بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله - تعالى - حق التقوى.
عباد الله، إن من كبائر الذنوب تأخير الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي، فإن الله - جل وعلا - جعل للصلوات الخمس أوقاتًا، كل وقت مختص بصلاة، قال - تعالى -: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إلى غَسَقِ الَّيلِ وَقُرءانَ الفَجرِ إِنَّ قُرءانَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا}[الإسراء: 78]، وقال - جل وعلا -:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَت عَلَى المُؤمِنِينَ كِتَـابًا مَّوقُوتًا}[النساء: 103]، أي: محددة في الأوقات. وقد أم جبريل النبي في يومين، أمه في اليوم الأول في أول الوقت، وأمه في اليوم الثاني في آخر الوقت، وقال: يا محمد الصلاة بين هذين الوقتين[1].
أيها المسلم، فالواجب على الجميع الاعتناء بـأوقات الصلوات، وألا تؤخر صلاةٌ حتى يخرج وقتها، فإن هذا مخالفة لأمر الله، والنبي يقول: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد))[2] فالذي يوقع الصلاة في غير وقتها بلا عذر شرعي عمل عملًا مخالفًا لشرع الله ورسوله.
وربنا - جل وعلا - من رحمته بنا جعل للصلاة وقتين، يعني أن الصلاة تفعل في أول الوقت، وتُفعل في آخر الوقت، وكل ذلك جائز، وإن كان أول الوقت أولىº لأنه لما سئل: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))[3]، أي: في أول وقتها إلا ما استثناه الشرع كتأخير الظهر في شدة الحر عن أول الوقت، وتأخير العشاء أيضًا من أول الوقت إلى ثلثل الليل إن أمكن، وإلا فالأصل أن الصلوات الخمس تؤدَّى في أول وقتها فهو أفضل، وإن أداها في آخر الوقت أجزأ، لكن المصيبة أن يؤخرها عن وقتها، يؤخرها حتى يخرج وقتها، وقد قال ربنا - جل وعلا -: {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصلاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا}[مريم: 59]، فسر الصحابة رضوان الله عليهم إضاعة الصلاة هنا بأنه تأخير الصلاة عن وقتها، إذ تركها كفر والعياذ بالله، قال إمام التابعين سعيد بن المسيب - رحمه الله -: \"هو أن لا يصلي الظهر حتى يدخل وقت العصر، ولا يصلي العصر حتى يدخل وقت المغرب، ولا يصلي المغرب حتى يدخل وقت العشاء، ولا يصلي العشاء حتى يدخل وقت الفجر، ولا يصلي الفجر حتى تطلع الشمس\"[4]، فمن استمر على هذا الفعل السيئ فإن الله توعده بالغي بقوله: {فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا}، والغي واد في جهنم بعيدٌ قعره، شديد حره، توعد الله به مؤخر الصلاة عن وقتها، قال - تعالى -: {فَوَيلٌ لّلمُصَلّينَ الَّذِينَ هُم عَن صَلَـاتِهِم سَاهُونَ}[الماعون: 4، 5]، وإن من السهو عنها أن تصلى بعد خروج وقتها.
أيها المسلم، لا عذر لك إلا نوم غلب عليك، أو نسيان عرض لك، نوم غلب عليك في بعض الأوقات، أو نسيان عرض لكº لأنه قال: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) ثم قرأ قوله - تعالى -: {وَأَقِمِ الصلاة لِذِكرِى}[طه: 14][5].
لكن يا أخي المسلم، المصيبة من يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي، إن المؤخر لها عن وقتها مستخف بالصلاة، مستهين بالصلاة، متكاسل عن الصلاة، متخلق بأخلاق المنافقين، يقول: ((تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان نقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا))[6].
أيها المسلم، إن تأخير الصلاة عن وقتها دليل على غفلة القلب، وعدم الاهتمام بهذه الفريضة، يقول الله - جل وعلا -: {يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تُلهِكُم أَموالُكُم وَلاَ أَولَـادُكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ}[المنافقون: 9]، فسر بعض السلف ذكر الله هنا بالصلاة.
أيها المسلم، إن أداءها في الوقت عنوان المحافظة عليها، يقول في الصلوات الخمس: ((من حفظها وحافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا نجاة ولا برهان يوم القيامة، وحشر مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف))[7] أئمة الكفر والضلال.
فاتق الله ـ أيها المسلم ـ في صلواتك، حافظ على وقتها فإن الله لا يقبلها إلا في وقتها، بعض من العلماء يقول: من أخرها عن وقتها بلا عذر شرعي فإن الله لا يقبلها منه، وقد عرَّض نفسه لسخط الله وعذابه. فلنتق الله في صلواتنا.
أخي المسلم، إنك تهتم بمواعيدك الرسمية في كل الأحوال، الأمور المادية والمواعيد لها تتقيد بها في سفرك[وحضرك وفي مرضك وعافيتك]، فكيف بهذه الصلوات الخمس التي محافظتك عليها عنوان الإيمان الصحيح، وتضييعك لأوقاتها من أخلاق المنافقين، {إِنَّ المُنَـافِقِينَ يُخَـادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إلى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَإلى يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلًا}[النساء: 142]؟!
أخي المسلم، كيف ترضى لنفسك بأن تؤخر فريضة عن وقتها بلا مبالاة ولا خجل من الله؟! قد تنام بعد العصر ولا تستيقظ إلا وقت العشاء، ويفوتك وقت صلاة المغرب، وقد تنام قبل العصر ولا تستيقظ إلا بعد غروب الشمس، ولو كنت ذا ارتباط بموعد ما لنبهت ولجعلت من ينبهك ولبذلت كل الوسائل التي توقظك عند ذلك الموعد، فكيف وتلك فرائض رب العالمين؟! حدَّد وقتها رب العالمين، فالواجب السمع والطاعة لله ورسوله، اسمع النبي يقول: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر))[8]. فالصلوات الخمس المؤداة في أوقاتها تكفر ما بين بعضها من صغائر الذنوب، هذا لمن حافظ عليها حقيقة، والله يقول:{وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلَواتِهِم يُحَـافِظُونَ أُولَـئِكَ هُمُ الوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَـالِدُونَ}[المؤمنون: 9 ـ 11]، فمن أعظم المحافظة عليها أن تحافظ عليها بأدائها في وقتها، إن تأخيرها عن وقتها قد يدعوك إلى تركها، فتفوتك الأوقات من حيث لا تشعر.
فاتق الله ـ أيها المسلم ـ في هذه الفريضة، اعتن بها حق العناية، اجعلها أهم أشغالك وأهم أمورك، اجعل مواعيدها من أعظم المواعيد التي يجب أن تلتزم بها، وأن تعض عليها بالنواجذ، نبينا وأصحابه في إحدى غزواتهم، وهم مواجهون للعدو، قالوا: إن محمدًا وأصحابه تحضرهم صلاة هي أحب إليهم من أنفسهم وأهليهم، فإذا دخلوا فيها فتمكنوا منهم، فأنزل الله صلاة الخوف، وأمر النبي أن يصلي بطائفة وطائفة تحرسهم وترقب تصرفات العدو[9]، وكل ذلك اهتمامًا بهذا الوقت، وعناية بهذا الوقت، ولهذا لا يجمع بين صلاتين إلا بالأعذار الشرعية، وفي الأثر: (من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر)[10].
فلنتق الله في صلواتنا، ولنتق الله في هذه الأوقات، ولنعتن بها خير العناية، ولنجعلها من أهم أمورنا وارتباطاتنا، ولنحافظ على هذا، فإن عنايتنا بوقتها دليل على حرصنا عليها، واهتمامنا بها، وعنايتنا بها، والله يقول: {وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَـاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنٌّونَ أَنَّهُم مٌّلَـاقُوا رَبّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ راجِعُونَ}[البقرة: 45، 46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله - تعالى -حق التقوى.
عباد الله، إن نبيكم محمدًا كان يهتم بمواقيت الصلوات، ويعتني بها أيما عناية، ويرغب المسلمين في ذلك.
أيها المسلم، إن الجمع بين الصلاتين جائز للعذر الشرعي، كعذر السفر والمطر، فكان نبينا يجمع بين الصلاتين إذا جد به السير[1]، ويجمع أيضًا ولو كان نازلًا في السفر إذا كان هذا السفر سفرًا تُقصر في مثله الصلاة، كان من هديه في سفره أنه إذا انتقل من المكان قبل أن يدخل وقت الظهر آخر الظهر حتى يصليها مع العصر جمع تأخير[2] ليكون أرفق في سيره واستمراره، وإذا زالت عليه الشمس قبل أن ينتقل ودخل وقت الظهر قدّم العصر وصلاها مع الظهر جمع تقديم، وإذا ارتحل من مكانه قبل أن تغرب الشمس آخر المغرب وصلاها مع العشاء جمع تأخير، ليكون أرفق في سيره واستمراره، وإذا غربت عليه الشمس قدم العشاء وصلاها بعد المغرب جمع تقديم[3]، وربما جمع بين الصلاتين وهو نازل في السفر، هكذا هديه.
وجوَّز الصحابة والتابعون الجمع في المطر، لكن الجمع بلا سبب شرعي أو تأخير الصلاة عن وقتها بلا مبرر شرعي، هذا إثم ومعصية لله.
فلنتق الله في أوقات صلواتنا، ولنعتن بها، ولنحافظ عليها، فعسى الله أن يتقبلها منا ومنكم أجمعين، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا ـرحمكم اللهـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد...
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
----------------------------------------
[1] أخرجه أحمد (1/333)، وأبو داود في الصلاة، باب: في المواقيت (393)، والترمذي في الصلاة، باب: ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي (149) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. قال الترمذي: \"حديث ابن عباس حديث حسن صحيح\"، وصححه ابن الجارود (149)، وابن خزيمة (325)، والحاكم (1/ 306)، وأبو بكر ابن العربي وابن عبد البر كما في التلخيص الحبير (1/ 173)، والألباني في صحيح أبي داود (377).
[2] أخرجه مسلم في الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة... (1718) من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وهو في البخاري بنحوه.
[3] أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب: فضل الصلاة لوقتها (527)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان كون الإيمان بالله - تعالى -أفضل الأعمال (85) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
[4] انظر: تفسير البغوي (5/241).
[5] أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد... (597) من غير ذكر لفظة ((من نام عن الصلاة))، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة (684) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - بنحوه.
[6] أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالعصر (622) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - بنحوه.
[7] أخرجه أحمد (2/ 169)، والدارمي في الرقاق، باب: في المحافظة على الصلاة (2721)، والطبراني في الأوسط (1788) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -. وصححه ابن حبان (1467)، قال المنذري في الترغيب (820): \"رواه أحمد بإسناد جيد\"، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 292): \"رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات\"، وأورده الألباني في ضعيف الترغيب (312).
[8] أخرجه مسلم في الطهارة (233) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
[9] حديث مشروعية صلاة الخوف أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف (840) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.
[10] روي مرفوعًا من طريق حنش عن عكرمة عن ابن عباس، أخرجه الترمذي في الصلاة (188)، وأبو يعلى (5/ 136)، والطبراني (11/ 216)، والدارقطني (1/ 395)، والحاكم (1/275)، والبيهقي (3/ 169)، قال الترمذي: \"وحنش هذا هو أبو علي الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره\"، وقال الدارقطني: \"أبو علي الرحبي متروك\"، وضعفه أيضًا البيهقي والذهبي متعقبًا تصحيح الحاكم، وقال الحافظ في التهذيب (2/ 365): \"لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ولا أصل له\"، وقال الألباني في ضعيف الجامع (5556): \"ضعيف جدًا\". وروي موقوفًا عن عمر من طريق أبي العالية عنه، أخرجه البيهقي (3/ 169) وقال: \"هو مرسل، وأبو العالية لم يسمع من عمر\"، وأخرجه أيضا (3/ 139) من طريق أبي قتادة عنه، وقال: \"أبو قتادة أدرك عمر، فإن كان شهده فهو موصول، وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قويًا\".
[11] أخرج البخاري في الجمعة، باب: الجمع في السفر بين المغرب والعشاء (1108) واللفظ له، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها (703) عن ابن عمر أنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين المغرب والعشاء إذا جد به السير.
[12] أخرج البخاري في الجمعة، باب: يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل... (1111)، ومسلم في صلاة المسافرين، باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر (704) عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب.
[13] أخرجه أحمد (5/ 241)، وأبو داود في الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين (1220)، والترمذي في الجمعة، باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين (553) من حديث معاذ بن جبل. قال الترمذي: \"حديث حسن غريب تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدًا رواه عن الليث غيره، وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ حديث غريب\"، وقال الخطيب البغدادي في تاريخه (2/ 33): \"هو منكر جدًا\". فأحاديث جمع التأخير ثابتة في الصحيح كما تقدم. أما حديث جمع التقديم ففيه مقال مشهور عند علماء الحديث. انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (24/ 27)، وزاد المعاد لابن القيم (1/ 477) وما بعدها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد