جريمة تدنيس القرآن


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

اللهم إنا نبرأ إليك مما صنع جنود الأمريكان في كتابك الكريم في غوانتانامو، ونعتذر إليك بضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، اللهم العن المعتدين الأمريكان لعنا كبيرا بما اقترفوه في حق كتابك، اللهم سلّط عليهم جندا من جندك، وأرنا فيهم يوما أسودَ كيوم فرعون وهامان، اللهم انصر إخواننا الذين يجاهدونهم بكل وسيلة مشروعة ويصدّون عدوانهم عن المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان، اللهم تقبّل شهداء القرآن الذين انتفضوا غيرة فماتوا في سبيلك، وَلاَ يَحسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُم لاَ يُعجِزُونَ [الأنفال: 59].

والله، إن الإنسان ليتمنى أنه قد مات وكان نسيا منسيا ولم ير أمة المليار يفعَل بأعز مقدساتها هذا الفعل ويهان بأبشع إهانة عرَفها التاريخ وأمة المليار مكلومة، كل يغلي في داخله كغلي المرجل. ورب الكعبة، ومن أنزل القرآن العظيم، إني أجد نفسي متصاغرا حسيرًا وأنا أتابع كغيري أخبار جريمة تدنيس القرآن الكريم في مراحيض غوانتانامو، أولئك الأنذال لم يكفهم في إهانة المسلمين أن اختطفوا إخواننا من كل مكان، وكدسوهم في معتقلهم النازي، وعاملوهم أبشَع معاملة، متبجّحين: إن هؤلاء المساجين لا حقوق لهم من أي نوع كان، وإن كل القوانين الأرضية لا تنطبق على حالاتهم، وإنهم بالتالي يجب أن يخضعوا لمزاجية السجانين، يتفننون في تعذيبهم كيف شاؤوا.

ولما فشلوا في استجوابهم ولم يجدوا عندهم ما يريدون وعجزوا أن يقدّموهم للمحاكمة رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على احتجازهم وأسرِهم ساموهم سوء العذاب، عرّوهم وصوّرهم عراة، وتحرشوا بهم جنسيًا، وأهانوهم في كرامتهم، ومارسوا معهم وفيهم أبشع وأشنع أساليب الإيذاء الحسّي والمعنوي، مخالفين بذلك جميع شرائع السماء وقوانين الأرض ومواثيق البشر.

مئات الصوَر التي ظهرت في وسائل الإعلام تحكي كيف تخلّى هؤلاء عن أبسط الحقوق الإنسانية، بل كيف فقد هؤلاء إنسانيتهم بالكلية. ما مصلحتهم في تعرية الإنسان من ملابسه؟! ما المتعة التي يجدونها في جعل مجموعة من الرجال يوضعون بعضهم فوق بعض عراة؟! لماذا يضعون سلاسل الكلاب في رقاب البشر ويسحبونهم بها؟! أسئلة لا يجد العاقل لها جوابا.

جرى هذا كلّه في سجون العراق وغيرها، وقطعا هناك أشياء أسوأ من هذا تحدّثت عنها وسائل الإعلام الغربية والعربية. وللأسف فردّة الفعل من أصحاب الشأن لم تكن على مستوى الفظاعة الهائلة التي استنكرها العالم كلّه، فالحكومات المعنية لم تتّخذ مواقف واضحة لصالح القضية.

ومر هذا الحدث الإجرامي بسلام، فكان لا بد للأمريكان أن يفعلوا شيئا أكبر مما سبق ليروا إلى متى سيبقى الصمت الرهيب هو سيد الموقف. هذه المرة وصلت الجرأة إلى تدنيس المصحف الشريف وامتهانه بصورة كارثية وغير مسبوقة، لِمَ لا وأصحاب الشأن لا يرفعون رؤوسهم إلا بصعوبة شديدة؟! هذا إذا رفعوها. انتزعوا المصحف وداسوه بأقدامهم ورموه في المرحاض، وكأن شيئًا لم يحدث.

صحيفة \"نيوزويك\" الأمريكية الواسعة الانتشار أعلنت هذا الخبر، ويبدو لي أنهم لم يحرصوا على كتمانه لا في سجونهم ولا في صحافتهم، فالمسلمون ليسوا شيئًا في نظرهم، فلماذا يحترمونهم؟! ولماذا لا يقذفون كتابهم المقدس في المراحيض؟! وإذا كان المسلمون والعرب بالذات وبحسب نشيد الفرقة الجوية القتالية الأمريكية ما هم إلا حشرات وجرذان وأفاع فهل يقيمون لهم أو لكتابهم المقدس وزنًا بعد ذلك؟!

عباد الله، إن انتهاكَ المصحف جاء في سياق عمل منتظم يقوم به بعض الأمريكان وبعلم قادتهم ورضاهمº لإذلال المسلمين جميعًا من جهة، ولأن الأمريكان بقيادتهم الحالية يعبرون عن مكانة المسلمين في نفوسهم بصورة عمليةº لأن ما فعلوه مع الذين انتهكوا حرمات المساجين في سجون العراق يقود إلى النتيجة التي وصلت إليها، لا شيء حتى الآن.

الكل كان يعلم أن التعذيب كان يتم بعلم الرؤساء، والآن الجميع يعلم أن انتهاك القرآن يتمّ كذلك بعلم الرؤساء، ومع كل يوم جديد تزداد القناعة رسوخا والإيمان يقينا بطبيعة هذه الحرب ومقوماتها رغم ادعاءات متحذلقي الليبرالية وأقزام العلمانية الذين يتقدمون إلينا مع كل حادث من تلك الحوادث التي تقوم فيها أمهم بإعلان الحرب على دين الأمة وانتهاك مقدساتها، يأتون إلينا باعتذارات وتسويغات تنقصها البراءة، ويغلفها النفاق الممجوج، يلمّعون الوجه الكالح، ويجمّلون العجوز الشمطاء. ما الذي بقي أن يداس؟! كلّ شيء في حياتنا داسته أقدامهم، أفراد وجماعات وحكومات، لم يبق شيء. وحين لم يبق شيء تجرؤوا على القرآن وداسوه و دنسوه!

فيا عجبًا! أيتجرأ مخلوق على هذه الفعلة الشنيعة ثم يترك بلا حساب ولا عقوبة؟! حقٌ على أمة محمد بعدما حصل من هؤلاء المعتدين أن تغضب لله ولكتابه، فنحن المسلمين الذين اكتوينا بنار هذه الإهانة ندرك ضرورة استرداد الكرامة، وليحتفظوا بشرعيتهم الدولية ومواثيق أممهم المتحدة أمام هذا المشهد المقزّزº لأنهم لا يعلمون مكانةَ القرآن الكريم في قلوبنا، وإذا كان لدى العملاء والجبناء وأذناب الأعداء ما يبرّرون لأمريكا جرائمها البشعة من قتل وتدمير وإهانة لكرامة الإنسان المسلم فماذا فعل لهم القرآن حتى يدنسوه وعلى رؤوس الأشهاد؟!

نسأل الله العظيم أن لا تمر هذه الكارثة دون انتقام عاجل يرضي الله أولا، ثم يشفي صدور المؤمنين ثانيًا، يستهدف هؤلاء المجرمين المعتدين على كتاب الله مباشرة، لا مداراة ولا مجاملة ولا مداهنة، ومن لم تظهر غيرته هنا فلا خير فيه البتة.

نعم يا عباد الله، فأمام هذا المشهد المقزّز تموت الدبلوماسية، وترخص الحياة، وتبرز الغضبة لله ولكتابه. من للقرآن يا أهل القرآن؟! ها هم الأعداء أمامكم قد كشروا عن أنيابهم وكشفوا حقيقة حقدهم الصليبي. والله الذي لا إله إلا هو، إنه ليوم خزي وعار في التأريخ أن تمر هذه الجريمة دون قصاص عادل. إنا لله وإنا إليه راجعون، ما إن جفت دموعنا من مشاهد انتهاك أعراض أخواتنا في سجون العراق ومهزلة المحاكمات الصورية السخيفة لبعض الجنود والمجنّدات الأمريكان حتى نزفت عيوننا دما حرقة على جرأة المجرمين الصليبيين على كتاب ربنا العظيم الذي هو ـ والله ـ أولى من أنفسنا ودوَلنا وحكوماتنا وشعوبنا وأولادنا ووالدينا والناس أجمعين، بل وكل من في السموات والأرض من خلق الله.

وايم الله، إن شرف الانتصار لكتاب الله لهو غاية المنى، فلن يتوقف هذا العدوان على ديننا وقرآننا وإخواننا وأخواتنا حتى نرهِب عدو الله وعدونا بما نعدّ لهم من قوة ومن رباط الخيل والعتاد والاستعداد كما أمر الله، ومن ينتظر منا من هؤلاء الأعداء المعتدين أن يردّوا له حقه أو يعيدوا له كرامته فهو كمن يتطلب في الماء جذوة نار، فهل أنصفوا إخواننا في العراق أو أفغانستان أو غيرهما حتى نتوقع منهم خطوة إيجابية أخرى؟! وأي مصداقية من وراء مواعيدهم الكاذبة؟! أما آن لهذا الليل أن ينقشع؟! أما آن لهذا الظلم أن يرتفع؟! أما آن للمتشتّت منا أن يجتمع؟! أما آن لنا أن نزأر في وجوه أعدائنا ونقول لمن تعدّى على كتاب ربنا: الويل والدمار لك؟! صدق ـ والله ـ زهير:

 

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه  * * * يضرّس بأنيابٍ, ويوطأ بمنسَم

وصدق ـ والله ـ الفاروق ونصح: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله).

أخيرا، لا بد من النظر بموضوعية ورصّ الصفوف لمواجهة العدوان الصليبي بجميع صوره وأشكاله، حتى يعلم الأعداء أن في المسلمين غيارَى مستعدين للتضحية بكل شيء عندما تصل الأمور إلى هذا الحدّ من الاستخفاف بهم وبدينهم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فَلا أُقسِمُ بِمَوَاقِعِ النٌّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ, مَكنُونٍ, لا يَمَسٌّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ [الواقعة: 75-80].

 

الخطبة الثانية:

ومن مقال رائع لفضيلة الشيخ ناصر العمر أنقل لكم التالي، يقول - حفظه الله -: \"ولي مع هذا الحدث الوقفات التالية:

أولاً: أجمع العلماء على أن من أهان القرآن الكريم أو دنّسه فإن كان من المسلمين فهو مرتدّ يجب أن يقام عليه حدّ الردّة، وإن كان من الكفار فهو محارِب. ويُلحق بهذا الحكم مَن رضِي بهذا الأمر أو صدر منه ما يدلّ على الفرح به أو تأييده أو الدّفاع عن فاعليه. وهذا أمر عظيم ـ ولا شك ـ عند التدبر والتأمل، فليحذر أولئك المدافعون عن أمريكا وتفسير الحدث بأنه حدث فرديّ لا تتحمّل أمريكا مسؤوليته.

ثانيًا: إلى متى ستظل أمريكا في أعين بعض الناس تمثّل الديمقراطية أو العدالة أو الحرّية مع جرائمها التي أهّلتها لأن تكون أكبر دولة في البغي والعدوان والظلم والغطرسة، هل تركت أمريكا شيئًا يخلّ بميزان العدالة والحرية إلاّ وفعلته؟! وهل قتل الأبرياء حوادث عارضة في السنوات المعاصرة؟! كلا، فجرائم فيتنام واليابان والهنود الحمر وما يحدث في العصر الحاضر من جرائم اليهود التي تعتبر أمريكا المسئول الأول عنها في فلسطين ثم ما جاء من أحداث في أفغانستان وفي العراق كل ذلك يبين حقيقة أمريكا. فأقول: هل أبقت أمريكا مجالاً لأن يقول بعض المهزومين: إن في أمريكا عدالة أو حرية أو ديمقراطية؟! فقد أصبحت رمزًا للتفنن في البغي والظلم والطغيان والله المستعان.

 ثالثًا: الذي حدث ابتلاء من الله - جل وعلا - وامتحان للأمة، ليقف كل مسلم ليتساءل: ماذا أفعل؟! كيف أنكر؟! سواء على مستوى الحكومات أو مستوى الشعوب، على مستوى العلماء والعامة، على مستوى الرجال والنساء، الصغير والكبير.

رابعًا: ماذا نحن فاعلون تجاه هذا الحدث؟! المسؤولية عظيمة جدًا، والأمر جسيم وعظيم، الحكومات مطالبة بموقف حازم تجاه هذا الحدث، المنظمات الدولية وأخصّ المنظمات الإسلامية مطالبة بموقف يبرئ ذمتها أمام الله - جل وعلا - ثم أمام الشعوب المسلمة، العلماء مطالبون ببيان الحكم الشرعي في هذه الحادثة وتوجيه الكلمة للمسلمين قبل توجيهها لأمريكا، إن على الأمة الاستنكار القوليّ والعملي بكل صورة وبكل وسيلة مشروعة كخطب الجمعة من على المنابر العلمية والإعلامية وعبر كل وسيلة مشروعة، الصغار الكبار، المقاطعة الاقتصادية، بل يستطيع الصغير أن يفعل شيئًا، يستطيع أن يقاطع أيّ منتج أمريكي. إن علينا في هذه المرحلة أن نتوجه بقوة لمقاطعة العدو، المقاطعة بشتى صورها وأشكالها. وهنا، وإن من أهداف المقاطعة إحياء عقيدة الولاء والبراء، وهو مبدأ عظيم جدًا، البراءة من أمريكا وعملائها، إنني عندما أقاطع منتَجًا من منتجات أمريكا أحيِي مفهوم الولاء والبراء في بيتي وفي نفسي وفي أهلي، وهذا ملحظ عظيم يغيب عن بعض الأذهان، حيث ينظرون إلى الأثر الاقتصادي فقط.

وأخيرًا فإنّ ما حدث هو من حفظ الله لهذا القرآن العظيم، إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9]. إنّ حفظ القرآن ليس فقط حفظَ نصّه، وإنما يشمل ذلك حفظ منزلته ومكانته، فما حدث من ردّة فعل قويّة من المسلمين وكيف سُرِّب هذا الخبر من داخل معتقلات غوانتانامو على أيدي الأمريكيين أنفسهم إنه لدليل عظيم على حفظ الله لكتابه وحمايته لكتابه - جل وعلا - وإبراز مكانته في قلوب المسلمين جميعًا.

وبالمقابل ومما يجعلني أتفاءل وألتمس بعض جوانب الخير في هذا الحدث هو أن أمريكا تتساقط من قلوب الناس، وهذا مؤذن بإذن الله بسقوطها من أرض الواقع طال الزمان أو قصر، وعلامة ذلك شاهدة بارزة، ولكن كما قال: ((ولكنكم تستعجلون)). فأبشروا وأمّلوا، فالعدو مخذول، والظلم مرتعه وخيم، وَتِلكَ القُرَى أَهلَكنَاهُم لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلنَا لِمَهلِكِهِم مَوعِدًا [الكهف: 59].

أسأل الله أن يحمي هذه الأمة وأن يحفظها، وأن يذل أعداءها، وأن يجعل الدائرة عليهم...

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply