بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يا معشرَ المربين الكرام.. يا رُعاة الجيلِ، وأُمناء التَّعليم.. أنتم بيتُ القصيدِ ومحطُّ الرَّكبِ.. أنتم مصابيحُ العِلم وسُلّم الرُّقي.. أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي... يَبني وَيُنشِئُ أَنفُسًا وَعُقولا.. كم هدى الله بكم من ضلالة، وكم علَّمَ بكم من جهالة، وكم بصَّر بكم من عمى.. بين أيديكم عقولُ النَّاشِئة، وعُدَّةُ المجتمعِ وأملُه، فلسنواتٍ عِدةٍ تُحطُّ عندكم الرِّحال، وعليكم بعد اللهِ تُعقدُ الآمال.. فخذوا بمجامِع القلوبِ إلى الله، ودلوها على مراضيه، وبصروها بدروب الخير والهدى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]..
أليس نبيكم صلى الله عليه وسلم قد أكبرَ من شأنكم, وأعلى من مقامِكم، فقد صحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ".. بل إنه صلى الله عليه وسلم قد بشركم بقوله: " مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، " والحديث في مسلم.. فهنيئًا لكم متى أخلصتَم لله النِّية، واحتسبتم الأجرَ..
يا مشاعِل النُّور والرَّحمة: ما كانَ للهِ يدومُ ويتصل، وما كان لغيره يزولُ ويضمحل، فأخلصوا للهِ القولَ والعمل.. قال الامام الحسن البصري رحمه الله: لايزال الرجل بخير إن قال: قال لله، وإن عمل: عمل لله.. فجمِّلوا عملكم بالإخلاص، فأجرُ الدنيا قليل, وثوابُ الآخرةِ خيرٌ وأبقى..
يا مشاعِل العِلم والخير: لقد كان المصطفى ﷺ خيرُ المعلمين، لأنه كان في تعليمه طَلقُ الوجهِ، دائِمُ التَّبسُمِ، كثيرُ التَّودُدِ، قال جريرُ ابن عبدالله رضي الله عنه وأرضاه: " ما حَجبَني رسولُ اللَّهِ ﷺ منذُ أسلمتُ، ولا رآني إلَّا تبسَّمَ".. وكان ﷺ خيرُ المعلمين، لأنه كان في تعليمه حليمًا رحيمًا، رفيقًا شفيقًا، يقول ﷺ: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا"، "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ"، "مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخيرَ كُلَّه"، " ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه"، وفي محكم التنزيل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]..
يا مشاعِل الهدى والنُّور: رسالةُ العِلمِ والتَّعليمِ إنما هي تأسِيٍّ بخير المعلمين, واقتداءٌ بإمام الأنبياء وسيدِ المرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال معاوية رضى الله عنه وأرضاه: " فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي".. والقرآنُ الكريمُ يُشيرُ إلى أنَّ أهمَّ صِفاتِ المعلِّمِ هي الرَّحمةُ، تأمل: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1-4].. وأهل التربية يقولون: "تسعة أعشار التعليم تحفيزٌ وتشجيع".. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: "خدمتُ رسولَ اللهِ ﷺ عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيٍء تركتُه: لِمَ تركتَه"، صححه الألباني..
إخواني المعلمين: التَّعليمُ أمانةٌ ثقيلةٌ، والتَّربيةُ رِسالةٌ عظيمةٌ، تقلَّدها الأنبياء، وورِثها عنهم العُلماء، وقامَ مقامَهم المعلِمين الأكفَّاء، فمن أخذها مِنكم بحقِها، وقامَ بها حقَّ قيامِها فقد أخذّ بحظٍ وافر، وفازَ بأجرٍ عظيمٍ مُتكاثِر، فوطِنوا أنفسكم واصبروا، وشدوا عزائمكم واجتهدوا، واستعينوا بالله ولا تعجزوا، فالأمَّة كُلُّها تُعولُ عليكم بعدَ اللهِ مالا تُعولُه على غيركم، فابذلوا ما تستطِيعون، وقدِموا ما تُطيقون، زاحموا الشَّرَّ الذي ترون، ودافِعوا الباطِل بكُلِّ ما تملِكون، واعلموا أنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملا..
سدَّدَ الله خُطاكُم.. وأعانكُم وهداكُم، وبلغكُم من الخير مُناكم..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد