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا. اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، فإنهم لا يعجزونك. اللهم بدِّد شملهم، وفرِّق جمعهم، واجعل الدائرة عليهم. اللهم لا تمكن الأعداء فينا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. اللهم انصر المجاهدين في فلسطين وفي كل مكان، اللهم اجعل قتلهم لليهود والجواسيس إبادة، واجعل جهادهم عبادة، اللهم احفظ دينهم وعقيدتهم ودماءهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، وطهر المقدسات من دنس اليهود والمنافقين والمتخاذلين. اللهم فرج هَمّ المهمومين، وفُكَّ أسر المأسورين، وكن لليتامى والأرامل والمساكين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم آمين. عباد الله: ((إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُربَى وَيَنهَى عَن الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ)) [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد