دورنا تجاه أساليب المنافقين في إفساد المرأة ( 1 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على سيد المرسلين، وعلى آلهِ وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

لابدَّ أن نعلمَ جميعاً أنَّ أساليبَ المنافقين في إفسادِ المرأةِ المسلمةِ، وطموحاتهِم لا تتوقفُ عند حدٍ, معين، بل يُريدون أن يحيوا حياةَ الإباحيةِ - الحرية - كما يزعمون - في بلاد الحرمين بدون تحفظ، وكلَّما حققوا خطوةً في ذلك سعوا إلى إنجازِ خطوةٍ, أُخرى، وتباكوا على ظلمِ المرأة، حتى يحققوا تقدماً آخر، ولكن إلى دربِ الشقاءِ والضلالِ وعالم ِالرذيلةِ.

أيٌّها الأخوةُ في الله: ما دورُنا تجاه تلك الأحداثِ التي تدارُ خلف الكواليس للقضاءِ على عفافِ نسائِنا وطهرهنَّ وحيائهنَّ، إنَّ موقفنَا يتلخصُ في عدةِ أمور:

أولاً: الحذرُ من كيدهِم وخبثهِم، يقولُ الله - تعالى -: ((يَقُولُوا تَسمَع لِقَولِهِم كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ, عَلَيهِم هُمُ العَدُوٌّ فَاحذَرهُم قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ)) (المنافقون: من الآية4).

فيجبُ الحذرُ من هذا العدوِّ الشرس بمختلفِ أنواعِ الحذرِ، ومن ذلك عدمُ السماعِ لقولهم، والإعراضُ عنهم خاصةً ممن لا يستطيعُ مدافعتَهم والردَ عليهم.

ثانياً: التحلي بالصبر والتقوى في مواجهةِ هؤلاء، فكلَّما كان صبرنُا أقوى، وتقوانا للهِ أتم، كان كيدُهم مهزوزاً كبيت العنكبوت، يقول الله - تعالى -: ((وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرٌّكُم كَيدُهُم شَيئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ)) (آل عمران: من الآية120).

إذن هو الصبرُ والعزمُ والصمودُ أمام قوتهِم إن كانوا أقوياءº وأمام مكرهم إن سلكوا طريقَ الوقيعةِ والخداع، الصبرُ والتماسكُ لا الانهيارُ والتخاذلº ولا التنازلُ عن العقيدةِ أو بعضِها اتقاءً لشرهم المتوقع، أو كسباً لودهم، ثُمَّ هي التقوى: الخوفُ من اللهِ وحدهَ، ومراقبتُه وحدهَ، تقوى اللهِ - تعالى -التي تربطُ القلوبَ بالله، فلا تلتقي مع أحدٍ, إلاَّ في منهجه، ولا تعتصمُ بحبلٍ, إلا بحبله، وحين يتصل القلبُ بالله فإنَّهُ سيحقرُ كلَ قوةٍ, غيرِ قوتِه، وستشدُ هذه الرابطةُ من عزيمتهِ، فلا يستسلمُ من قريب، لا يوادُ من حادَّ اللهَ ورسولَه، طلباً للنجاة أو كسباً للعزة!!

هذا هو الطريقُ أمام كيدِ الأعداءِ: الصبرُ والتقوى، التماسكُ والاعتصامُ بحبل الله، وما استمسك المسلمون في تاريخهم كلهِ بعروة اللهِ وحده، وحققوا منهج اللهِ في حياتهِم كلِّها، إلا عزوا وانتصروا، ووقاهمُ اللهُ كيدَ أعدائهِم، وكانت كلمتُهم هي العليا، وما استمسكَ المسلمون في تاريخهم كلهِ بعروة أعدائهم، الذين يُحاربون عقيدتهَم ومنهجهَم سراً وجهراً، واستمعوا إلى مشورتهِم، واتخذوا منهم بطانةً وأصدقاءَ، وأعواناً وخبراءَ ومستشارين، إلاَّ كتب اللهُ عليهم الهزيمةَ، ومكَّن لأعدائهم فيهم، وأذلَّ رقابهَم، وأذاقهم وبالَ أمرهِم، والتاريخُ كلُه شاهدٌ على أن كلمةَ اللهِ خالدة، وأنَّ سنةَ اللهِ نافذةٌ، فمن عميَّ عن سنةِ اللهِ المشهودةِ في الأرض، فلن ترى عيناهُ إلاَّ آياتِ الذلةِ والانكسِار والهوانِ. [1]

ثالثاً: التضرعُ بين يدي الواحدِ القهار العزيزِ الجبار في أوقات الأسحارِ، أو لأهلِ الصيامِ قبلَ الإفطار، أو بين الأذانِ والإقامةِ، أو في السجود، وأقربُ ما يكونُ العبدُ من ربهِ وهو ساجد، نتضرعُ بين يدي الله - تعالى -في أن يكفينَا شرَ هؤلاء بما يشاء، وألاَّ يقيمَ لهم رايةً، وأن يجعلَهم لمن خلفهم عبرةً وآية، فالدعاءُ سلاحٌ عظيمٌ لا يُستهانُ به، فطالما قُلبت الموازين، فجعل الضعيفُ قوياٌ، والفقيرُ غنياٌ. والذليلُ عزيزاٌ: ((وَقَالَ رَبٌّكُمُ ادعُونِي أَستَجِب لَكُم)) (غافر: من الآية60).

ويقولُ اللهُ - تعالى -: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَستَجِيبُوا لِي وَليُؤمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ)) (البقرة: 186).

ودعوةُ المظلومِ مستجابةٌ، وهم قد ظلموا العبادَ بجلبِ أسبابِ الفسادِ، وقدموا لهم كلَ جديدٍ, في عالمِ الرذيلةِ والفاحشةِ، فلا نتوانا جميعاً الشيخُ الكبيرُ، والمرأةُ الصالحةُ، والشابُ المؤمنُ، كلنُا جميعاً نرفعُ أكفَّ الضراعةِ بين يدي اللهِ - تعالى -أن يشغلَهم بأنفسهم، وأن يكفينَا إياهم بما يشاءُ إنَّه سميعُ الدعاء، ولن تخلَو هذه الأمةُ - بإذن الله - من رجلٍ, صالحٍ, أو امرأةٍ, صالحة، لو أقسم على اللهِ لأبره، فمن يدعو أيٌّها الأخوةُ والأخوات؟ ومن يبتهلُ بين يدي الله - تعالى -؟

رابعاً: أن يتحركَ أهلُ العلمِ للتصدي لهؤلاءِ المنافقين، بشكلٍ, أكبر، يقول الله - تعالى -: ((يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغلُظ عَلَيهِم وَمَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصِيرُ)) (التوبة: 73).

وجهادُ هؤلاءِ يكون باللسانِ كما بين ذلك العلماءَ، وذلك في حقِ غيرِ الإمام، فيجبُ على العلماءِ والدعاةِ والقادرين من طلبةِ العلم، يجبُ عليهم جهادُهم باللسانِ والقلمِ، ومختلفِ أنواعِ البيانِ، فيمُاطُ اللثامُ عن وجوههم الكالحة، وتُسلطُ الأضواءُ على وظيفتِهم التي يسرَّها الاستعمارُ لهم، ووقف بعيداً ينتظرُ نتائجَها المُرة. ولا مانع إذا دعت الحاجةُ من الجهرِ بأسمائِهم وتعيينِ أشخاصِهم، إذا تبينتِ الأحوالُ، وتظافرتُ القرائنُ، وتوفرت الوثائق، وظهرَ من خلال أقوالهِم أو أعمالهِم ما يدلُ على سوءِ قصدِهم، وخبثِ النية، وإشاعةِ الفاحشةِ، ونشرِ الفسادِ، والتهيئةِ للباطلِ وحربِ الحقِ.

خامساً: إن أهلَ العلمِ - هم أولى الناسِ بنصرةِ قضيةِ المرأةِ والدفاعِ عن حقوقهِا المشروعةِ، وانتقادِ الظلمِ الذي ينالهُا، ومن ذلك: حقُها في حسنِ الرعايةِ والعشرةِº فبعضُ الأزواجِ يسيءُ معاملةَ زوجتِه ويهينُها، وربما تعامل معها على أنها خادمٌ أو سلعةٌ، أو شيءٌ دنس، ومن ذلك: الأوضاعُ الخاطئةُ والعاداتُ المخالفةُ للشرع في تزويجها، كالمغالاةِ في المهرِ، واعتبارهِ ميداناً للكسبِ المادي، وأخذِ والدهِا لكثيرٍ, من مهرهِا الذي هو حقٌ لها، ومن ذلك العَضلُ، وتأخيرُ تزويجِها طمعاً في الاستفادةِ من راتبِها حين تكون عاملة، وأهلُ العلمِ حين يسعونَ لمُناصرةِ قضايا المرأةِ والدفاعِ عنها، لهم أسوةٌ حسنةٌ بالنبي - صلى الله عليه وسلم-º فقـد اعتنى بعلاجِ ما يقعُ من خطأٍ, تجاه المرأةِº فعن سليمانَ بنِ عمروِ بنِ الأحوصِ قال: حدثني أبي أنه شهدَ حجةَ الوداعِ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ، فذكر في الحديث قصةً فقال: ((ألا واستوصوا بالنساء خيراًَº فإنما هُنَّ عوان عندكم، ليس تملكون منهنَّ شيئاً غيرَ ذلك، إلا أن يأتين بفاحشةٍ, مبينةº فإن فعلن فاهجروهنَّ في المضاجع واضربوهن ضرباً غيرَ مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً. ألا إنَّ لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاًº فأمَّا حقكم على نسائكم فلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهُنَّ عليكم أن تحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامهن)).

وعن إياس بنِ عبد الله بنِ أبي ذباب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((لا تضربوا إماءَ الله)) فجاء عمرُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: ذَئِرنَ- أي نفرن - النساءُ على أزواجهِنº فرخص في ضربهن، فأطاف بآلِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نساءٌ كثير، يشكون أزواجَهنَّ فقال النبيُ - صلى الله عليه وسلم-: ((لقد طاف بآلِ محمدٍ, نساءٌ كثيرٌ يشكين أزواجَهن ليس أولئك بخياركم)) والاعتناءُ بهذا الجانبِ يبرزُ العلماءَ وطلبةَ العلم، بأنهم الأنصارُ الحقيقيون للمرأة، وهم المدافعون عن قضيتها.

سادساً: على النساءِ المسلماتِ أن يقفن كالسد العالي، في وجهِ هؤلاءِ، وذلك باعتزازِها بحجابهِا وعنوانِ شرفها، وبقرارها في بيتِها، الذي أصبح الغربُ الكافرُ على كفرهِ يُنادي برجوع المرأةِ إلى بيتِها، وقوامةِ الرجلِ عليها، وأن يكن كالدرع الواقي في هذه المعركة، فالهجومُ على المرأةِ المسلمةِ إنما هو هجومٌ على قيمِ الإسلام، ذلك أنَّ الدعوةَ إلى تحريرِ المرأةِ المزعومِ إنما هو تسفيهٌ لدينِها الذي هو عصمةُ أمرِها، وهو اختيارُها عبرَ أكثرَ من أربعِمائةٍ, وألفٍ, من الأعوام، وهو الذي أخرجها من ذُلِ وأسر الجاهليةِ إلى عز الإسلام، فالدعوةُ التحريريةُ المزعومة، دعوةٌ في الواقع إلـى إرجاعِها إلى الذلِ والأسرِ من جديد، ودعوةٌ إلى تحويلِها إلى دُميةٍ,، لمجردِ المتعةِ على الطريقةِ التي يعرفها دعاةُ التحريرِ في (كان) و (هوليود) و...حيث مسارحُ الرذيلةِ وملاهي الخنا.

لقد ملت هذه الدعواتِ هناك الكثيراتُ من عاقلاتِ الغربِ، وبعضهنَّ نفضن عن كواهلهِن ميراثَ الكفرِ، الذي أورثهُنَّ الذلَ والضياعَ في الدنيا، رغم دعاوى التحررِ والمساواةِ التي يتشدقُ بها دعاةُ الرذيلةِ، الذين لا همّ لهم إلاَّ معاقرةَ الخنا والجريمةِ عن طريق الإيقاعِ بالمرأةِ، واستدراجِها بعيداً عن قلعةِ العفةِº لتكون لُعبةَ الرجلِ المفضلةَ، كما يريدها أصحابُ الفجورِ الذين لا خلاق لهم، إنَّ المرأةَ التي تنطلي عليها هذه المؤامرةُ واحدةٌ من اثنتين: جاهلةٌ لا علمَ لها بشيءٍ, على الإطلاق، لا بما يُحاكُ ضدَها ولا بأمورِ دينِها، أو عالمةٌ بما يَدُورُ حولها وبنتائجِ هذه الدعوةِ الخبيثةِ، فتكون في هذه الحالةِ جزءاً من المخططِ الخبيث الذي يُدبرُ بليلٍ, ونهار، ليس للإيقاعِ بالمرأةِ فحسب، ولكن للقضاءِ على الإسلام من أساساته، ولن يتمَّ ذلك لدُعاة الهدمِ والتخريبِ بإذن الله ثُمَّ بيقظةِِ الأمةِ عامةً، والمخلصين خاصة، فليتدبر كلٌ منَّا أمرَهº فالخطبُ جسيمٌ، والهجمةُ شرسة، والطريقُ طويل وشاق، والله المستعان.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

 

الخطبة الثانية:

سابعاً: هذا رسالةٌ لكلِّ مسلمٍ, في هذا البلد المبارك، وفى أي موقعٍ, من مواقعِ العمل، وأقولُ له: إياكَ إياكَ أن يؤتى الإسلامُ من قبلك، سواءً عبرَ أهلِ بيتك، أو بقرارٍ, من توقيع يدك في موقعٍ,ٍ, رسمي، أو بسكوتٍ, يجعلُ منك شيطاناً أخرساً ليس لك دورٌ. يقول الله - تعالى -: ((كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ)) (آل عمران: من الآية110).

إن الحصنَ الحصينَ، والسياجَ المنيعَ للأمة، هو الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، به تُحفظُ معالمُ الدين، وتُصانُ حرماتُ المسلمين، إنَّهُ مجاهدةٌ دائمة، يقوم بها كلُ مسلم، يستفرغُ وسعَه وجهدَهُ في ذلك، لا أن يكون السعيُ جهوداً مبعثرةً في ساعاتٍ, متفرقةٍ,، حسب هوى النفسِ ورغبتِها، ولكنهُ مجاهدةٌ دائمةٌ، من أجل بقاءِ أعلامِ الدينِ ظاهرةً، والمنكراتِ مدحورةً،

 قال الإمامُ الغزال- يرحمه الله -: (إنَّ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكرِ هو القطبُ الأعظمُ في الدين، وهو المهمُ الذي ابتعث اللهُ له النبيين أجمعين) [2] وقال ابنُ حزم: (اتفقت الأمةُ كلُها على وجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر بلا خلافٍ, من أحدٍ, منها) [3] وقد عدهُ فاروقُ هذِه الأمةِ شرطاً رئيسياً في الانتماءِ إلى صفوفِ هذه الأمةِ، فقد قرأ قولَه - تعالى -: ((كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ)) ثم قال: (أيٌّها الناس: من سرهُ أن يكون من تلك الأمةِ فليؤدِّ شرطَ الله منها) [4].

ثامناً: مناصحةُ هؤلاءِ الذين انحرفوا عن الصراطِ، ومالوا إلى عدوهِم، واغتروا بما هم عليه من ضلالٍ, وانحرافٍ,، من خلالِ زيارتهِم، والحديثِ معهم أو عبرَ الرسالةِ الخطية إليهم، أو من خلالِ البريد الإلكتروني، إنَّ الكتابةَ لمثلِ هؤلاءِ يجعلهُم أمامَ الأمرِ الواقعِ، من أن المجتمعَ يرفضُ هذا النشازَ الذي يكتبونه ويصدرونه للأمة، وأيضاً لعلهم يهتدون.

تاسعاً: مناصحةُ المسئولين والكتابةُ إليهم، وقد شاءَ اللهُ - تعالى -أن يختصَ بنفسِه بالكمال، وأرادَ أن يكون لدى الإنسان مثالبُ وجوانبُ قصور، مهما بلغَ من العلمِ والتقوى والورعِ، والنجابةِ والحكمة، وهذا ما يجعلُهُ في حاجةٍ, إلى من يُشركهُ أمرَه ويَشد به أزره، وأحوجُ الناسِ إلى ذلك هُم أصحابُ الأماناتِ الكبرى والولاياتُ العظمى، حتى الأنبياءَ رضوان الله عليهم مع عصمتِهم وتأييدِهم بالوحي، احتاجوا إلى الحواريين والأصحابِ والبطانةِ الصالحة، فعند البخاري من حديث أبي سعيدٍ, الخدري وأبي هريرة- رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانةُ تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصمه الله)) وعند أبي داود بإسنادٍ, جيد، من حديث عائشة قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (( إذا أراد اللهُ بالأمير خيراً جعل له وزير صدق، إن نسي ذكَّره، وإن ذكر أعانهُ، وإذا أراد اللهُ به غير ذلك جعل لهُ وزير سُوءٍ, إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه)).

لذا فإنَّ القائمين على شؤونِ الأمةِ بحاجةٍ, إلى من يعينهم على حملِ المسؤولية، ومن يبصرهم السداد، ويأخذُ على أيديهم عند الخطل، ويحجزهم عن الغوايةِ، ويقدمُ لهم المشورة الحكيمة.

ألا إنَّها دعوةٌ أوجهها إلى الغيورين على حُرماتِ المسلمين ومصالحِهم، إلى من أدركوا فسادَ الوضع، وخطورةَ الموقفِ، وضرورةَ الأخذِ بالمبدأ القائل: لن يصلحَ آخرُ هذه الأمة إلاَّ ما أصلحَ به أولها \"

ألا إنَّها دعوةٌ لأن ينفضوا الغبارَ، ويراقبوا الجبارَ، ويهبٌّوا جميعاً، ويرسلوها صيحةَ حقٍ,، ودعوةَ هُدى إلى إصلاحِ ما اعوج من أمرِ المسلمين، وإلى إقامةِ ما فسد من أمرِ الأمة.

ألا إنَّها دعوةٌ لأولئك المتقاعسين عن الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، إمَّا تهاوناً أو تفريطاً، أو اعتماداً على غيرهم من رجالِ الحِسبة ـ وفقهم الله ـ أو تسويفاً أو جبناً يلقيهِ الشيطانُ على قلوبهم، وتخويفاً أن يتقوا الله في مجتمعِهم، الذي يُجرجرُ إلى الهاويةِ وهم يُشاهدون وينظرون ولا يتحركون، قال - صلى الله عليه وسلم-: ((ألا لا يمنعنَّ أحدَكم رهبةُ الناسِ أن يقول بحقٍ, إذا رآهُ أو شهده، فإنَّهُ لا يقربُ من أجل، ولا يُباعدُ من رزقِ أن يقولَ بحقٍ, أو يذكر بعظيم)) [5]

ألا إنَّها دعوةٌ لتلبية نداء: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطيع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) [6]

وإنَّ مما يشرحُ صدورَنا، ويثلجُ قلوبنَا، أنَّ اللهَ - تعالى -وعدَ عبادَه المتقين بالنصرِ والتمكين متى ما حققوا شرطَهُ، يقول جلَّ جلاله: ((إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم)) (محمد: من الآية7).

هذا وصلوا رحمكم الله على النبي العظيم، والمرشد الكريم.

 

----------------------------------------

[1] انظر: الظلال (1/447) بتصرف.

[2] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الغزالي، تحقيق سيد إبراهيم (ص 5).

[3] الفصل في المملل 5/19 ت محمد نصر..

[4] فتح القدير 1/453 ت عبد الرحمن عميرة

[5] أخرجه أحمد 3/50ورقمه 11492من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

[6] رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply