شوقر دادي المصطلح الذي ولد من شقوق الحداثة

5
3 دقائق
25 جمادى الثاني 1447 (16-12-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لم يظهر مصطلح “Sugar Daddy” في الغرب بوصفه لفظًا مسليًا أو ظاهرة عابرة، بل جاء نتاجًا مباشرًا لتحوّلات فكرية، واجتماعية عميقة في بنية المجتمع الغربي، وفي تصوّراته للعلاقة الإنسانية، وللجسد، وللثروة، وللمقايضة العاطفية.

هذا المصطلح ليس مجرد كلمة، بل هو علامة ثقافية تحمل خلفها سردية كاملة حول معنى الارتباط، والسلطة، والقيمة.

أولًا: دلالة المصطلح في البيئة الغربية.

تكوّن المصطلح من كلمتين بسيطتين:

Sugar بمعنى الحلاوة التي ترمز للترف والمال.

وDaddy بوصفها إشارة للرجل الأكبر سنًا والأعلى قدرة مالية.

والبعد الاجتماعي الأعمق للمصطلح أعمق من حقيقته اللغوية، فهو يرى العلاقة بين الرجل والمرأة خارج الزواج بوصفها ساحة تبادل مصالح: “عاطفة مقابل مال”.

فهو مصطلح يولد من بيئة تُقوّم العلاقات وفق معيارين:

المنفعة الاقتصادية.

الرغبة العاطفية أو الجسدية.

وبذلك يصبح المصطلح مرآة لثقافة لا ترى في العلاقة الإنسانية مسارًا للتكامل الروحي أو البناء الأسري، بل انعكاسًا لمعادلة حسابية دقيقة.

ثانيًا: الظروف التي أفرزت ظهور المصطلح:

ظهر المصطلح في أوائل القرن العشرين في الولايات المتحدة، داخل مجتمع يعيش تحوّلات كبرى أبرزها:

تصاعد الفردانية الحديثة: حيث تحوّلت “حرية الفرد” إلى مرتكز مقدّس، حتى لو أدى ذلك إلى تفكك العلاقات الأسرية.

تأكل مؤسسة الزواج ومحاصرته بقوانين وتعقيدات جعلت كثيرًا من الرجال والنساء يبحثون عن “علاقة بلا التزامات”.

الثورة الاقتصادية والصناعية التي أنتجت طبقة من رجال الأعمال الأثرياء، مقابل شابات يبحثن عن الأمن المالي في اقتصاد تنافسي قاسٍ.

تحرير الجسد عن الأخلاق وفق الموجة الليبرالية الممتدة منذ الستينيات، مما سمح بتحويل الجسد إلى سلعة والعلاقة إلى عقد غير مكتوب.

الاتفاقات والمعاهدات التي سلعت جسد المرأة في منظومة الرأسمالية، وتشييء قيمتها قيمة استهلاكية.

هذه العوامل صنعت المناخ الذي وُلد فيه المصطلح، وجعلته جزءًا من القاموس الاجتماعي أكثر منه مجرد انحراف فردي.

ثالثًا: من روّج للمصطلح؟

اضطلعت عدة قوى ثقافية بترسيخ المصطلح في الوعي الغربي:

1) السينما الأمريكية المبكرة (Pre-Code Hollywood) قدّمت صورة “الرجل الثري الذي يصطحب فتاة شابة” بوصفها علاقة طبيعية في عالم الترف والموضة.

كانت الكاميرا أخطر مروّج، لأنها تخلق الخيال قبل أن تخلق المفردة.

2) الصحافة النسوية الجديدة التي رأت أن العلاقة المنفعة “تمكين اقتصادي للمرأة” حتى لو كانت بلا التزام.

وبعض النسويات اعتبرن أن “استخدام الجاذبية للحصول على فائدة” نوع من استعادة القوة.

البروفيسورة دونا فريتاس.

كتبت عن العلاقات الحديثة بين الجنسين، ومنها العلاقات القائمة على المنفعة، في كتابها:The End of Sex حيث خصصت فصولًا لدراسة العلاقات غير المتكافئة اقتصاديًا.

2) الباحثةCatherine Hakim (كاثرين حكيم) عُرفت بنظرية “رأس المال الإيروتيكي”.

حلّلت في كتبها كيف يُستخدم الشكل والجاذبية في الحصول على مزايا مادية، وذكرت نماذج مشابهة ل sugar daddy.

3) الباحثة الاجتماعيةElizabeth Bernstein (إليزابيث برنستاين)

كتبت عن “اقتصاديات الحميمية” (Intimate Economies) وأشارت إلى شكل العلاقات التي يقدّم فيها طرف مادّيات مقابل عاطفة أو مرافقة.

3) منصّات الإنترنت الحديثة، وخاصة منصات “Sugar Dating” التجارية التي أسسها براندون ويد، وأشهرها “Seeking Arrangement”. هذا الرجل هو المروّج الأكبر للمفهوم، وكتب عنه مؤلفات كاملة، وروّج له بوصفه “علاقة تبادلية عادلة”.

4) المجلات الغربية الكبرى:

مثل Cosmopolitan وVanity Fair وThe Atlantic، التي نشرت تحقيقات واسعة تساهم - بوعي أو من دونه - في تطبيع الفكرة.

رابعًا: لماذا جرى الترويج للمفهوم؟

المنصات التجارية تجني ملايين من الاشتراكات، والإعلانات، وصناعة اللقاءات المدفوعة.

2) شرعنة نمط اجتماعي جديد:

هذا النمط يتناسب مع رؤية حداثية للعلاقات:

“أنت تمنحني المال، وأنا أمنحك الرفقة… وكل شيء قابل للتفاوض”.

3) خدمة الصناعة الإعلامية:

القصص المثيرة تُباع جيدًا، والإعلام يعيش على الإثارة لا على الأخلاق.

4) دعم الفلسفة الليبرالية للحرية الفردية:

حيث يحق لأي شخص - وفق هذا التصور- أن يقيم علاقة بأي شكل طالما أنها “ترضيه”.

5) إعادة إنتاج الهيمنة الذكورية بشكل ناعم:

فرغم ادعاء التحرر، إلا أن هذه العلاقات تكرّس عدم التكافؤ في القوة، وتجعل المرأة محلّ سلعة، والرجل محلّ مال.

خامسًا: عوامل انتشار المصطلح عالميًا:

المصطلح لم ينتشر لإيمان الناس بفكرته، بل لأن العالم أصبح متلقيًا لخطاب ثقافي واحد:

1) العولمة الإعلامية:

السينما، المسلسلات، والأغاني أصبحت تفرض قاموسها على العالم كله.

2) التطبيقات الرقمية:

التي جعلت هذا النمط من العلاقات قابلًا للبحث والتجربة كبقية الخدمات.

3) هشاشة البنى الأسرية في الغرب:

ومع ضعف الزواج وزيادة العزلة والقلق، يبحث كثيرون عن “علاقة بلا تبعات”.

4) الأزمات الاقتصادية:

التي جعلت بعض الفتيات يعتبرن العلاقة منفذًا سهلًا للدخل.

5) الانبهار بالموضة الغربية:

حيث يستهلك بعض المجتمعات الأطراف ما ينتجه الغرب من دون تمحيص، فيدخل المصطلح قبل أن يدخل الوعي الناقد.

مصطلح “شوقر دادي” ليس كلمة طارئة، بل نتاج منظومة فكرية كاملة ترى العلاقة الإنسانية باعتبارها عقد منفعة، وتفصل الجسد عن الأخلاق، وتختزل المودة في معادلة اقتصادية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق